على إثر الاختفاء الكبير للتيار الكهربائي في سوريا منذ سنوات عديدة، بالإضافة إلى ندرة مازوت التدفئة وارتفاع سعره غير المسبوق الذي يتجاوز القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، بات الحطب حلّا بديلا لنسبة كبيرة من السوريين لتوفير التدفئة خلال فصل الشتاء، وهكذا أصبحت تجارة بيع الحطب شائعة بين كثير من الناس، وسط تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم نسبة الفقر، خاصة وأن قيمة الطن الواحد تتراوح بين مليون ونصف إلى المليونين في أوقات الذروة.
من ثم، بات يستخدم الحطب كوقود سواء للطهي أو لصنع الفحم محليا وبيعه بالكيلوغرامات، وهذا ما أدى في النهاية إلى انتشار ظاهرة قطع الأشجار الجائر في الغابات والحدائق العامة والشوارع الرئيسية في العديد من المحافظات السورية.
اللافت أن الظاهرة آخذة في الازدياد، في ظل غياب الدور الرقابي الحكومي. وانخفاض نسبة التشجير لا شك أنه يشكل مشكلة كبيرة من حيث التأثير على جمالية الطبيعة، بالإضافة إلى دور هذه الأشجار في الحد من تلوث البيئة والهواء في المدن، والتغيّر المناخي ككل.
أوقات وأدوات قطع الأشجار ظاهرة قطع الأشجار الجائر باتت تنتشر بشكل كبير في سوريا، ومنها أحياء مدينة حمص و شوارعها، وتزداد هذه الظاهرة يوما بعد يوم، وباتت تشكل مشكلة كبيرة تعاني منها المدينة.
كما أوضحت مصادر أن حالات قطع الأشجار تتم ليلا بغرض السرقة ومن الصعب مراقبة جميع الأحياء نظرا لعدم توفر عمال مناوبين ليلا في المديرية الحكومية، مشيرا إلى أن عمليات القطع والسرقة تتم بأدوات بدائية مثل “المناشير اليدوية” ولا تحدث أصواتا وتتم خلال ساعات متأخرة من الليل ومن الصعب مراقبتها. المراقبون يقولون إنه بسبب الأوضاع المعيشية البائسة في سوريا، وتدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالأسعار العالية السائدة في جميع أنحاء البلاد، بات المواطن يبحث عن أي ثغرة وطريقة لإخراجه من وضعه وتأمين لقمة العيش، بالتزامن مع ارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
بطبيعة الحال هذا ليس مبررا للتشجيع على هذه الظاهرة، ولكن يجب أن يكون البحث في البداية عن الأسباب ثم اقتراح الحلول، وهذا مطلوب من الجهات الحكومية، وهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن مثل هذه الظواهر السلبية التي تحدث في المجتمع السوري والتي لم تكن موجودة في السابق.
الحكومة لا تستطيع حماية أشجارها! في المقابل، قال المسؤول الحكومي، إن حراسة الحدائق والشوارع العامة أمر صعب وشبه مستحيل، ذلك لأنه لا يوجد عدد كافٍ من العمال للدوام وفق ورديات أو المناوبة في تلك الأوقات، بالرغم من أنه في السابق كان العمل في الدائرة مقسما إلى 3 ورديات صباحا وظهرا ومساء على حين في الوقت الحالي الدوام صباحي فقط بسبب نقص الكادر، علاوة عن نقص الآليات والمازوت الأمر الذي يؤثر سلبا في سير العمل.
كما أن معظم عمال الدائرة حاليا هم من كبار السن وعددهم لا يتجاوز 150 عاملا ولا يصلحون لأعمال الحراسة لكونهم مسنين، علما أنه في السابق أي ما قبل حوالي عشر سنوات كان عدد العمال نحو 670 عاملا ولم تكن حينها مادة الحطب مادة مطلوبة وكانت مادة المازوت متوافرة في ذلك الوقت.
هذا يعني أن البلديات الحكومية غير قادرة على حماية الممتلكات العامة سواء كانت أشجارا أو أي شيء آخر في الطرق والساحات العامة، وهذا مؤشر سلبي يوضح مدى انهيار الحكومة وعدم قدرتها على السيطرة على الحياة العامة في البلاد.
وقطع الأشجار ليست الظاهرة الأولى التي تعجز السلطات عن حمايتها. بل ثمة أخرى مثل سرقة الكابلات الكهربائية وريكارات الصرف الصحي بهدف بيع النحاس والحديد منها.
لذلك يقود هذا الأمر إلى نتيجة واحدة، وهي أنه ما دامت الحكومة غير قادرة على حماية المرافق العامة، فإن هذه الظواهر لن تنحسر، خاصة وأن الفقر بات ينهش نسبة كبيرة من السكان.
الحطب البديل الأنسب
في السياق، مناطق محافظة حمص وريف الساحل السوري معروفة بطقسها البارد ولا سيما في فصل الشتاء، ونظرا لتأخر الحكومة في توزيع الدفعة الثانية من مازوت التدفئة على الأهالي في العديد من المحافظات السورية، وفق تقارير محلية، وبالنظر إلى استعصاء خيارات التدفئة أمام الناس، تصدّر الحطب المشهد وبات البديل الأنسب.
البعض يرى أن غياب تزويد الحكومة ببدائل للوقود المنزلي، أدى بالمواطن إلى البحث عن بدائل منها شراء الحطب للمدافئ التي تعمل عليها، والتي ملأت أيضا صفحات التواصل الاجتماعي بمواصفات متنوعة، والتي لم تعد تخدم الغرض في ظل غياب الوقود أو الكهرباء. بالتالي أصبحت تجارة الحطب رائجة بين شريحة واسعة من المواطنين، في ظل تدني الرواتب وعدم وجود فرص عمل جيدة، خاصة وأن تكلفتها أقل بكثير من تكلفة المازوت، بالإضافة إلى أن بعض الناس يشترون الحطب لأغراض الطهي، نظرا لندرة الغاز وغلاء سعره.
أيضا هناك بعض الأشخاص يستخدمون الحطب لصناعة الفحم، المادة الرائجة في الأسواق بكثرة. هذا ويستمد التجار الكبار الحطب من الغابات والأراضي الفارغة التي هجرت منها سكانها، مما يعني أن الأشجار والغابات باتت معرضة للتحطيب من قبل هؤلاء التجار و شبكاتهم، واليوم يبدو أنهم ينتقلون إلى الحدائق والشوارع العامة، دون حسيب أو رقيب الأمر الذي يحمل تداعيات سلبية جمّة.