النسائية الجهادية.. هل هي حقاً ظاهرة عابرة؟(٣).
بيد أنّ النسائية الجهادية اتبعت أسس الجهادية العامة التي قويت جذورها في ثمانينيات القرن الماضي، والمبنية على أيديولوجية دينية، مبدؤها الدفاع عن الهوية الإسلامية ضدّ الغرب، باعتباره عالماً واسعاً وغريباً من الحداثة والعولمة، وبرزت النسائية الجهادية في تلك الحقبة مناهضة للنسوية العالمية، مع أنّ التناقض الواضح في أهدافها يتجلى في طريقة الفعل الذي تقوم به النساء الجهاديات، فقد بدّلن أدوارهنّ، كربّات منازل ومربيات للأطفال، بأدوار قتالية تتنافى مع دور النساء التقليديات، من هنا بدأ النقاش والجدل وإعادة تعريف دور النساء الجهاديات، فلم تعد حركتهنّ تقتصر على معارضة النسوية العالمية؛ إنما بدأت بالتمرد على الدور التقليدي الذي لا يخالف مبدأ النسوية العالمية، لكن بطريقة مشوّهة، ومخلّة بإنسانية الإنسان وكرامته، وحقّه في الحياة.
اكتفت وسائل الإعلام بوصف جانب من جوانب الجهادية النسائية، المسمَّى “جهاد النكاح”، ولم تبحث في دوافعه النفسية والسياسية
بدوره، ساهم تحّول ثورات “الربيع العربي” من ثورات سلمية إلى “كفاح مسلّح”، في تطوّر النسائية الجهادية، و”باتت صور النساء المنقبات المشاركات في المظاهرات الاحتجاجية مألوفة، إلّا أنّ اشتداد قوى الثورة المضادة، بعد أقل من عامين، ساهم في استعادة القاعدة لجاذبيتها، وبات العالم العربي ربيعاً للجهادية”[2]، إضافة إلى انتشار الأدبيات الجهادية والفقهية والفتاوى التي تُعزز دور النساء في الجهاد، ودور وسائل التواصل الاجتماعي التي نشطت في نشر الفكر الجهادي الذي يقوي عزيمة النساء على الجهاد، ما سهّل عملية ترويج الأفكار السلفية بينهنّ، وباتت النساء تدير المواقع الإلكترونية الخاصة بالجهات المتطرّفة، كالنصرة وداعش، وأكّدت الإحصائيات حول هذا الموضوع؛ أنّ نسبة 40% من تلك المواقع تديرها فتيات تتراوح أعمارهنّ بين 18 إلى 25 عاماً[3].
إذاً؛ نحن أمام إشكالية ذات وجهين؛ الوجه الأول ديني سياسي: يتمثل في الدفاع عن الهوية الدينية والهوية الوطنية، في آن معاً ضدّ الأنظمة الديكتاتورية في البلدان العربية، والوجه الثاني: هو محاولة إثبات الذات النسائية في أماكن صنع القرار، ومواجهة النظام الاجتماعي الذي همّش النساء، والنظام السياسي، وجعلهنّ يبحثن عن بديل معاكس للصورة النمطية في مجتمعاتهن.
ختاماً؛ تجدر الإشارة إلى تلازم أدوار ثلاثة للمرأة: الدور الدعوي – التربوي؛ الذي تمثله القبيسيات في سوريا، على سبيل المثال، والدور الجهادي، على اختلاف أشكال الجهاد؛ الذي تمثله المقاتلات والانتحاريات والزينبيات، دون إغفال الدور النضالي، بالتعبير الدارج عند القوميين والاشتراكيين. فإذا كان الدور الجهادي يتناقض مع أنوثة المرأة وإنسانيتها، تناقضه مع القيم الإنسانية كافة، ويشكل خطراً على الحياة الإنسانية، فإن الدور الدعوي لا يقلّ خطورة على مستقبل المجتمعات المعنية.
لأنجيل الشاعر.
حفريات- موقع حزب الحداثة.