صراع العلم و الدين…..بين الماضي و الحاضر(١).
تنتشر بين العامة شبهات حول تخاصُم النصوص الدينية مع حقائق العلم، وموقف الناس يتعدد بين منحاز للدين في معزل عن العلم، ومنحاز لطرف العلم متشكك في الدين، وبين موقف وسطي يسعى للتوفيق بين كليهما بما يتقبله العلم الحق والتفسير الموضوعي، إلا أن الموقف الذي يتبناه كل من له اطلاع على التاريخ الإسلامي هو موقف عدم فهم ذلك الفصل بين العلم والدين من الأساس، إذ إن العقلية الإسلامية لم تفصل بينهما يوما!
الإسلام والعلم
من المعلوم لجميع الناس أن أول أية نزلت من القرآن الكريم افتتحها الله بقوله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] فلا عجب أن تكون الحضارة العلمية في الإسلام تختلف عن أي حضارة أخرى. فالإسلام يقر أن البحث والاطلاع والتزود من العلم على ضوء ما يرضي الله هو بوابة للدين في الأساس! وامتدح الله أهل العلم بقوله: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] وعلى الرغم من كون الحضارة العلمية في الإسلام لم تكن أول حضارة –من حيث النشأة- تاريخيًّا، إلا أن سماتها وإنجازاتها جعلتها الحضارة الأولى في التاريخ بحق، وذلك من عدة جوانب:
أولا: كانت العلوم في شتى الحضارات حكرا على فئة قليلة من الناس يشار إليهم باسم معيّن كالفلاسفة أو الكهنة، ولم تُشَع قضيّة العلم لتشمل كل الناس بهذا الشكل إلا في الحضارة الإسلامية.
ثانيا: ظهرت في الحضارة الإسلامية -ما يمكن تسميته- بـ الفرق العلمية، وهو أن يجتمع كذا عالم في غير تخصص ليتعاونوا جميعا في مشروع علمي واحد، فكُلٌّ يستفيد من تخصص غيره عبر تبادل المعارف.
ثالثا: وصل الأمر بالمسلمين إلى إنفاق الأموال سواء من قبل الولاة والحكام أو حتى التجار وأصحاب المال، بهدف نشر العلم ونقله كما جرى مع إنشاء الأوقاف لدعم المعلمين وطلبة العلم وكذلك ما جرى من ترجمة كتب اليونان في علوم الطبيعة إلى اللغة العربية، حيث ابتدأت الترجمة في أواخر الدولة الأموية في بغداد، مما أدى إلى توفر ثورة معرفية في علوم الطبيعة بين يدي العامة.
رابعا: لم يقتصر دور المسلمين على استيراد العلوم، بل إن العلماء مثل ابن الهيثم، والبيروني، والكندي وغيرهم أضافوا على الكتب اليونانية عنصر التجربة العملية وأسسوا المنهج العلمي التجريبي لأول مرة في تاريخ البشرية.
خامسا: كان لكثرة حث القرآن الكريم للنظر في الطبيعة دافعا للتبحر وتأسيس الكثير من العلوم، وبما أن المكانة التي وضعها القرآن للإنسان كانت الخلافة، فمبدأ بناء الكون وإعماره هو معتقد إسلامي بحت، وكان هو الدافع الأكبر وراء معظم الاختراعات التي ساهم بها المسلمون في الحضارة البشرية!
ولعل هذا المرور الخاطف يوضح لنا موقف الدين الإسلامي من العلوم الطبيعية، موقف فيه تواؤُم وتجانس بين الدين والعلم، ولذا فإنه لم يعرَف في تاريخ الحضارة الإسلامية الفصل بينهما.
السبيل-موقع حزب الحداثة.