عن الأجندة النسوية المشتركة(٢).
بعد شرح الجانب العملي والشيّق لتطور الأجندة النسوية المشتركة، انتقلنا للمداخلات المقرّرة التي تناولت المحاور التالية: المرأة والسلام والأمن ومشاركة المرأة (خولة دنيا)، وتغيير التشريعات (سوسن زكزك)، ووصول المرأة إلى الموارد الاقتصادية (صبيحة خليل)، والعدالة والتعافي (جمانة سيف)، والتصدي للقوالب النمطية الجندرية (دوريس عواد). كانت المداخلات، بالنسبة لي على الأقل، فتحاً لأبواب مفتوحة. طبعاً نحتاج إلى إدماج المنظور الجندري في عملية الأمن والسلام، وطبعاً نريد تشريعات عادلة، وطبعاً نحتاج إلى فرص عمل للنساء مبنية على الاحتياجات، وطبعاً ينبغي أن تكون العدالة الانتقالية حساسة للجندر، وطبعاً نحتاج إلى رفع وعي أفراد المجتمع بمختلف أشكال العنف التي تطال النساء أثناء النزاع وبعده! مع ذلك يمكنني القول إن المداخلات شكّلت تمهيداً ضرورياً لعملنا، ولا أعتقد أن اثنين عاقِلَين وعالِمَين سوف يختلفان على ما ورد فيها من تذكير بالحقائق المؤلمة. للأسف، السوريات والسوريون محكومون بقول هذه الأمور مراراً وتكراراً، لأن شيئاً لم يتحقق من أحلامهم حتى الآن، وما زالت النجاة من دوامة العنف والفقر والاستبداد غير متوقعة على المدى القصير. مشكورات القادرات على مواصلة الدرب النسوي الوعر والشاق.
في اليوم الثاني تقسّم الحضور على مجموعات عمل فيزيائية والكترونية للإدلاء بتوصياتهن-م بخصوص تعزيز آليات الأجندة النسوية المشتركة وتنفيذها. وقد طُرِحت محاور مختلفة للنقاش، وهي: بناء تحالفات عابرة للقطاعات؛ وإنشاء منصّة نسوية لتمكين النهج والخبرة الجندرية؛ ودعم حرية المجتمع المدني في سوريا واستقلاليته بحيث تتمكن منظمات حقوق المرأة من تمهيد الطريق لعملية طويلة الأمد نحو السلام والديمقراطية والمساواة؛ وتمكين الالتزامات الدولية من أجل دعم توافر الخدمات لضحايا العنف ضد النساء والفتيات؛ وتمكين الالتزامات الدولية من أجل دعم مشاركة المرأة في جميع مفاوضات السلام؛ وتمكين الالتزامات الدولية من أجل دعم المنظمات والشبكات والمنصات المعنية بحقوق المرأة.
لم أكن حاضرة في جميع مجموعات العمل، ولكن يمكنني من خلال انطباعاتي حول النقاش العام الذي جرى بعدها أن أقدم بعض الاستنتاجات (المؤقتة). أولاً: لم يكن الوقت كافياً لمناقشة موضوعات بتلك الأهمية ودرجة التعقيد. اضطررنا للاستعجال مما جعلنا نخرج بإشارات استفهام بعدد التوصيات التي قدمناها. ثانياً: رغم ضيق الوقت إلا أننا وضعنا لائحة هائلة من توصيات أقل ما يقال عنها إنها أشبه بجبلٍ شامخ أمام أقدامنا الصغيرة غير القادرة على تجاوز الهوّة بين واقعنا وأحلامنا. أذكر أن التوصيات تراوحت بين مطالب عملية ومحددة كتدريب النسويات والنسويين على مهارات التحليل الجندري، مروراً بمطالب عظيمة كتسهيل الحوار بين أطياف المجتمع (النسوي) السوري، وصولاً إلى مطالب تعجيزية كتغيير جميع أعضاء الوفود السورية مع ضمان كوتا نسائية نسوية بنسبة 50%. ضيق الوقت منعنا للأسف من تكثيف لائحة توصياتنا وتلخيصها بخطوطها العريضة واختيار ما هو قابل للتنفيذ على المدى القريب أو المتوسط، مما قد يترك المجال مفتوحاً لتجاهل معظمها حين يحين وقت الجد.
والنقطة الثالثة التي لفتتني أثناء مناقشة استناجات مجموعات العمل هي أن المنصّة النسوية قد أخذت عقولنا وفازت بقلوبنا جميعاً. السبب برأيي هو أنها أكثر نقطة عملية وواضحة ومحددة، وعلى ما يبدو أنها باتت في متناول أيدينا. ورغم تباين الآراء بخصوص التفاصيل، إلا أن الجميع متفق على حاجتنا إلى تلك المنصّة. وسوف أستثمر هذه المساحة لأقدم توصياتي التي سبق أن طرحتها أثناء أحد اللقاءات التشاورية: ينبغي أن يكون الهمّ المعرفي هو الهدف الأول للمنصّة النسوية، وأن تأتي كل الأهداف التنظيمية الأخرى بالدرجة الثانية أو الثالثة. كما ينبغي تفادي مطبّ أن تغدو المنصّة مكاناً للتنافس بين المنظمات النسوية، لذلك من المهم الحرص على حياديتها التامة كي تغدو ملكاً للجميع، وتجنب إيحاء أنها ملك لمنظمة معينة أكثر من منظمة أخرى، لأن التجربة أثبتت أن ذلك قد يقوّض الثقة بها. كذلك أقترح تبويب موقع المنصّة بعدة طرق: بحسب الموضوعات النسوية، وبحسب اسم الكاتب-ة، وألا يقتصر التبويب بحسب المنظمات أو مكان تواجدها أو غير ذلك من التقسيمات الصورية وغير المفيدة للوصول إلى المعلومة والتراكم المعرفي الذي نحن بأشد الحاجة إليه كي نتمكن من إنتاج نسوي عليه القيمة. كما ينبغي حراسة مستوى جودة المحتوى باستمرار، كي يكون النوع، وليس الكمّ، هو نقطة انطلاقنا ووصولنا. وكما قالت لي إحدى المشاركات في المؤتمر: «لو نجح مشروع المنصّة فقط، فسوف يكون المؤتمر بأكمله قد نجح!».
لرحاب منى شاكر.
الجمهورية- موقع حزب الحداثة.