“أولياء الله” في تل أبيب(١).
حملت ظاهرة الاعتقاد بأضرحة الأولياء أو “الصِّدِّيقِين” اليهود داخل تل أبيب، أبعاداً مختلفة على الصعد السياسية والدينية والاجتماعية، في ظل محاولاتهم بناء مجتمع يهودي قائم على النزعة الصهيونية القومية، تمتزج فيها الموروثات العقائدية والطقوس الروحية بالعادات والتقاليد الشعبية.
وجد الكيان الصهيوني ضالته في احتفاليات موالد الأولياء و”الصِّدِّيقِين” اليهود، من تحويلها لفاعليات سياسية، يخفي بها التفكك الثقافي والاجتماعي في المجتمع الإسرائيلي، المتجسد في الصراعات الطائفية والمذهبية بين المحافظين “الحريديم” والعلمانيين، والصراعات العرقية والطبقية بين الأشكناز “يهود الغرب وأوروبا” والسفارديم “يهود الشرق”، والفلاشا “يهود الحبشة”.
الحقيقة الأكثر بزوغاً في الحالة الصوفية اليهودية، تكمن في تعاطيها وتفاعلها مع الأحداث المتعلقة بدولة إسرائيل الكبرى في المفهوم الديني، وربطها بين العقائدي والسياسي، واستثمارها كجسر مذهبي وثقافي رابط بين مختلف طوائف المجتمع اليهودي، وتأثيرها في تشكيل العقل الجمعي للمجتمع الإسرائيلي، وتحقيق حالة الانسجام السياسي والقومي.
في دراستها عن “المعتقدات الشعبية حول الأضرحة اليهودية”، (دراسة عن مولد يعقوب أبي حصيرة بمحافظة البحيرة)، أشارت الدكتورة سوزان السعيد يوسف، إلى أن احتفال اليهود بموالد الأولياء، ليس مجرد حدث ديني أو شعبي، لكنه محور سياسي بالغ الأهمية، متكئ على الأدب الشعبي في بناء صورة ذهنية عن الأولياء و”الصِّدِّيقِين” اليهود، لصناعة نماذج بطولية خارقة تؤدي دور المخلص اليهودي، للوصول بالمجتمع الإسرائيلي إلى حالة الهدوء والاستقرار.
اشتهر الولي أو “الصِّدِّيقِ” في الثقافة اليهودية بالرجل المتبحر في دراسة التلمود، والمتحدث باسم الرب، وصاحب الكرامات والنفحات التي تكمن بطياتها القوة الروحية والقدرة الإعجازية، وكاريزما التأثير في الجماهير والأتباع.
في إطار تمرير مشروع الإندماج الفكري والثقافي بين الجماعات العرقية المختلطة، تلاعبت دولة الاحتلال الصهيوني بالحكاية والأسطورة اليهودية، لبناء ما يسمى بـ”الأمة العبرية الجديدة”، للقضاء على التوترات والصراعات الداخلية المنتشرة في عمق المجتمع اليهودي، فضلاً عن استثمارها في قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي.
اعتمدت الحركة الصهيونية على فكرة التوسع في بناء الأضرحة الرمزية للأولياء و”الصِّدِّيقِين” اليهود، كنوع من التوظيف السياسي والاستغلال الديني، مستعينة باليهود المغاربة، الذين لعبوا دوراً مهماً في الاتصال بين يهود دول المنطقة العربية، وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة.
لعمرو فاروق.
النهار- موقع حزب الحداثة.