افتتاحية الحداثة ـ عن الانسحاب الامريكي من أفغانستان و استيلاء طالبان على الحكم فيها
بالضد من اعتقاد طاغ في العالم العربي الاسلامي منذ ايام ،على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان و سيطرة طالبان السريعة على السلطة في هذا البلد ، لم تهزم الولايات المتحدة في افغانستان و لا يمكن تشبيه ما واجهته الدولة الأقوى في العالم في فيتنام بالذي حدث معها و لها في افغانستان ، الفرق كبير بين الحالتين وكذا بين المرحلتين ، فلا محاور و لا انحيازات ايديولوجية مرتبطة في النظام الدولي أرادت فرضها الولايات المتحدة في افغانستان ، و لا اعتبارات جيوسياسية مهمة وقفت خلف اهدافها من اعلان الحرب على طالبان . لقد ارتبطت الحملة العسكرية الامريكية على افغانستان بالحرب علي القاعدة ، المنظمة الارهابية المتطرفة و المسؤولة عن الهجمات الارهابية في الحادي عشر من سبتمبر من عام ٢٠٠١ والتي راح ضحيتها عدة آلاف من المدنيين الامريكيين الابرياء ، فلو أن طالبان استجابت لمطالب الولايات المتحدة بتسليمها اسامة بن لادن وارهابيي القاعدة لما هاجمتها ولما تواجدت قوات امريكية في هذه البقعة من العالم كل هذا الوقت ،
لقد استطاعت الولايات المتحدة من خلال تدخلها في افغانستان من الحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة وانهاء وجودها ورعاية تلك الدولة لها ، ومنعتها من ارتكاب اعمال ارهابية خطيرة على اراضي الولايات المتحدة كما استطاعت قتل اسامة بن لادن و اضعاف الحركة حد الانهاك ، الا ان نجاحها هذا رافقه فشل في توفير الارضية الكفيلة بمنع الارهاب و اجتثاثه من جذوره ، بل وحتى لم تتمكن عبر عشرين سنة من الحد من قابلية المجتمع الافغاني للتطرف الديني رغم مقتل آلاف الجنود الامريكيين و انفاق ما يربو على ترليون دولار في هذه السنوات ،،وما يمكن ملاحظته و تلخيصه من الصورة التي رسمتها عودة طالبان الى الحكم في افغانستان و ما يعنيه ذلك من مخاطر تصب في مفاقمة قضايا التطرف و الارهاب الديني وتزايد أخطارها على الولايات المتحدة و العالم يمكن تلخيصه بالتالي :
ـ لا يمكن كسب المعركة على الارهاب و التطرف الديني من خلال الحرب العسكرية على ممثليه و منظماته و لا على الدول التي ترعاه فقط ، بل لا بد من معركة مثابرة على الثقافة التي تنتجه ، حرب ناعمة تسعي الى ترسيخ قيم و مفاهيم ثقافية جديدة تقف بالضد من قيم التطرف الديني و النظام المعرفي القروسطي و الثقافة التالية عليه .
ـ إن المقاربات التي تعتمدها الولايات المتحدة و الدول الغربية في العلاقة مع دول و مجتمعات و ثقافات تعاني او تنتج التطرف الديني و الارهاب ، و ادوات التأثير التي تتبعها اثناء ذلك ، تشكو من القصور و عدم التبيئة و من غياب التعيين الصحيح و المناسب التي يسمح لها بالنجاح ، فما يصلح كاداة للتغيير او الضبط في المجتمعات الغربية قد لا يصلح جله في مجتمعات ذات تركيبة و تعابير و ثقافات مختلفة ، و ليس اصرار هذه الدول المتقدمة على استخدام ذات الادوات وذات المقاربات الا استمرارا في تضييع مواردها و تعظيم خسائرها وسماحها للأزمات القادمة من تلك الجهات بالتوالد و التكاثر و التفاقم .
مجلس الإدارة السياسي
١٧ آب من عام ٢٠٢١