الضمير السياسي.
هناك فرق لا شك فيه بين صاحب «الفكر» السياسى وصاحب «الانتماء» السياسى، أو ببساطة بين «المفكر» و«السياسى». فالمشتغل بالفكر السياسى عادة ما يعبر عن مثالياته وقناعاته التى يؤمن بها بل ويدعو إليها أيضا، يريد أن يلعب دورا فى تشكيل الرأى العام أو تغييره. أما صاحب الانتماء السياسى، سواء الحزبى أو غير الحزبى، فهو يريد أن يوظف الفكر السياسى لخدمة أغراضه السياسية، ورجل السياسة عادة ما يكون لديه مشروع ما أو أجندة معينة، أو وسائل عديدة ربما تكون أحيانا متناقضة ومتعارضة مع مبادئ الفكر السياسى، فهدفه هو نصرة تيار أو حزب أو شخص، أو العمل على أن يصل هو نفسه أو حزبه أو تياره إلى السلطة، بغض النظر عن الوسائل التى يلجأ إليها فى سبيل ذلك. قضية الفكر والرأى لا تخضع لحسابات بل تكون مدفوعة بموقف المثقف وما يمليه عليه ضميره، أما اللعب فى الملعب السياسى فيخضع لعشرات العوامل وأساليب التكتيك المعروفة وغير المعروفة. وعندما يتوجه المثاليون من أصحاب الفكر إلى صناديق الانتخاب للتصويت لمن يعتقدون أنه «أشرف وأنقى وأعظم» الرجال.. بغض النظر عن استحالة فوزه، فإنهم يعبرون فى هذه الحالة عن مثاليتهم وموقفهم الذى يصلح لأصحاب الفكر وليس لمن يريدون خوض معترك اللعبة السياسية، فالنتيجة تكون عادة فشل مرشحهم «الثورى الشريف المثالى» ووصول أبعد المرشحين عن المثالية إلى السلطة. إن أصحاب الموقف الفكرى المثالى الثابت ينتهون فى هذه الحالة إلى الفشل بسبب سذاجتهم السياسية، فأقصى ما يسعون إليه تسجيل موقف فى النهار، ثم النوم مرتاحى الضمير فى الليل. لكن ليس هكذا تدار لعبة الانتخابات، فالتشبث بالمواقف المثالية يؤدى عادة إلى فوز المرشح الأبعد عن الفوز، وينتهى بفوز أكثر المرشحين انتهازية وغموضا وادعاء وقدرة على المراوغة. ينام المفكر صاحب الرأى والضمير السياسى مرتاحا فى الليل، أما فى لعبة السياسة فلا أحد ينام مرتاح الضمير. كان هذا يحدث فى إيطاليا بسبب تفتت أصوات الناخبين حول بعض التفاصيل والتشبث بأحلام طوباوية بعيدة المنال مع مقاطعة عدة ملايين من الفوضويين المثاليين للانتخابات، ولذلك ظل المغامر السياسى الانتهازى بيرلسكونى لسنوات قابعا على قمة السلطة رغم أنه جاء من الفراغ. وهو يحدث أيضا فى مصر الآن؛ فالذين ذهبوا لمنح أصواتهم لمن يرونه «الأكثر نقاء وثورية» -أيا كان- رغم استحالة نجاحه، لم يأخذوا فى اعتبارهم أنهم يساهمون بذلك فى تنصيب الأكثر بعدا عن النقاء الثورى على قمة السلطة. وسواء نجح مرشح النظام السابق، أو راكب موجة الثورة الذى لم تعرف له أى مواقف ثورية من قبل، فالذى يدفع الثمن فى النهاية هم الثوار والشعب كله. ولكن البعض يريد أن ينام مرتاح الضمير!
لأمير العمري.
الوطن_موقع حزب الحداثة.