الصحافة السريانية ودورها في تطوير اللغة الأم
مقدمة
إنّ مستوى الإعلام والنشر، كّمًا ونوعا، يعدّ من أبرز مؤشّرات ارتفاع المستوى الثقافي للجماعات والأمم، وهو دليل على حيوية الشعوب وتقدمها ورقيها الحضاري.
ولا يخفى على أحد ما للصحافة من دورٍ مهم في حياة المجتمعات، إذ تعكس حال التطور الذي بلغته. والصحافة منذ نشأتها ارتبطت ارتباطًا عضويًا بمسألة الحرية، فهي تختنق من دونها، وتنتعش معها وتتقدّم، ويتقدّم المجتمع معها نظرًا لدورها المهم في تصحيح السلبيات والأخطاء، ووضع المجتمع على الطريق الصحيحة. من هنا يمكن وصفها بمرآة المجتمع، وبعضهم عدّها سلطة (رابعة) قادرة على التحكّم باتجاهات الرأي العام. الصحافة، وإن كانت تحث في بادئ الأمر على تعلّم القيم والمبادئ وترسيخها وتثوير المجتمعات، بيدَ أنّها في زمن العولمة تحولّت إلى صناعة (تروّج للسلع كما للأفكار)، وهذا الدور يتنامى باطّراد مع تنامي دور الاقتصاد الذي بات يتحكّم أيضًا بالفكر والثقافة.
وَعَت النخب السريانية الدور المؤثّر للصحافة مبكّرًا، وللتأكيد على ذلك، أعرض في هذه المقدّمة اقتباسات لاثنين من أبرز رجال الصحافة السريان، لِما يحملان من تكثيف غني ومعبّر عن دور الصحافة. الملفان نعوم فائق أورد في مقالة بعنوان (الجرائد وفوائدها) كتبها في جريدة (بيث نهرين) العدد التاسع، 1920 (( الكل يعلم أنّ الجرائد في الشعب هي لسان حاله، والشعب يُعرَف بجرائده. ولولا الجرائد لظلّت الأمم خاملة الذكر، فاقدة للشرف القومي، وعادمة لكل فضيلة علمية أو أدبية أو تاريخية، والأمّة التي ليس لها جرائد هي أمّة خرساء وصمّاء وخاملة. والأمّة التي لا تحافظ على نفسها، ولا تغار على لسانها، ولا تسعى لإثبات وجودها، ولا تنشر تواريخها، ولا تطبع كتبها، ولا تحافظ على آدابها ولا تناصر صحافتها. من يعرفها؟ ومَن يسمعها؟)).
وقال فريد إلياس نزها صاحب مجلة الجامعة السريانية (عام 1934)، وناشرها: ((نحتاج صحافة حرّة، لأنّ الصحافة هي روح الأمّة وحياتها ومظهرها الوضّاء الذي يبيّن منزلتها ويرفع شخصيتها. كما أنّ الصحافة هي الناظر العام والمفتش الأعلى بما تحمل من آراء أبنائها المتنورين والأحرار، فيأخذ بها رجال الإدارة في الجمعيات والمعاهد الأدبية والدينية والاجتماعية، ما يرونه نافعًا وملائماَ لروح محيطهم وعوامل نهضتهم)).
هذه الآراء جاءت في مرحلة كان فيها التعليم محدودًا في أوساط السريان، ولا سيما التعليم العالي. وفي وقتٍ كان مفهوم الصحافة يطلق فقط على الجرائد والمجلاّت، بينما في عصرنا الحالي، فإنّ مفهوم الصحافة لم يعُد بذلك المعنى الضيّق، وإنّما اتّسع وازداد شمولية مع تطوّر التكنولوجيا بحيث بات يتضمّن اليوم الراديو والتلفزيون والإنترنت الذي أطلق فورة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، وبات تأثيرها أقوى من ذي قبل، وفتحت الأفق أمام النشر لكل إنسان، وتلقّي الأخبار والمعلومات لكل إنسان في أنحاء العالم كافة.
الصحافة السريانية
إن اهتمام السريان بالصحافة والكلمة المكتوبة مثل شركائهم في البلدان التي عاشوا فيها في دول المشرق، يعكس روح التمدّن ورغبة اللحاق بركب التطور. فعلى الرغم من أنّ السريان لم ينعموا بالاستقرار في ظل كيان أو دولة خاصة بهم تسمح لهم بإنشاء مؤسسات خاصة بهم ولا سيما في مجال الصحافة، فإنّهم أدركوا مبكّرًا أهمية الصحافة في النهوض بمجتمعهم. وسبقوا كثيرًا من شعوب المشرق في إصدار الصحف والمجلاّت. فوُلدت أوّل صحيفة سريانية في مدينة أورميا الإيرانية، وهي (زهريرا دبهرا) وتعني (شعاع النور)، وذلك عام 1849 بالحرف السرياني وباللغة السريانية، ثمّ توالى بعد ذلك صدور الصحف والمجلات السريانية في عدد من المناطق، ولاسيما في مراكز المدن مثل (آمد، خربوط، أورميا)، وساعد في ذلك انتشار المطابع بالأحرف السريانية التي جلبتها البعثات التبشيرية إلى المنطقة في سياق تنافسها على اجتذاب السريان إلى صفوفها.
بعد المجازر التي تعرّض لها السريان بطوائفهم وتسمياتهم كلها خلال الحرب العالمية الأولى، هاجر قسم كبير منهم هربًا من الاضطهاد إلى أميركا الشمالية والجنوبية. وهناك نشأت صحافة سريانية متطورة، اتّسمت بالجرأة في تناول المحرّمات والتابوهات التي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها في المجتمع السرياني، وكان من الصعب تناول هذه القضايا، ولا سيما القضايا التي تمسّ الدين أو أدوار رجال الدين الذين جسّدوا في ذواتهم نخبة هيمنت على مقدرات المجتمع كلها لقرون طويلة إلى جانب وجوه العشائر والقبائل. برزت أسماء لامعة في الصحافة السريانية من مثل: نعوم فائق، آشور يوسف ، فريدون آثورايا، يوئيل وردا، يوخنا موشي، فريد نزها وآخرين، وظهرت صحف عدة في لبنان وسورية والعراق وإيران وروسيا. أسهم هذا في إيقاظ الإكليروس (رجال الدين) من سباتهم، فبادروا إلى إصدار مجلات كنسية في أورميا وماردين والقدس وغيرها.
عانى الصحافيون السريان السلطات الاستبدادية كما هو حال رجال الصحافة في كل مكان في دول الشرق، فطبيعة عملهم تتطلّب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والجرأة في إيصال الحقيقة إلى الرأي العام والدفاع عنها. ودفع عدد منهم حياته ثمنًا لمواقفه وآرائه. أعدمت السلطات العثمانية بشار حلمي بورجي صاحب جريدة (شيفورو) أي (النفير) في ديار بكر عام 1915، وأعدمت أيضًا آشور يوسف صاحب جريدة مرشد الآثوريين عام 1915 في خربوط، وأعدم السوفيات فريدون آثورايا صاحب مجلة (ناقوشا) ومعنى الاسم (الناقوس)، وذلك في روسيا عام 1927. أمّا نعوم فائق فاضطر إلى الهرب من موطنه في ديار بكر (آمد) عام 1912، ليسافر إلى الولايات المتحدة، وينجو من الموت، أمّا فريد نزها، فقد طاله الحرمان الكنسي وهو في الأرجنتين بسبب انتقاداته المؤسسة الكنسية نقدًا حادًا.
أصدرت مؤسّسات وشخصيات نعمت بحريات لم تتوافر في الوطن الصحفَ في المهجر، ولعبت الصحافة دورًا كبيرًا في الإصلاح الاجتماعي، وفي إيقاظ الوعي والشعور بالهوية السريانية، وأفرزت صفوة من الرموز الأدبية والفكرية والسياسية. وصدر أكثر من مائتي جريدة ومجلّة في الوطن والمهجر. وهو عدد لا يُستهان به إذا ما قورِن بالأوضاع الصعبة التي عاشها السريان. عابَ كثيرًا منها عدم الاستمرارية، فبعض الصحف والمجلات ظهر واختفى سريعًا بسبب الافتقار إلى الاحتراف والإمكانات. لكن هناك مجلات وصحف استمرت طويلًا لارتكازها على مؤسسات سياسية ثقافية دينية واجتماعية دعمتها وساعدتها على الاستمرار.
صدرت في سورية صحف قليلة قياسًا بالدول الأخرى من مثل العراق ولبنان، ففي خمسينيات القرن الماضي أصدر الأديب يوحنا القس عام 1956 مجلة (النشرة السريانية) في مدينة حلب، وسرعان ما توقفت مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر، فبعد قيام الوحدة في عهد البعث لم يُسمح في سورية بإصدار صحف أو مجلات سريانية، استُثنيَت من ذلك مجلات ونشرات أصدرتها الرئاسات الروحية للكنائس من مثل المجلة البطريركية للسريان الأرثوذوكس (سرياني وعربي)، وهذه المجلات تُعنى بأخبار الأبرشيات إضافة إلى قضايا دينية وتراثية. عانت الصحافة السريانية عمومًا قلّة الموارد وضعف الكادر المدرّب، وما تزال كذلك، لاعتمادها على مبدأ التطوّع وتضحيات العاملين فيها بصورة أساس.
الصحافة السريانية واللغة الأم
لعبت الصحافة السريانية دورًا كبيرًا في تطوير اللغة والأدب السريانيين، وإضفاء طابعًا عصريًا عليهما، إلى جانب الكنائس والمدارس السريانية. اجتذبت الصحافة المواهب الأدبية والفكرية، وساعدت في نشر نتاجاتهم الأدبية، ووجد فيها رجال الدين الذين مثّلوا لقرون طويلة النخبة المتعلمة والمثقفة فرصة للخروج من صومعتهم، والوصول إلى القرّاء على نطاق واسع، ومع الصحافة اتسعت دائرة القرّاء والمهتمين، وأصبح بإمكانهم الوصول إلى الكتب السريانية التي أُعيد نشرها في الصحف بعد أن كان انتشارها محدودًا في نطاق ضيق.
اتكأت الصحافة السريانية الرائدة في موضوعاتها ومقالاتها على اللغة السريانية بلهجتيها الشرقية والغربية. فالصحف التي أصدرت في مطلع القرن العشرين معظمها اعتمدت على اللغة السريانية، وكان ذلك نابعًا من وجود قارئ يقرأ ويفهم هذه اللغة آنذاك قياسًا باللغات الأخرى. مع ذلك لوحظ وجود لغة أخرى إلى جانب اللغة السريانية في الصحيفة نفسها دائمًا، وغالبًا ما يحدد مكانُ الإصدار نوعَ اللغة الثانية في الصحيفة أو المجلة، فيمكن أن تكون العربية، أو التركية (العثمانية القديمة)، أو الروسية، أو الأرمنية. كثير من الصحف والمجلات كتبَ هذه اللغات بالأحرف السريانية (هذه الطريقة تسمّى عند السريان بالكرشوني) بسبب معرفة السريان بأحرفهم، وعدم الإلمام بأحرف اللغات الأخرى، وخير مثال على ذلك المجلات التي أصدرها نعوم فائق وآشور يوسف في ظل السلطنة العثمانية في مطلع القرن العشرين.
مع مرور الزمن وتضاؤل دائرة الملمين باللغة السريانية (قراءة وكتابة)، ونتيجة لأحوال سياسية واقتصادية واجتماعية، وبسبب الهجرة إلى دول ومجتمعات جديدة فرضت الإقبال على تعلّم لغات أخرى؛ دفعت الحاجة بالقائمين على إصدار الصحف والمجلات إلى الكتابة بأكثر من لغة تبعًا للمجتمعات التي نشطت فيها. وتدرجًا، تضاءل الحيز المخصّص للغة السريانية في المجلات. مع أن هذه اللغة احتلت الصفحات الأولى للمطبوعات معظمها، غير أنّها لم تحظَ بالأولوية دائمًا، وأحيانًا تراجعت تراجعًا كبيرًا مع إبداء حرص على وجودها للتدليل على هوية المطبوعة والجهة الناشرة لا أكثر. حصل ذلك على حساب المستوى غالبًا، وشكّل هذا أحد سمات صحافة المهجر بعد اندماج السريان معظمهم في المجتمعات الجديدة، واستيعاب ثقافتها ولغاتها. اكتفى كثير من الصحف التي أصدرتها مؤسسات وأحزاب وكنائس بنشر نصوص من التراث السرياني القديم فقط. في وقت بالغ فيه بعض المؤسسات في نشر المجلات بحوالى خمس لغات: (مثال ذلك: مجلة حويودو وتعني الاتحاد، وبهرو سوريويو وتعني النور السرياني). هذا بلا شك يعكس مشكلة كبيرة تدلّ على أنّ القارئ السرياني -إذا صحّت هذه التسمية- لا بدّ له من القراءة بلغات أخرى حتى يفهم ويعي ذاته وتاريخه وتراثه، وحتى يترجم أحاسيسه ومشاعره بمعزل عن لغته الأم التي يتحدّث بها مع أسرته ومحيطه، لكن الموضوعية تقتضي التنويه بأنّه لم تكن أقسام اللغة السريانية جميعها في الصحافة هزيلة. بل على النقيض، ثمة أمثلة تشير إلى مستوى متطور ومتقدّم باللغة السريانية في بعض المجلات والصحف، وأسّس هذا لبلورة لغة سريانية استوعبت كثيرًا من مفردات العصر، وشرعت النخب والمؤسسات والكنائس في استخدامها من خلال المزج بين اللهجات المحكية واللغة الفصحى، و(سَريَنة) كثير من المفردات المستخدمة على نطاق العالم. هذا ما سيُتَطَرّق إليه في القسم الآتي من هذا البحث، حيث ستُدرس ثلاث مجلات سريانية معاصرة تحتل فيها اللغة السريانية حيزًا مهمًا؛ اثنتان تصدران في المهجر، والثالثة في إقليم كردستان العراق. ما يدعو للأسف أنّ المجلات مدار البحث صدرت كلها خارج سورية (موطن اللغة السريانية)، بسبب منع قيام صحافة مستقلّة من قبل منظومة الاستبداد، علمًا بأنّ خمسينيات القرن الماضي شهدت ولادة مجلتين؛ أصدر الأولى حنّا عبدلكي (وهو جد الفنان السوري يوسف عبدلكي) في الجزيرة باسم (الصوت السرياني)، والثانية أصدرها الأديب حنّا القس في حلب باسم (النشرة السريانية) 1954- 1954، بَيدَ أنّ هاتين المجلتين لم تستمرّا في الصدور طويلًا بسبب المناخ السياسي المتقلّب الذي سيطر على البلاد. إضافة إلى هذه المجلات الثلاث، ستُدرَس مجلّة رابعة ظهرت في المهجر، واعتمدت اللغة العربية اعتمادًا كاملًا في مخاطبة القرّاء السريان في كل مكان، وهي مجلّة الجامعة السريانية.
نماذج من الصحف السريانية
مجلة حويودو (الاتحاد) ܚܘܝܕܐ
(مجلة حويودو) مجلة يصدرها اتحاد الأندية الآثورية في السويد، صدر العدد الأوّل منها في 1 أيار/ مايو عام 1978، واستمدت اسمها من اسم مجلة الاتحاد التي أصدرتها الجمعية الكلدانية الآشورية في الولايات المتحدة عام 1921، وترأسّ تحريرها آنذاك الصحافي والمفكر نعوم فائق.
كان أوّل رئيس لتحرير (مجلّة حويودو) الأديب السرياني السوري حنّا القس المعروف بمكوناته اليسارية، كان ناشطًا في الحزب الشيوعي السوري على امتداد ثلاثة عقود من دون أن يتخلّى عن اعتداده بهويته السريانية، وذلك قبل وصوله إلى السويد في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وكان من أبرع من كتب باللغة السريانية، وله عدد من الدواوين الشعرية. وضع القس في الخمسينيات في أثناء وجوده في سورية سلسلة مناهج دراسية لتعليم الطلاب في المرحلتين الابتدائية والاعدادية في مدارس السريان التابعة للكنائس. لهذا كان من الطبيعي أن يترأسّ تحرير القسم السرياني إلى جانب القسم العربي. وخلال إشرافه على القسم السرياني، حرص على أن تكون الافتتاحية دائمًا باللغة السريانية مع ترجمتها إلى اللغات الأخرى، وبنى قنوات تواصل مع مجموعة من الشبان، خصوصًا أولئك الذين تلقّوا التعليم السرياني في معاهد ومؤسسات تابعة للكنائس والأديرة، وفتح صفحات المجلة أمامهم للكتابة في المجالات الأدبية والسياسية والاجتماعية كافة باللغة السريانية، وبذلك أسهم في اكتشاف عدد من المواهب الأدبية والثقافية، وإبراز طاقاتهم.
تعد (مجلة حويودو) من المجلات القليلة التي استمرت في مسيرتها، وواظبت على الصدور بنسختها الورقية بانتظام إلى أن تحولّت مؤخرًا إلى النشر الألكتروني. وزِّعَت نسختها الورقية في حوالى 15 دولة، وتميزّت بسعة الانتشار نسبيًا، وصدرت بخمس لغات (السريانية، السويدية، العربية، التركية، الإنكليزية)، تبنّت رؤية قومية هي استمرار لنهج المفكر القومي نعوم فائق الذي كان له أثر كبير في مجمل الحركة السياسية التي نشأت لاحقًا بين صفوف السريان بتسمياتهم وكنائسهم كافة.
أولت (مجلة حويودو) منذ انطلاقتها اهتمامًا خاصًا باللغة السريانية بلهجتيها الشرقية والغربية، مستفيدة من نزعة المهاجرين واللاجئين في رفض الانصهار وذوبان هويتهم وثقافتهم في المجتمع الجديد. ونشرت المقالات بالخطوط السريانية الثلاثة المعروفة (الأسطرنجيلي، الشرقي، والسيرطو). واستطاعت جذب عدد كبير من الكتاب والمثقفين من مختلف المنابع والمشارب التي يوفرها التنوّع الكنسي في المجتمع السرياني، بمن في ذلك كتاب عرب. أغنت قدرة هيئة تحرير المجلة على استيعاب التنوّع بين مختلف الكنائس السريانية ومرونتها في التعاطي مع التيارات الفكرية المختلفة صفحات المجلة بأقلام كتّاب أُغلقت المنابر الأخرى أمامهم لدواعي سياسية، وهذا كان من أسباب استمرارها أكثر من غيرها.
بفضل الدعم الذي حظيت به المجلة من اتحاد الأندية الآثورية ومن الدولة السويدية، وهو ما لم يتوافّر في دول الشرق)، تمكّنت المجلّة من خلال كتّابها ومحرريها خلقَ صحافة سريانية معاصرة وأدب سرياني معاصر، وأدخلت (في اللغة السريانية) كثيرًا من المصطلحات والمفهومات السريانية التي لم تُستَخدم سابقًا. وتناولت قضايا عدة وجديدة باللغة السريانية الفصحى تناولًا لم يكن مطروقًا في الماضي. وفي هذا المجال ينظر إليها كثيرون بوصفها مدرسة صحافية متميزة للسريان وخصوصًا للشباب لاكتساب الخبرة والتجربة المطلوبتين.
يعدّ القسم السرياني في المجلة من أهم أقسامها، ولا سيما في السنوات الأولى بسبب اجتذابها معظم الأقلام السريانية المهاجرة، ولمستوى القائمين عليها آنذاك. لكن في بعض المراحل، شأنها شأن كثير من المجلات، نجد القسم السرياني يتراجع أو يشهد انحسارًا في أحيانًا. وهذا يشير إمّا إلى انعدام أهمية هذا القسم لدى الإدارة، أو انصراف القرّاء عنه، ما أدى إلى تقلّص صفحات هذا القسم أحيانًا، لكنّه لم يختفِ قط.
في هذا البحث دُرِس 17 عددًا من المجلّة صدرت بين 1991 و2000 مع تخطّي أعداد السنوات العشر الأولى التي شهدت زخمًا كبيرًا. تبيّن أنّ القسم السرياني احتلّ وسطيًا حوالى 12 صفحة بشكلٍ دائم من صفحات المجلة الـ70، ومنها حوالى 4 صفحات باللهجة الشرقية (السورث). ولفت الانتباه وجود مواد جيدة وأخرى ضعيفة، وهذا يعود إلى أنّ كتّاب المجلة معظمهم لم يكونوا محترفين، ولم يواظبوا على الكتابة باستمرار.
المتابع مقالات (حويودو) يلاحظ أنّ كتّاب المجلّة ينحدرون من دول عدة سواء من دول المشرق أم من دول المهجر، وأنّ أغلبهم يمثّل التيّار القومي الأشوري (السرياني) من مختلف الكنائس، ومعظمهم من العلمانيين، وقلّة من رجال الدين كتبوا في المجلّة. لكن هؤلاء الكتاب العلمانيين، تعلّم معظمهم اللغة السريانية في مدارس أو معاهد تابعة للكنائس، ولا سيما أولئك المتحدّرين من منطقة طور عبدين (جنوب شرق تركيا) ممّن درسوا في دير مار كبرئيل ودير الزعفران بماردين أو دير العطشانة بلبنان.
إضافة إلى إصدار مجلّة حويودو، فإنّ اتحاد الأندية الآثورية اهتمّ بنشر كثير من الكتب السريانية، وطبعها، توزّعت على طباعة القواميس، وكتب التراث والأدب (قديم وجديد)، وكتب مترجمة إلى اللغة السريانية من لغات أخرى، إضافة إلى نشر كتب تعليمية، وقصص مترجمة للأطفال. هذا كله أسهم في إعادة إحياء اللغة السريانية من قبل هذه المؤسسة التي عملت في غياب مؤسسات متخصصة باللغة مثل مجاميع اللغة.
مجلّة بهرو سوريويو (النور السرياني) ܒܗܪܐ ܣܘܪܝܝܐ
مجلة (بهرو سوريويو) أصدرها اتحاد الأندية السريانية في السويد، وصدر العدد الأوّل منها عام 1979، أي بعد سنة من ولادة مجلّة (حويودو)، وتصدر بأربع لغات (سريانية، سويدية، عربية، تركية). ولادتها جاءت نتيجة للصراع الذي احتدم آنذاك داخل صفوف السريان المهاجرين في الساحة السويدية بين أنصار التسمية الأشورية وأنصار التسمية السريانية، والذي كان واجهة للصراع الخفي بين التيّار القومي المتنامي ورجال الإكليروس متمثّلًا بصورة خاصة بقيادة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية التي انحازت انحيازًا كاملًا لاتحاد الأندية السريانية، علمًا بأنّ منتسبي الأندية الآثورية في السويد وأوروبا معظمهم كانوا كنسيًا من أتباع هذه الكنيسة. وكانت الترجمة العملية لهذا الصراع صدور مجلّة (بهرو سوريويو) لتكون ذراعًا إعلامية في منافسة مجلّة حويودو ومن يقف وراءها في استقطاب القارئ السرياني.
على العموم، وبعيدًا عن السياسة، فإنّ المجلّة اهتمت باللغة السريانية على غرار مجلة (حويودو)، وربّما كانت النتيجة الإيجابية لهذا الصراع والتنافس إعادة إحياء اللغة السريانية وتطويرها. إذ سعت كل من هاتين المجلتين إلى اجتذاب الأقلام والقرّاء على حد سواء، خصوصًا في المراحل الأولى التي لم يتسنّ فيها للأجيال الأولى من المهاجرين الاندماج الكامل في المجتمع السويدي.
تبنّت المجلة التسمية السريانية، والآرامية أحيانًا، وحاولت نفخ أبعاد قومية في التسمية، لكنّها لم تنجح في ذلك، وظلّت تراوح عند تخوم الطائفة السريانية الارثوذكسية بمفهومها المذهبي الضيق الذي يجعل من الكنيسة مرادفًا للأمة بما يعني القطع مع التاريخ السابق للمسيحية من دون الأخذ بالحسبان وجود كنائس أخرى سريانية مثل الكنيسة السريانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية المارونية، وكنائس ناطقة باللغة السريانية مثل كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة بابل للكلدان، وهو ما تجلّى بصراحة في كثير من الموضوعات التي نشرتها المجلة، لذلك كان من العسير على إدارتها جذب طاقات وأقلام من الطوائف الأخرى، وهذا يفسّر كثرة الكتّاب من رجال الدين والشمامسة الذين أثروا القسم السرياني بكتاباتهم المتنوعة.
في الحقيقة، لا يمكن الإنكار أنّ القسم السرياني في هذه المجلّة يتمتّع بمستوى لغوي مرموق، يفوق في أحيانٍ كثيرة بمستواه ما يُنشر في حويودو أو المجلات الأخرى، إضافة إلى أنّ هذا القسم يشغل حيّزًا كبيرًا من صفحات المجلة يصل إلى ربع عدد صفحاتها الإجمالي، وتبيّن لنا هذا من خلال متابعة 14 عددًا من المجلة توافّرت لدينا، وصدرت بين 1993 و2000.
ومن النتائج التي تمّ التوصّل إليها أيضًا أنّ الافتتاحية غالبًا ما تكون باللغة الفصحى، ونادرًا بلهجة طور عبدين، والمقالات المنشورة فيها تكون لغتها السريانية قويّة وممتازة، يستثنى من ذلك الشعر الذي يكون مستواه ضعيفًا في بعض الأحيان، بسبب قلّة الكتّاب وندرة المواد المتوافرة في هذا المجال، فجاءت القصائد معظمها بلهجة عامية تغلب عليها موضوعات تتعلّق بالدين والإيمان. بينما المواد الأخرى من مثل المقالات والأبحاث والتاريخ والتراث والمقابلات، وسلسلات المنشورات من الكتب المترجمة للسريانية تتسّم بمستوى لغوي عالٍ.
كتّاب المجلّة أغلبهم ينتمون لطائفة السريان الأرثوذكس، ويتحدرون من دول عدة، لكن السمة العامة تتمثل في قدومهم من منطقة طور عبدين (جنوب شرق تركيا) التي تضم عددًا من الأديرة التاريخية للسريان. وحضورهم في المجلة يطغى على الآخرين، من حيث غزارة الكتابة والاستمرار بها ومن حيث المستوى الأدبي المتقدم الذي يتمتعون به.
يغلب على المجلة الطابع الكنسي التراثي، وتُفرد كثير من الصفحات لتغطية أخبار رجال الكنسية ومؤسساتها، ونشاطهم. لكنها تعنى أيضًا بموضوعات اجتماعية أدبية وعلمية وسياسية أحيانًا بلغة فصحى مصقولة وجميلة وحديثة لم نعهدها في كتابات الأولين، وهذا دليل على قدرة اللغة على التطور بما يواكب تطورات الحياة، ولا شك في أنّ هذه المجلة أسهمت في إثراء اللغة السريانية وإكسابها سمات عصرية كانت تفتقر إليها في الماضي.
مجلة كوخوا دبيث نهرين (نجم مابين النهرين) ܟܘܟܒܐ ܕܒܝܬ ܢܗܪ̈ܝܢ
عاد الاهتمام باللغة السريانية في العراق مع إصدار مجلس قيادة الثورة في العراق عام 1972 قرارَ منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من كلدان وسريان وآثوريين. رحّب السريان بتسمياتهم وكنائسهم كلها بهذا القرار، وسارعت النخب إلى تشكيل ورشات عمل لتفعيل بنود القرار عمليًا. تمخّض عن هذا الحراك تشكيل مجمع اللغة السريانية واتحاد الأدباء السريان، وإنشاء جمعيات ثقافية بالتوازي مع إصدار صحف ومجلات وكتب وقواميس، وتخصيص قسم للغة السريانية في الإذاعة العراقية تنفق عليه الحكومة. جاء هذا القرار في سياق الانفتاح الذي انتهجه البعث العراقي على مكونات العراق من أجل تثبيت دعائم حكمه، وجاء بعد قرار منح الحكم الذاتي للأكراد عام 1970 ومنح الحقوق الثقافية للتركمان. لم يستمر هذا الحراك سوى سنوات قليلات، إذ سرعان ما انقلب النظام العراقي على قراراته كلها وأفرغها من مضمونها بعد بسط هيمنته المطلقة على الدولة العراقية. لكن النخب السريانية من الكنائس المختلفة اكتسبت خبرات لا بأس بها في العمل المشترك لتطوير اللغة، خصوصًا أن الجميع في العراق يتحدث باللهجة السريانية الشرقية (السورث)، وظهرت النتائج الإيجابية لهذه الخبرات لا حقًا.
مع انتشار التعليم السرياني في إقليم كوردستان العراق بعد خروجه عن سيطرة الحكومة العراقية المركزية عام 1991، وتعميم التعليم السرياني رسميًا في المناطق جميعها التي يقطن فيها الناطقون بالسريانية في الإقليم وفي المراحل الدراسية المختلفة، ما أدّى إلى اتّساع دائرة القرّاء باللغة السريانية، وبروز حاجة إلى صدور صحف ومجلات وإذاعات وتلفزيونات لمواكبة هذا التطوّر لنشر اللغة على نطاق واسع بعد تطويرها وتشذيبها وعصرنتها، والارتقاء بالمستوى الأدبي لطلاب المدارس الذين ينهلون العلوم المختلفة بهذه اللغة.
من المجلات التي واكبت هذه العملية منذ البداية مجلة (كوخوا دبيث نهرين) التي أصدرها المركز الثقافي الآشوري في دهوك . وهي مجلة فصلية تصدر باللغتين السريانية والعربية، وتهتم بقضايا الأدب والثقافة بصورة متطوّرة ارتقت أحيانًا إلى مستويات أكاديمية. يحتل القسم السرياني في المجلة حوالى نصف عدد صفحاتها الذي يتراوح وسطيًا بين (100- 120صفحة)، وتبيّن لنا هذا من خلال دراسة 12 عددًا صدر بين 1993 و2003. يلاحظ غياب اللغة السريانية الفصحى من المجلة، والتركيز على النشر باللهجة الشرقية المحكية (السورث) وتُقَدم صافية وبطريقة يفهمها القرّاء السريان أيًّا كان مستواهم، وهذه من مزيات اللهجة المحكية. وتنشر المجلة قصائد وأبحاثًا ودراسات وقصصًا باللغة السريانية، وكتّاب المجلّة معظمهم من العراق، وهناك عدد أقلّ من السريان السوريين نشروا في هذه المجلة باللغة الفصحى وبلهجة طورعبدين. وإلى جانب هذه المجلة صدرت مجلة فصلية باللغة السريانية بشكل كامل هي مجلة مردوثا (الثقافة) ܡܪܕܘܬܐ. إضافة إلى عدد من الصحف و المجلات الحزبية التي تُنشر علنًا من دون قيود.
مجلة الجامعة السريانية
تُعد مجلة الجامعة السريانية من أهمّ المجلات وأكثرها تأثيرًا وأطولها استمرارًا. أُصدِرت في مدينة بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين عام 1934 واستمرّت حتى 1970. وأصدرها النادي الأفرامي السرياني الذي أنشأته الجالية السريانية في الأرجنتين، وقد وَفَد أبناء الجالية معظمهم آنذاك من ولايات السلطنة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، وفي أثنائها، وبعدها، حيث هاجر كثير من السريان إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا الجنوبية، جاء معظمهم من ماردين وخربوط وديار بكر والرها ومن حمص وريفها (فيروزة وزيدل والقريتين). ترأسّ تحرير المجلة الصحافي السرياني فريد إلياس نزها منذ تأسيسها 1934 حتى توقفها عن الصدور عام 1970، والذي تزامنَ مع رحيله عن الحياة. وفريد نزها سرياني سوري من مدينة حماة هاجر إلى الأرجنتين مع عائلته في منتصف عشرينيات القرن الماضي. استطاع من خلال اندفاعه وحماسه وغيرته دفع الجالية السريانية إلى تنظيم صفوفها، ومن ثمّ إصدار مجلة الجامعة السريانية لتكون من جهة أداة للتواصل والتعارف بين السريان الذين تبعثروا في دول أميركا اللاتينية آنذاك، وأهلهم الذين يعيشون في دول الشرق من جهة ثانية. إضافة إلى دورها في حث أفراد الجالية على المحافظة على هويتهم وتفادي الانصهار في المجتمعات الجديدة.
كان للمجلة وكلاء ومراسلون في سورية ولبنان والولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا اللاتينية معظمها. وكانت تصل شهريًا بانتظام إلى سورية في عهد الانتداب الفرنسي وبعد الاستقلال الوطني، باستثناء مدة انقطاع قصيرة بسبب تحريض أحد كبار رجال الدين السريان على المجلة ورئيس تحريرها لدى السلطات، إذ لم يتحمّل الانتقادات الحادّة التي حفلت بها صفحات المجلة لسلوك وممارسات بعض رجال الدين.
نُشرت مواد المجلة معظمها باللغة العربية، باستثناء مواد نادرة نُشِرت باللغة السريانية، وفي مراحل لاحقة نشرت المجلة بعض المواد باللغة الإسبانية، لكن اللغة العربية ظلّت لغتها الأساس حتى توقفها عن الصدور. اهتمت بنشر أخبار السريان ومؤسساتهم في كل مكان، واهتمّت بصورة خاصة بأخبار الأندية والمؤسسات السورية المنتشرة في تلك البلدان، ونشاطها، ورصدت التحولاّت والتيارات السياسية الجديدة التي نَمَت في صفوف الجاليات السورية. وتفاعلت أيضًا مع التطورات التي عصفت بسورية سواء في أثناء الانتداب الفرنسي أو بعد الاستقلال عنه.
ونشرت موادًا وقصائد لأدباء المهجر من مثل إلياس فرحات وإيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران إلى جانب المواد التي كان يرسلها الكتّاب والأدباء السريان. إضافة إلى نشر تقارير مترجمة عن صحف الغرب حول أوضاع سورية. وخلال مسيرتها الطويلة، أثارت في صفحاتها سجالات حادّة حول موضوعات تخصّ السريان وأخرى تخصّ سورية. وكان لها دور مؤثّر في الشباب السوري، فكانوا يتداولون أعدادها وموادها في ما بينهم.
عمومًا، لا يمكن تغطية الدور الذي قامت به مجلة الجامعة السريانية على مدى 36 عامًا من خلال بضعة سطور، بل يحتاج ذلك إلى بحث خاص ودراسة خاصة، وأعداد المجلة متوافرة ورقيًا عند عدد من الأشخاص في سورية، ولا شك في أنّ هذه الأعداد تشكّل مرجعًا مهمًا للباحثين عن معرفة مرحلة مهمة من تاريخ السريان وسورية تمتد من 1934 حتى 1970 بالأحداث والتطورات التي مرّوا بها كلها.
خاتمة
حاول السريان بكل السبل المحافظة على هويتهم، وتطوير انخراطهم، والارتقاء بدورهم في المجتمعات التي عاشوا فيها، على الرغم من ضعف إمكانياتهم، وعلى الرغم من تشتتهم، وما نالهم من عوامل انعدام الاستقرار والتهميش. فوجدوا في الصحافة فرصة للتعريف بأنفسهم وتطوير لغتهم السريانية التي تعد من أهم معالم هويتهم. ولا شك في أنّ الصحافة السريانية لعبت دورًا مهمًّا في خدمة لغتهم وتطوير فنونها وآدابها. وجاء ذلك بالتوازي مع دور الكنيسة ومعاهدها ومدارسها التي حافظت على هذه اللغة من جيل إلى جيل.
بعد الثورة التكنولوجية أخذت الصحافة الورقية بالاحتضار، وعمل السريان على مواكبة هذه التحولاّت ومجاراتها. فكثير من المطبوعات الورقية اختفى تمامًا، وتحوّل قسم من المطبوعات إلى الصدور ألكترونيًا، وظهر عدد من المواقع في الفضاء الافتراضي. إضافة إلى ذلك، أُسِّس عدد من القنوات التلفزيونية الفضائية التي تبثّ باللغة السريانية وغيرها من اللغات. نذكر منها: تلفزيون آشور (أغلقت المحطة وبقيت فقط عبر الإنترنت)، وتلفزيون عشتار (العراق)، وتلفزيون سورويو ، وتلفزيون سوريويو سات (تبثان من السويد)، وتلفزيون ABNويبث من الولايات المتحدة الأميركية، وثمة قناة تبث من بغداد تسمّى (السريانية العراقية)، وهي تابعة للتلفزيون الحكومي (العراقية). طبعا هناك قنوات تبث أيضًا باللغات الكردية والتركمانية إلى جانب العربية، والإنفاق على هذه القنوات جميعها يقع على عاتق الدولة العراقية.
لكرم الدولي
مركز حرمون للدراسات المعاصرةـ موقع حزب الحداثة