ما هو التنوير؟ وهل يخرج التنوير من رحم الدين؟
التنوير هو فعل الكشف عن حقيقة الثوابت وتفكيك أي مقدسات، هو فعل تدمير ومراجعة وفضح وتعرية متواصبلة مع الزمن ويرفض التوقف. ففي توقفه موته وتصلبه وتحوله غلى مقدسات وثوابت.
لا وجود لسماء ولا آلهة ولا غيب مع التنوير.. لا حقائق مطلقة.. من ولد على الأرض يحدثنا عن الارض. ومن ولد في السماء، أو أو من ولد على الأرض وأتته إشارة منها لا نحتاجه. نحن أبناء اللحظة. لا نريد مطاردة لحظة متخيلة ما وراء الزمان. إنما لحظة وليدة لحظة عشناها وجربناها على أرض الواقع. وليس الحلم أو الغيب.
لكن التنوير ليس إنكار الله ولا الإساءة للدين أو أي دين .. التنوير موضوعه مختلف تماما عن الدين.. وهذا ما يجب أن نفهمه!
المشكلة تكمن فقط في أن الدين هو الذي يحارب التنوير وليس العكس..
وهذا أمر مهم جدا فهمه.
ومعناه أن معنى التنوير العربي لا يتعلق بالدين، إلا باعتباره عائقا معاديا سلفا لأي محاولة من قبل “جماعة المصلين” للخروج من حظيرة الدين.
هذه هي المسألة باختصار!
وعليه فإن من يهاجم الدين أي دين أو يتعرض لتعاليمه وطقوسه وإلهه ونبيه وشيوخه شخص لا علاقة له بالتنوير لا من قريب ولا من بعيد!
هذا الأمر يختلط على كثيرين ويجب توضيحه بدقة شديدة.
لأن نتائجه خطيرة سواء بالمعنى الإيجابي أو السلبي.
الانجرار إلى معركة مع الدين الشائع أو الموروث. ليست هي هدف التنوير البعيد.
الدين كما قلنا مجرد عائق. وعائق طبيعي جدا. ومتوقع دائما في أي مشروع للتغيير والتطوير والمراجعة.
ليس لأن الدين شيء بطبعه. ولكن لأن الدين محافظ بطبعه. ومحافظته هذه هي سبب بقائه ونجاحه.
وعليه فلنا أن نتوقع سلفا ثورة رجال الدين لدى أقزام إفريقيا. ضد أي محاولة للتغيير أو التنوير!
هذا جانب الجانب الآخر
أن الاعتقاد بأن التنوير هو ضد الدين هو خدعة سوقها وروجها أهل الدين.
لتبرير عدوانيته .. ومحاربته لأي محاولة للتطوير.. مثل باقي شعوب الكرة الأرضية.
التنوير لا يحارب الدين. لكن التعويل عليه يضرب مصالح الدين. ويحرر عبيد الدين ورجال الدين.
التنوير يقلل رصيد الكهنة من الأتباع .. وهذا يشبه تقليل رصيد التاجر من البضاعة التي تبرر وجوده وعزه وثروته وسطوته.
رجل دين بلا أتباع
إنها صورة مخيفة لا يستطيع تحملها عقل وذهن رجل الدين. ولا يستطيع أن يراها بالتالي إلا كقطع لرزقه وقيمته وسطوته وشأنه ووزنه ووووو
1- إذا كان طريق عيسى ورشيد وحامد والنهضة الفكرية والقمني .. لا ينفع و خطأ في خطأ فما البديل؟ و كيف سنخرج من غيمة الدين السوداء؟ والتي لا تعرف الحوار ولا التغيير ولا الاستسلام؟ البديل هو في معرفة مشاكلنا والشروع فورا بمحاولة إعادة تعريف مفهوم المستقبل واكتشاف آفاقه الواعدة ..
التنوير ليس في مهاجمة الدين أو إثبات أنه يقوم على خرافات وأساطير.. هذه مسألة محسومة ولا تحتاج جهدا.
ما يفعله بالتالي إبراهيم لا قيمة كبيرة له. فهو مشغول منذ سنوات بمحاربة أساطير في سوق يغص بالأساطير.. بل أن السوق كله اسطورة.. ولا وجود لها أصلا ..
إبراهيم عيسى يعتقد أن التنوير يكمن في مهاجمة الإخوان والسلفيين وهذا خطأ استراتيجي قاتل وهائل..
إنه قصور نظر.. وعداء عاطفي .. لا علاقة له بصلب الموضوع ..
عداء عيسى للسلفيين بهذا المعنى سياسي.. وليس تنويري ولا حضاري..
ولهذا وجدنا من يتبناه نكاية بالاخوان والسلفيين.. هذا لا يعني أن عيسى يعمل لصالح جهة ما.. لا على العكس.. لكنه تلاقي مصالح بعواطف وأمزجة لا أكثر..
التنوير لا يخرج من الدين
يقولون أن القمني وأمثاله يخلط بين النص وقراءاته، والدين والتدين، وهم يعتمدون المشهور من التفاسير،
وأن أبحاث الرجل لا تكتسي صبغة علمية أكاديمية وصرامة منهجية على غرار اركون والجابري وطه عبد الرحمن
على هذا راح البعض يدعي وجود استسهال وإسهال ابستيمولوجي وتضخم إيديولوجي في أبحاثه، وأنهما كانا يحجبانه عن رؤية عدد كبير من الحقائق العلمية والتنويرية في تراثنا؛ ولم يبق سوى البحث عن إمساك شعبوي و أخروي وعضروطي وما شابه
وأن هناك تنويريين لا يراعون أخلاق الحوار ولا المشاعر العامة للمؤمنين.. وهذه كما هو معلوم من أبسط مقتضيات “الخطاب التنويري” نفسه كما أفهمه. مع أنه هناك ممن اختطف شعار التنوير، مثل إسلام بحيري وأضرابه ممن لو جلسوا إلى أستاذ في أوليات البحث لولوا أمامه حاسرين خاسرين..
أقوال كهذه خبيثة و تسخّف بدلا من أن تكشف.. ولصالح الدين
فهي تجعل مثلا من إسلام بحيرى تنويري! .. فلا علاقة له بالتنوير.. بمعناه المفهومي..
والحقيقة أن التنوير لا يخرج من داخل الدين.
غير إن من يحتج على عيسى وبحيري نفسه يدعي انهم تنويريون.. لكن سيئون !
والسبب أنهم ركبوا دماغ حمار على رؤوسهم وتصوروا أن التنوير لا يخْرِجُ إلا من الدين!
وأن البحث هو عن تنويرٍ يحرّرُنا بالدين وليس منه! وأن لابد من حوار بين أنوار التنوير و أنوار الحداثة…
جوابي لأمثال هؤلاء .. وجازما
التنوير لا يَخرج من الدين والسبب بسيط وهو أن الدين يعتبر نفسه نورا والنور لا يحتاج تنويرا.. كي يتحرر..
الدين يستعبد ولا يحرر وهذه وظيفته.. و تعريفه اللغوي والاصطلاحي في جميع اللغات السامية
لا نحتاج لإلغاء المقدس ولا معاداته
أمر آخر.. لا نحتاج لرفع القداسة عن الأساطير والخرافات هذا ليس مشروعا تنويريا في الجوهر.. ولن ينجح.. الإنسان في الأصل كائن خرافي.. ويعشق الخرافة …كل ما هو مطلوب من رجال الدين وعشاق الخرافات والأساطير وغيرها.. أن يبتعدوا عن طريق التنوير لا أكثر..
معاداة الدين والنبش يوميا في مستنقعاته النصية لن يؤدي إلى شيء.. وليس هو الهدف.. فما معنى ان تثبت لي أن الله ليس موجودا أو موجودا؟ ما معنى ان تثبت لي لا نبوة محمد أو المسيح إلخ؟
كل هذا لا قيمة له. القيمة الحقيقية الوحيدة هي تطوير إمكانيات الإنسان وجعله يدرك أن المستقبل واعد وأن هناك إمكانات لا تحد للمزيد من الاكتشاف والوعي والتطوير أي باختصار التنوير!
تعافينا كمجتمعات، لا يرتبط بالقضاء على الخرافات.. إنما تجاوزها.. وعدم السماح لها بأن تكون موضوعا للنقاش واستهلاك الطاقات.
الانشغال بها انحراف سيصب في صالح من تسبب بالانحراف.. أي الدين ورجال الدين.. وهم اكبر العوائق.. وليس العائق الوحيد.. يجب أن لا نغفل عن هذا.. بل أكثر .. أن أكثر الذين نغفل عنهم هو نحن أنفسنا.. من ندعي التنوير.. وهذا ما لاحظته في الفيديو الاخير.. حين يقال يجب أن لا نطعن بعضنا.. أ ننتقد بعضنا الخ .. وهذا بداية الدين والتطرف والتعصب ..
المعراج و إيراهيم عيسى
انشغال ابراهيم عيسى وهو نموذج بالدين لا يعود لاهتمامه بالدين.. إنما بمعاداة السلفيين .. تناول المثقفين والإعلاميين الذين يدعون التنوير نموذج للفشل في فهم أصل القضية وجوهرها وأهدافها ومسارها وطرق التعامل معها وتسييرها ومناقشتها وووو
إنهم يسيرون وقفا للقصور الذاتي..
قبل قليل رأيت فيديو قديم لعيسى عن المعراج.. استضاف فيه رشيد وزايد.. قبله سمعت كلاما ليوسف زيدان عن قصة المعراج.. فيه نقاش مهم لكنه في النهاية قدم حججا قوية تنفي الموضوع.. وهذا ما أوهم عيسى بقوتها..
لكنها لاتكفي جميعا.. لإبطال أحكام الصلاة!
مشكلة هؤلاء أنهم يفكرون بالعقل … رجال الدين المشرعين.. لا يعملون هكذا !
انهم يربطون بين القصص جميعها بغض النظر عن المكان والزمان!
الإسلام ربط نفسه بإبراهيم وهو مجرد خبر شاع قبله بألفي عام! كذلك المسيحية ربطت نفسها بخطيئة آدم وطرده من الجنة!
وأٌقول لمن ينتقدني أن ما قدمته في الفيديو يثبت أن عيسى لم يعرف الدين في أصوله بشكل جيد. لقد أخذ معرفته بالدين من غير أهل الدين. كما انني لم اتهجم عليه.. بالعكس .. أنا نصحته بعدم التسرع والنقد ليس تهجما.. علينا أن لا نخشى نقد بعضنا كالمتدينين.
النقد مطلوب دائما وليس وفقا للظروف .. يجب أن لا نجعل من الفكر والدين والحياة ساحة معركة كلما احتجنا لأن نفعل شيئا فيها قلنا هذا ليس هو الوقت المناسب..
لا يوجد وقت مناسب إلا الآن!
إما أن نحول كل القضايا إلى معارك وصراعات أو لا!
والنقد إما ان يكون نقدا أو لا .. لا مرونة ولا تهاون في النقد. والسبب بسيط أنه ليس نتاج عاطفة أو مزاج أو رغبات شخصية بسيطة. إما أن يكون النقد صادما أو لا !!
طبعا هذا لا يمنع من احترام وجهات النظر المرنة في موضوعة النقد ..
لكني أرى أن وجهة النظر المتطرفة في النقد.. التي أتبناها يجب أن تكون موجودة ايضا.. وأن تأخذ حجمها.
وعليه فإني أشكر جميع الأصدقاء على ملاحظاتهم:
الموضوع ليس الهجوم على إبراهيم عيسى. إنما نقد طريقته ومنهجه في إعداد حلقاته. وأيضا لمشروعه الفكري بأكمله.
فهو ما زال يعتمد على العاطفة في أطروحاته. ولا يدقق في ما يسمع أو يقرأ أو يشاع.
أنا اعترضت على نفيه لموضوع من أسس الإسلام وأعمدته.. لكنه صدق الكلام الشائع عن المعراج.. ولم يدقق.. فأضر من حيث أراد النفع .. وطالما أخطأ سابقا.. وهذا هو المزعج في الأمر .. إنه كما يبدو يحتاج عدد كبير من الأخطاء لكي يتعلم فن اللعب مع الكهنة.
المطلوب كسر الخرافة
أي أنه لم يكسر الخرافة. بل راح يقول إن هذه الخرافة لا تمثل الإسلام.. بدلا من أن يقول إن أسس الإسلام خرافية.
الذي يثير الاستياء إن الأخرين يلعبون بحرفية عالية جدا..
بل تركوا صبيانهم يلعبون معنا ! هذا عار على التنويريين..
1- لاحظوا كيف يلعب الآخرون.. يقدمون نماذج مدربة جيدا.. ويجري باستمرار فحص خطابها وتوجيهها معرفيا وإعلاميا.
أكبر نموذج معاصر هو عبد الله رشدي.. أنه ليس كما ترون.. هذا الشاب تقف وراءه قوى متمكنة جدا.. ستقولون الأزهر! سأقول لكم كلا.. الأزهر أداة حالها حال رشدي ! هذا
هذا ما جعل شاب بعمر ابن عيسى يسخر منه ويشرح له ما هو المعراج؟ هذا أمر مخز!
2- ابراهيم عيسى غير مؤهل للموضوع.. وأضر من حيث أراد النفع.. يجب أن لا نجامل.. ولا نداور ولا نبرر
الخلاصة التنوير الحقيقي لا يخرج من غيمة الدين
1- إبراهيم عيسى لم يكسر الخرافة. بل راح يقول إن هذه الخرافة لا تمثل الإسلام.. بدلا من أن يقول إن أسس الاسلام مثل أي دين تقوم على أفكار وسرديات أسطورية .. وهذا القول لا إساءة فيه للدين. إنما وصف له.. وإلا ماذا نقول عن الاسلام هل أنه دين فلسفة وعلم مثلا؟
الإسلام دين مثل غيره.. لابد أن نعترف بهذا .. إنه مجرد دين ورثناه مثل بقية الأمم والشعوب. وفيه ما فيه..
التكبر والغرور والتفاخر و الاعتزاز والتمجيد بديننا أمر طبيعي. و نحترمه جميعا.. لكننا يجب أن نكون واقعيين حينما يتعلق الأمر بالعلم.
لنضع لكل مجال مكانه الصحيح..
أعرف هناك متحمسون يخلطون الماء بالنفط.. والشاي بالحليب على مزاجهم .. ويريدون تجيير كل شيء لصالح دينهم. وهذا سلوك وتحيز طفولي بصراحة .. لا يجب أن يتسم به كل ذي عقل سليم .
2- سيقال لم تكن منصفا !!! أقول الموضوع غير أخلاقي و لا علاقة له بالإنصاف.. انما بقضية تتعلق بمنهج خاطئ في التفكير وطبعا التنوير.. ما كنت اقوله باختصار التنوير لا يخرج من غيمة الدين.
هيمنة الديني على المجال العام، تقريبا حصلت بفعل فاعل الربط بين الدين والديمقراطية وحقوق الانسان هذه خبطة سريالية.. هدفها تمييع كل شيء..
يجب أن يتم تعريف التنوير لكل يفرز نفسه ويتحدد تعريفا وتوجها واتجاها إنسانيا فاعلا .. دون هذا سيبقى مختلطا وغير مشخص وعائم وغائم.
التنوير كله خارج الدين.. ولا توجد مؤسسة دينية مستقبلية إنما رجعية ومحافظة، رجال الدين مثلها .. وأتباعهم.
ومن يريد التنوير عليه ان لا لعب بادواتهم ولا حتى يتحرش بأنبيائهم وآلهتهم ..ونصوصهم
يقول لهم ببساطة.. قررنا اتخاذ طريق آخر
وهذا من حقنا.. وان من يقف في طريقنا سنسحقه!!
سبينوزا والحرية والدولة
يقول سبينوزا إن أكثر الدول حرية هي التي تعتمد قوانينها على العقل السليم
فهي تطلب الطاعة من المواطنين وليس العبيد
لأن الفرق بين المواطن والعبد يعتمد على الدافع الموجه للفعل
فإذا كانت غاية الفعل مصلحة الآمر وليس المأمور يكون الفاعل عبدا لا يحقق مصلحته الخاصة، إنما مصلحة الحاكم، فيما يتصرف الحاكم وهو مغتصب للحكم غالبا، على اعتبار ان من يحكمهم هم أتباعه وعبيده، وليس مواطنيه.
لو طبقنا هذا على تاريخنا كله لوجدنا أن ثقافتنا بأكملها، فقها وعقيدة وسياسة، تطلب الطاعة للحاكم بلا مقابل، أي مراعاة مصلحة الطبقة الحاكمة وحاشيتها.
لنفتح أي كتاب فقهي أو ديني سنجد هذا الإلحاح على الطاعة العمياء.
وهذا هو ما يجعلنا نفشل في درس الديمقراطية، على مستوى الدولة وحتى العائلة.
فلا وجود لدينا لإنسان “فرد” يعيش بمحض إرادته واختياره، ووفقا للعقل.
أي أن ثقافتنا باكملها قائمة على أساس سلب الناس حرية التفكير والتعبير.
وهذا هو المصدر الأكبر، لحروبنا اللامتناهية.
يبدو أن ’مفارقة عبدة’ تمثل لعنة سندور في ساقيتها طويلاً.
ولمن لا يعرف، فمفارقة عبده هو تعبير استخدمه المفكر المغربي عبد الله العروي لوصف محاولات الإمام محمد عبده في الإصلاح الديني قبل مائة سنة، وخلالها وقع عبده في فخ التوفيق والتلفيق في تفسير نصوص التراث لكي تتوافق مع مشروع الحداثة والنهضة والعقلانية.
ولا يمثل إبراهيم عيسى سوى حلقة في سلسلة من عشرات المثقفين الساعين إلى التنوير والعقلانية فيما بعد نهضة محمد علي؛ كل بطريقته، ولكل مكانته في هرم العلم والتخصص، وعيسى ليس آخرهم بالتأكيد. وكلهم دون استثناء تعرضوا لكل أنواع الإضطهاد والعنف وحتى القتل. ولا جديد، ولكن يبدو أن القطار قد غادر المحطة فعلاً.
أما ’سقطة عيسى’ فقد كانت موضوع المفكر العراقي منصور الناصر عما حدث مؤخراً في إثارة عيسى لموضوع المعراج المختلف عليه أصلاً في التراث الإسلامي نفسه. فكيف وأين أخطأ أو سقط إبراهيم عيسى في هذه الواقعة رغم أنه لم يخطئ فنيا كما يقال!؟
تتمثل سقطة عيسى في خطأ مفاهيمي منهجي، طبقا لرأي الناصري، وأضيف انها تكرار لمفارقة عبده في محاولته إصلاح ما يعرف بالخطاب الديني ولكن من داخل الخطاب الديني نفسه، وهنا بدأت وانتهت مفارقة عبده. والواقع أن الكثير من المفكرين بعد محمد عبده، إصلاحيون أو تنويريون وقعوا وما زالوا يقعوا في فخ مفارقة عبده، أو إصلاح الخطاب الديني من داخله. وهذا ما فعله عيسى بالضبط في واقعة حديث المعراج، كيف؟ وأين؟
لو أن إبراهيم عيسى قد اكتفى بالإشارة إلى رواية المعراج كما وردت بالتراث الإسلامي دون اتخاذ موقف الحكم بنفسه على مدى صحة أحد تفاسيرها المختلفة أصلاً، بين معراج الجسد والروح أو أحدهما أو أنه كان في الحلم؛ لو فعل عيسى ذلك فما كان سيثير أي جلبة، لأنه سيكون مجرد قارئ لتراث حقيقي موجود منذ قرون، ويؤمن به كل المسلمون، رغم كل الإختلافات في تفسيره، قراءة بدون حكم أو تدخل.
ولكن عيسى لم يفعل ذلك، بل نزل، ربما في لحظة سهو، في ملعب التراث واستخدم أدوات التراث ومنهجه النقلي في إصدار حكمه، أيا كان ذلك الحكم بإثبات أو نفي المعراج بأي شكل، فليس هذا موضوعنا على الإطلاق، وهكذا راح عيسى يلاعب خصومه السلفيين أو الأزهريين، سواء لا فرق، على ملعبهم وأرضهم التي يحرثونها من مئات السنين، كما أوضح ذلك ناصر الناصري. ومن ثم انهالت عليه كل أنواع القصف، الصاروخي والمدفعي والطائرات الدرون!
وأرى ان لعبة إصلاح الخطاب الديني من داخله هي لعبة سياسية أولاً وأخيراً، ولا فائدة ترجى منها، وهذا ثابت تاريخيا على مدى 14 قرن ويزيد، من الصراعات الدموية التي بدأت بذبح الصحابة بعضهم بعضاً والتابعين، وصولا إلى جماعة الإخوان وداعش.
كذلك فإن عدم جدوى إصلاح الخطاب الديني من داخله ثابت منهجيا ببساطة، قياساً على المنهج العلمي الذي يشترط الشك واللايقين إبتداء، بينما يشترط الخطاب الديني اليقين المطلق إبتداء وانتهاء، حيث لا مكان للعقل أو للشك في مسألة الإيمان، إذن فما الحل؟!
أرى أن الحل ماثل أمامنا في الغرب الذي صنع الحضارة الحديثة، التي نتمتع بنتائجها ونلعن منتجيها، ولكننا لا نستطيع رؤية أو قراءة هذا الحل عل حقيقته نتيجة الإرث الإستعماري للغرب في شرقنا الإسلامي، ونتيجية التوجه السلفي الوهابي التقليدي بالعداء للغرب الكافر المنحل أخلاقيا، إذن المشكلة تكمن في كيفية قراءة هذا الحل المنهجي العلمي، ومن جانبي كل ما أستطيعه هو الإجتهاد في تلخيصه في عدة نقاط:
• أنثروبولوجيا: الإعتراف بحقيقة وجود الدين، أي دين، كظاهرة إنسانية لم تتوقف على مدى ما يزيد عن 70,000 سنة على الأقل طبقا لعلم الإنثروبولوجي أو علم الإنسانيات.
• إجتماعيا عصبيا (مجموع علم الإجتماع مع علم المخ): علينا معرفة أن الدين بحقيقة موقعه في قلب الثقافة الإنسانية هو متأصل ومتجذر في المخ البشري على المستوى البيولوجي، حتى صارت تسميته بـ ’المخ الثقافي’، وذلك خلال رحلة تطور البشرية منذ 13 مليون سنة عندما انفصلت أول الفصائل البشرية Homnin عن الأصل المشترك مع الشمبانزي والغوريلا الذين مازلنا نشاركهم حوالي 98.5 % من الحمض النووي حتى اليوم.
• تطورياً: أنا أعلم أن كثيراً من قرائي الأعزاء لا يستطيعون إستيعاب أو الإعتراف بحقيقة التطور الطبيعي وذلك بسبب تأثرهم بالثقافة الدينية الإبراهيمية، ولكن هذا ما أقتنع به أنا في فهم الدين من موقع الإحترام كإرث تطوري لا يمكن إنكاره أو التهوين من شأنه؛ وهذا ما عندي من علم أقتنع به عقليا ومنهجيا بعيدا عن الدين مع كامل الإحترام له، هذا ولن أقع في فخ النزول إلى ملعب الدين لكي أحاول تفسير أو تلفيق تفسير ما يجمع نظرية التطور المثبتة
• تطورياً: أنا أعلم أن كثيراً من قرائي الأعزاء لا يستطيعون إستيعاب أو الإعتراف بحقيقة التطور الطبيعي وذلك بسبب تأثرهم بالثقافة الدينية الإبراهيمية، ولكن هذا ما أقتنع به أنا في فهم الدين من موقع الإحترام كإرث تطوري لا يمكن إنكاره أو التهوين من شأنه؛ وهذا ما عندي من علم أقتنع به عقليا ومنهجيا بعيدا عن الدين مع كامل الإحترام له، هذا ولن أقع في فخ النزول إلى ملعب الدين لكي أحاول تفسير أو تلفيق تفسير ما يجمع نظرية التطور المثبتة علميا على الأرض، مع المفهوم الديني الإسلامي، أيا كان توجهه.
ولكن من المفيد للقارئ العزيز معرفة أن أن هناك توجهات دينية عالميا تأسست عليها مذاهب دينية طبيعانية أو خلقية أو التصميم الذكي، تجمع نظرية التطور مع الدين، وهنا أترك للقارئ العزيز أن يحل مشكلته مع علم التطور بطريقته، وهنا أيضاً لابد أن أكون أمينا في عرض قناعاتي العلمية التي أكتب من خلالها هذا المقال، وهو أن تلك المحاولات الغربية المسيحية أوالشرقية البوذية أو الهندوسية في الجمع بين الدين والعلم فيما يخص نظرية التطور إنما تقع في إطار ما يسمى بالعلم المزيف Pseudoscience ولا يعترف بها التيار السائد في المجتمعات العلمية العالمية.
• مستقبلياً: أعتقد أن أهمية واقعة عيسى الصاخبة وقبلها واقعة وفاة المفكر سيد القمني، وقبله…وقبله….تكمن في كونها مؤشر دال على قوة تسونامي المعرفة الرقمية، وتعاظم قدرة وسرعة التواصل الإنساني الرقمي على مستوى الكوكب؛
أعتقد أننا بصدد ثورة تنويرية إسلامية، يفرضها واقع التطور الحضاري، وهذا رغم المقاومة الهستيرية من المؤسسة الدينية واللاوعي الشعبي المرعوب من تغيير منطقة راحته، ولكن ليس مطلوبا أبداً، فيما أرى, أن تحاكي تلك الثورة التنويرية الإسلامية سابقتها الأوروبية قبل 500 سنة، لأنها كانت دموية راح ضحيتها عشرات الملايين (منها 30% من سكان ألمانيا!)،
وهنا لابد من العودة لتأكيد ضرورة احترام حرية كل انسان في اعتقاده بأي دين كان، أو لا دين.
إن أقصى التمنى، كما أتصوره، هو قدرتنا على الخروج من هذا المخاض الحضاري القسري الشاق بأقل خسائر ممكنة، فنحن لسنا في موضع إختيار.
ولكن وعلى كل حال، يبدو فعلاً أن القطار قد غادر المحطة،
قطار البشرية، قضيباه العلم والدين، لا يلتقيان، ولا يبتعدان عن بعضهما البعض، وبينهما فلنكات الروحانيات.
لمنصور الناصر.
أزاميل- موقع حزب الحداثة.