الإعلام و إبراز دور المرأة.
نحن نعيش عصراً جديداً من الحضارة الإنسانية عصر التقدم العلمي والحضاري، حيث يشهد المجتمع الإنساني تطورات مذهلة من اكتشاف الخارطة الجينية إلى تكنولوجية الاتصال وثورة الإعلام والدفق الإخباري أصبحت من أبرز ملامح العصر الراهن سيطرة وسائل الاتصال المجتمعية والمتمثلة بوسائل الإعلام الجماهيري. فالتكنولوجيا المعاصرة قد اختزلت الانعزال العقلي المعرفي للناس إلى الحد الأدنى، وأدت الوسائل الحديثة للاتصال والمواصلات إلى الإسراع بنشر المعلومات إلى الحد الذي نستطيع معه في المسقبل غير البعيد أن نتوقع أنّه لن يوجد فرد أو جماعة سوف يكون في مقدارها الهرب من تلك التأثيرات التي سوف تتلاحق عليها من كل صوب اتصالي. إنّ وسائل الإعلام متعددة ومتنوعة ولكلّ وسيلة إعلامية خصائص ومميزات تنفرد بها عن الأخرى، وتحدث هذه الوسائل تأثير على الفرد يؤدي إلى تغيرات تحصل على المجالات السلوكية والانفعالية والمعرفية والمجالات النفسية العميقة وعند الحديث عن الإعلام والمرأة لابدّ لنا من معرفة المسار التاريخي للمرأة العربية وارتباط ذلك بالثقافات العربية والإسلامية والغربية. فلقد لعبت الظروف السياسية والاجتماعية قبل الثورة إلى إبعاد المرأة عن المساهمة في التنمية بل وبقائها تحت سيطرة الأمية والتخلف ومسلوبة الإرادة، “إنّ العزلة الطويلة التي عاشها المجتمع في عهد ما قبل الثورة وفي عهدي الاستعمار والتخلف والحرمان قد انعكست على الأسرة مباشرة سلبياً وعاشت في وضع هامشي من المجتمع والنظام السائد ومن كل مظهر حضاري متجدد ولهذا كانت الأسرة وإلى عهد قريب محصور في العلاقات الاجتماعية والعشائرية وعلاقات الجوار”. ورغم كلّ ظروف الأمية التي وصلت نسبتها أكثر من 90% قبل الثورة والتخلف والاستعمار فقد كان للمرأة العربية دور مبكر في مجال الإعلام . وأخذت المرأة تبحث عن دورها من أجل إنجاز حقوقها، وكانت الصحافة هي الوسيلة المثلى لتخوض دورها على اعتبار أنّ الصحافة في مرحلة الأربعينات وحتى الستينات كانت هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لها والتي وعبر صفحاتها عملن المستنيرات من النساء بكل قوة وشجاعة لكي يقنعن الرجل أوّلاً لكونه صاحب القرار وهو الذي يقرأ الصحف “أما النساء باستثناء المستنيرات فالأمية منتشرة في صفوفهنّ لا تسمح لهنّ بالقرارة”، رغم التقدم الكبير في تناول الإعلام العربي واليمني لقضايا المرأة لم تبرز بعد أهمية وظيفتها داخل الأسرة ودورها الأساس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وتشير الدراسات العربية أن تناول قضايا المرأة في وسائل الإعلام ما يزال يعاني من مشكلات لا يرتقي إلى مستوى التحولات التي شهدتها الساحة من إنجازات ملموسة خلال الفترة الماضية وتحديداً العشرين السنة الأخيرة من القرن العشرين في مجالات التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية والثقافية والإبداعية والنضال الوطني وهذا مرتبط في سياق الموروث الثقافي الذي لا يزال يؤثر بصورة سلبية في تحديد أدوار ومواقع المرأة ومواقف كل من المجتمع ووسائل الإعلام منها في نفس الوقت هناك تكريس التوجهات التقليدية تجاه المرأة من خلال تركيز وسائل الإعلام على إبراز دور المرأة التقليدي (كزوجة وأم وربة بيت وابنة مطيعة) والاهتمام بالشؤون المنزلية وتربية الأبناء تحت مسميات الحفاظ على العادات والتقاليد. ونظراً لأنّ تاريخنا تاريخ ذكوري فإنّ هذه الامتيازات التاريخية للرجل لا زالت هي المسيطرة على تفكيره وتنعكس على صعيد الواقع والعلاقات السائدة في المجتمع بسلوكيات تضع عدد من المشكلات والتعقيدات أمام تقدم المرأة وتحررها من الموروثات القديمة. وتقول د. عواطف عبدالرحمن: “إنّ الحركة النسائية المعاصرة ترى أنّ الإعلام بشكل عام يعد مسؤولاً عن استمرار الصورة النمطية التقليدية لأدوار النوع مما ساعد على استمرار الصورة النمطية في الذهن الجمعي”. وسائل الإعلام وقضايا المرأة: من خلال المتابعات والملاحظة العامة لما تقدمه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة من أخبار وبرامج وأنشطة إعلامية يتضح جانب القصور وإغفال دورها وحقوقها في المجالات التالية: الصحافة: الصحافة والكلمة المطبوعة كانت ولا زالت من الوسائل الإعلامية الرئيسية والمهمة في نشر الأفكار والآراء والمعلومات والتأثير على جمهور القرار تؤثر بشكل كبير وبخاصة بين أوساط النخب والقيادات، وفي نظرة عامة للصحف اليومية الرسمية سنجد أنها بالنسبة للقضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة يتم تناولها في إطار محدود ومساحات محدودة تتجه في الغالب نحو موضوعات عامة عن صحة الأسرة والمجتمع والاهتمامات التقليدية للمرأة وقضايا تربية الأبناء والرعاية الصحية وموضوعات متنوعة في مجالات العلاقات الزوجية وأخبار القيادات النسائية والنشاطات الرسمية للمنظمات والجمعيات النسائية إلى جانب النشاطات الموسمية التي ترافق الاتجاهات الرسمية عند القيام بالفعاليات ذات العلاقة بالنشاطات المتعلقة بالحقوق والتشريعات والمشاركة السياسية (لها علاقة بالمناسبات والاحتفالات المحلية والدولية). وعند الوقوف الجاد أمام ما تنشره الصحف اليومية يلاحظ غياب تناول قضايا مهمة وحساسة ذات أبعاد قانونية وثقافية وتنموية وسياسية ونستعرض أهم القضايا التي تتجاهلها الصحف اليومية:
1- عمل المرأة خارج المنزل. 2- إبراز مشاكل المرأة الريفية. 3- محو الأمية وتعليم المرأة. 4- نشر الوعي السياسي لدى المرأة وحثها على المشاركة في الحياة السياسية. 5- تخطيط ميزانية الأسرة وتنظيم الأسرة. 6- الزواج المبكر. 7- المساواة بين الجنسين. 8- تجاهل الموضوعات التي تعكس تطور المرأة والإنجازات التي حققتها خلال المراحل الماضية. 9- اهتمام أهمية إسهام المرأة في التنمية. 10- رصد واقع المرأة في الريف والحض بإيجابياته وسلبياته. 11- المرأة ومسؤولياتها الاجتماعية. 12- تصحيح صورة المرأة في الإعلام. ونستخلص من مراجعتنا للدراسات العربية والمحلية والتقييمات حول المرأة إلى الآتي: – الصحف اليومية تكتفي بمعالجة الموضوعات الخاصة بالمرأة معالجة سطحية باعتمادها على التقريرية والتسجيلية والاهتمام بالمواد الإخبارية المتعلقة بقضايا المرأة والأسرة. – المعالجة التفسيرية للجوانب التقليدية باستخدام الحديث الصحفي. – الميل نحو عرض المشكلة. – شحة مواد الرأي والأعمدة الصحفية وعدم الاهتمام بشكل عام بطرح الرأي ووجهات النظر حول حقوق المرأة وعدم إتاحة المجال للقارئات للتعبير عن آرائهنّ وقضاياهنّ. – مواد الرأي والأحاديث الصحفية والتحقيقات والتقارير تتجه للبرهنة والإقناع بوسائل مختلفة لتبني وجهة نظر المحرر. – عدم الاهتمام الكافي بالمرأة من القيادات الصحفية ويتضح ذلك من المساحة المخصصة للمرأة في هذه الصحف. – إغفال احتياجات المرأة العاملة والمرأة الريفية. – مخاطبة المرأة من فئة عمرية هي سن النضوج والشباب وعدم الاهتمام في الغالب بسن المراهقة. – الاتجاه المسيطر على معالجات الصحف للمرأة يميل للنظر إليها كأنثى وليس كإنسان ترتبط بمشكلات مجتمعها وتسهم في تنميته.
التلفزيون: – يعد التلفزيون الوسيلة الإعلامية الأكثر فعالية وله قوة تأثير على المتلقي وهي وسيلة اتصالية أكثر جذباً للجمهور وتؤثر في تشكيل الرأي العام وأصبحت الشاشة الصغيرة اليوم تدخل ضمن البرامج اليومية للأسرة ويتم تكيف وقت الفراغ بالنسبة لكثير من الناس حسب البرامج المفضلة، والرسالة الإعلامية التلفزيونية لا يقتصر تأثيرها على مشاعر المشاهدين ومخاطبة عواطفهم وإيجاد حالة من المشاركة الوجدانية لدى المستقبل وإنما امتد إلى الحديث داخل الأسرة وخارج البيت، وعليه فإنّه من الأهمية بمكان أن يناط بالتلفزيون دور كبير للتوعية بقضايا المرأة من خلال سياسة إعلامية جديدة تسعى إلى تفسير الصور والأنماط التقليدية للمرأة التي تعكسها المسلسلات التلفزيونية بإبراز المرأة كزوجة وأم وربة بيت وإهمال الجوانب الهامة المتعلقة بالمرأة العاملة والمرأة الريفية. – استخدام المرأة في الإعلان والسلع وخدمات مختلفة لإبراز مفاتنها. – الابتعاد عن الخوض في القضايا والموضوعات التي تعكس تطوير المرأة في الأنشطة الحقيقية والسياسية. – الاهتمام المبالغ ببعض المهن النسائية وترك الأخرى كالاهتمام بالفنانات والمبدعات والسياسيات دون الاهتمام بالقطاعات الأخرى. فمن المهم تغيير الصورة السلبية التي رسمتها البرامج والمسلسلات التلفزيونية في الذهن الجمعي بالتركيز على دورها الإيجابي في الحياة والنهوض بوضعها وتعزيز مكانتها على مستوى الأسرة والمجتمع وتوضيح الدور الإنتاجي للمرأة وقدرتها على الإسهام في عملية التنمية والعمل على إدارة حوار حول قضايا المرأة ودمجها ضمن الثقافة الدرامية الأخرى. – تشجيع إنتاج المسلسلات والبرامج التي تبرز الدور النضالي الوطني والاجتماعي للمرأة وتوثيقها للأجيال القادمة. ويجمع الباحثون في مجال الاتصال والإعلام على الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في التأثير على المتلقي “علاوة على ما تتميز به وسائل الإعلام من طبيعة مزدوجة تساعد على نشر وترويج الأفكار والقيم المتناقضة في آن واحد فهي قد تساعد على تغيير القيم والعادات والمفاهيم التقليدية فتسهم في ذلك بخلق أشكال جديدة من الوعي أو تعمل على تثبيت القيم والرؤى التقليدية فتسهم عندئذ في تزييف وعي الأفراد وذواتهم وأدوارهم الحقيقية”، ومما لا شك فيه أنّ الإعلام له دور مهم في تشكيل الوعي الثقافي والقيمي في المجتمع ويعود ذلك للإمكانيات المتاحة أمام وسائل الإعلام لتوصيل الرسالة الإعلامية للرأي العام من مختلف الفئات الاجتماعية. ويكمن أهمية الإعلام في إبراز قضية المرأة والدفع بها إلى الأمام بأن يلعب الإعلام دوراً بارزاً في إبراز دور المرأة والمفاهيم المتعلقة بحقوقها في التعليم والمشاركة الاجتماعية والسياسية وشغل المناصب العامة واختيار الزوج ورعاية الأمومة وغيرها من خلال الوسائل الإعلامية المتعددة باعتبارها وسائط ثقافية تربوية ترفيهية لها تأثير كبير في اتجاهات الرأي العام، وذلك إذا ما وضعت لها سياسات واضحة تتبنى قضايا المرأة تستند إلى بلورة وعي عام لدى المجتمع من خلال الآتي:
1- على وسائل الإعلام التأكيد على وظيفة المرأة الأساسية في حماية الأسرة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإفساح المجال لها للمشاركة في الحياة الاجتماعية والتعريف بقضاياها وأنشطتها.
2- معالجة القصور في مجال مساهمة الإعلام العربي ومساندته للبرامج الخاصة بتنظيم الأسرة باعتبارها أحد الخلايا الأساسية في المجتمع وللأنشطة السكانية الأخرى التي تعالج قضايا هامة كالحد من النزوح والهجرة داخل الوطن وخارجه.
3- الاهتمام بالمشاكل المتعلقة بالنمو السكاني وانعكاساته على التنمية وبرامج الأسرة والمشكلات الناشئة عن الهجرة بما تستحقه من اهتمام في كافة وسائل الإعلام والاتصال المتاحة.
4- تعديل الاتجاهات نحو التبني الإيجابي لمجموعة من القيم التي تدعم المفاهيم المرتبطة بقضايا المرأة وحقوقها الأساسية مثل المساواة في حق العمل والتعليم والمشاركة السياسية… إلخ.
5- تناول المشكلات والظواهر السلبية ذات العلاقة بالمرأة وتحليل أسبابها وتقديم البدائل الإيجابية وتبني مفاهيم جديدة.
6- أن يلعب الإعلام دوراً في قضية المرأة وترسيخ القيم الإيجابية فهو يستطيع الإعلام أن يلعب دوراً مؤثراً في خلق مناخ عام مؤيد ومتفهم لقضايا المرأة وأهمية إدماجها في صنع القرار.
لد.زينب منصور حبيب.
balagh- موقع حزب الحداثة.