حوار مع مقررة الأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء
اجرت جهة إعلامية مرتبطة بالأمم المتحدة مع مقررة الأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء ريم السالم متناولة موضوع العنف ضد النساء و قد جاد الحوار علي النحو التالي :
اخبار الأمم المتحدة ما سبب وصفك لمسألة انعدام الجنسية بأنها عنف ضد النساء
ريم السالم: منذ أن تسلمت مهامي كمقررة خاصة معنية بالعنف ضد المرأة وددت أن أركز على الأسباب الهيكلية التي تؤدي إلى العنف. وأحسست أنه عندما تكون هناك قوانين تميز بين الجنسية وإمكانية أن تمنح المرأة جنسيتها لأطفالها أو زوجها بشكل غير متساو مع الرجل، فستكون لهذا الأمر عواقب من ناحية حقوق الإنسان. كما تعلم، هناك 50 دولة بها قوانين الجنسية التمييزية- منها 24 دولة لا تسمح للمرأة بأن تمنح جنسيتها لأطفالها مثل الرجل.
التمييز في الجنسية يمكن أن يكون لأسباب أخرى مثل التمييز بحق الأقليات بما يؤدي إلى انعدام الجنسية. هناك ما بين 4-10 مليون شخص لا يتمتعون بحق الجنسية. أحسست أننا كمجتمع دولي لا نركز بشكل كاف على حياة هؤلاء الناس ومعاناتهم، ونصفهم طبعا من النساء والفتيات.
وبالتالي فإن التمييز في الجنسية يمكن أن يعرض النساء والأطفال إلى انتهاكات أكبر مثل أن يصبحوا عرضة للاستغلال الجنسي، ويجدوا صعوبة في الاستمتاع بأبسط حقوقهم مثل أن يتعلموا أو يعلموا أطفالهم أو حرية التنقل. وقد رأينا هذا الأمر أثناء الحروب حيث لا تتمكن النساء عديمات الجنسية وأطفالهن من عبور الحدود لعدم السماح لهن. الفلسطينيون في سوريا، على سبيل المثال، يصعب عليهم الخروج طلبا للأمان.
هناك تداعيات حقوقية كثيرة لهذا الموضوع، وخاصة للنساء والفتيات وأنا أحببت أن أسلط الضوء عليها.
أخبار الأمم المتحدة: ذكرت أن “الإصلاحات التي أجرتها العديد من الدول بخصوص إنهاء قوانين الجنسية التمييزية بين الجنسين وانعدام الجنسية تبرهن على أن هذا الأمر ممكن وفي متناول أيدينا”. هل تعتقدين أن بإمكان العالم القضاء على مسألة انعدام الجنسية؟
ريم السالم: أولا، لابد أن يتم القضاء على مسألة انعدام الجنسية، لأن كل العالم يتحدث عن ضرورة إنهاء العنف ضد المرأة، وهناك إدراك أن المساواة بين الرجل والمرأة هي أمر أساسي- ليس فقط من الناحية الحقوقية وإنما من أجل تنمية المجتمع وازدهار الدول، لأنه في نهاية المطاف، المرأة والفتاة هما نصف المجتمع.
وكل الدول التي تقول إنها تضع هذا الأمر على رأس أولوياتها كيف يمكنها الاستمرار في قول ذلك وهي تميز في حق أساسي تندرج تحته حقوق أخرى، لأن الجنسية أو المواطنة يترتب عليها إمكانية ممارسة الكثير من الحقوق الأساسية الأخرى. هذه إشكالية يتعين حلها.
من خلال التقرير، وجدت أن الكثير من الدول اتخذت قرارات سياسية مناسبة وأجرت إصلاحات- سواء كانت قانونية أو من ناحية السياسات. المطلوب في نهاية المطاف هو قرار جريء إذا تم اتخاذه سيؤدي إلى تحسين الأمور الأخرى. لأن الخطوات التي يتعين على الدول اتخاذها معروفة مثل تغيير القوانين.
على سبيل المثال، قررت حكومة المغرب إلغاء تحفظها على المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – المعروفة باسم سيداو- والتي تنص على ضرورة منح المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي، أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج.
كما تنص المادة التاسعة أيضا على منح المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.
قرار المملكة المغربية يبرهن على أن هناك إمكانية. هناك دول أخرى قررت منح حقوق أكثر للأشخاص عديمي الجنسية، وقررت أن تلتحق باتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بعديمي الجنسية.
هناك الكثير الذي يمكن فعله- مثل إطلاق حملات توعية للنساء بشأن حقوقهن حول تسجيل الولادات أو تخفيف المتطلبات المالية لمن يردن تسجيل أطفالهن، لأن النساء من بعض الأقليات قد لا يملكن الموارد المالية اللازمة أو المعلومات الكافية أو يتم التمييز ضدهن عند محاولتهن منح الجنسية لأطفالهن أو أزواجهن.
هناك إجراءات يمكن اتخاذها بسهولة وتؤدي إلى حل الإشكالية. أنا متفائلة أن هذا الأمر سيكون قصة بنهاية سعيدة، لأننا لا يمكن أن نظل نعاني من هذه المأساة الإنسانية. يمكننا إيجاد حلول لها.
أخبار الأمم المتحدة: يتحدث المدافعون عن حقوق المرأة عن التأثير السلبي للنظام الذكوري في بعض المجتمعات. ماذا تقصدون بذلك؟
ريم السالم: خلاصة النظام الذكوري هو الاعتقاد بأن هناك فروقا جذرية بين الرجل والمرأة- أي الاعتقاد أن المرأة أقل من الرجل. محاولة معاملة المرأة عن طريق المؤسسات وعن طريق كل أشكال الحياة على أنها أدنى وأن تظل تحت سيطرة الرجل، وبالتالي منع السيدة من أن تفعل ما تريد أو أن تختار طريقة حياتها أو العمل الذي تريده أو أن تعبر أو تعتنق أفكارا معينة.
نحن قد نكون مختلفين في تكويننا البيولوجي. ولكن قانون حقوق الإنسان ينص بوضوح على أننا متساوون في الحقوق والواجبات. وكون أننا نساء هذا لا يجعلنا أقل شأنا. النظام الذكوري يؤثر على كل أساليب وأسس حياة المرأة ويحد من قدرتها على أن تعيش حياة كريمة خالية من العنف متساوية وتعمل من أجل عائلتها ومجتمعها. وهذا كله يؤثر على ازدهار المجتمع وليس فقط حياة المرأة. أخبار الأمم المتحدة: كيف تعزز بعض التقاليد والأفكار المجتمعية العنف ضد المرأة من خلال تبريره؟
ريم السالم: هناك الكثير من الأمثلة. لا تزال الكثير من المجتمعات تعاني من الجرائم التي تسمى بالشرف مع أنها عمليات قتل، ولكن يحاول المجتمع أن يضفي عليها شرعية حتى وإن لم يكن ذلك بصورة قانونية. وهذا الأمر مبني على أن الفتاة قد قامت بعمل غير إيجابي في نظر الرجل، في نظر العائلة أو المجتمع، وأن القاتل كان له الحق، لأن الفتاة قد أساءت لشرف العائلة.
هناك كذلك موضوع الزواج المبكر للفتاة وأنها لابد أن تكون تحت حماية رجل. نحن نعرف أنه أثناء الأزمات أو الأوضاع الاقتصادية السيئة تزوج الأسر الفتيات مبكرا- ولكن هذا الأمر مبني أيضا على الاعتقاد بأن الفتاة لا يمكنها أن تظل وحدها وأنها بحاجة إلى رجل يكون مسؤولا عنها- ومبني أيضا على أن الفتاة أقل من الرجل لأنها لا تستطيع أن تكون لوحدها وأنها أضعف من الرجل. وأن الهدف الأساسي لكونها امرأة أن تنجب أطفالا وأنه كلما تزوجت مبكرا كان أفضل من ناحية إنجاب الأطفال. وبالتالي فهناك الكثير من الممارسات التي نراها وهي مبنية على هذا النظام الذكوري.
وأيضا إذا كانت هناك امرأة سياسية أو صحفية وتتمتع بحضور يتم الهجوم عليها بناء على أنه لا يحق لها كامرأة أن تتحدث وتجادل وأن تحمل آراء، وبالتالي يكون الهجوم عليها أعنف من نظيرها الرجل الذي قد يحمل الآراء نفسها.
أخبار الأمم المتحدة: أين تقع المنطقة العربية من المناطق الأخرى في مسألة العنف ضد المرأة، وهل تشعرين أن هناك تقدما حقيقيا في العالم العربي على صعيد التصدي للعنف ضد المرأة والتسامح مع هذا العنف؟
ريم السالم: لا أحب أن أُدرج البلدان في سلم لأن الأوضاع تختلف من بلد إلى آخر، ولكن منطقتنا بها الكثير من الأزمات والحروب، ونحن نعلم أن العنف ضد المرأة والفتاة يزيد في أوضاع عدم الاستقرار.
إضافة إلى كل هذا كانت هناك جائحة كوفيد-19 والتي شهدت زيادة في معدلات العنف المنزلي، وتشابك كل ذلك مع الأزمات التي نعاني منها في العالم العربي، أضف إليها التغير المناخي.
وأنا كتبت تقريرا العام الماضي وقدمته للجمعية العامة حول العلاقة بين التغيير المناخي والعنف ضد المرأة والفتاة.
الإشكالية الكبرى التي أراها، هي في التشريعات والقوانين الوطنية فهي لا تتماشى مع المسؤوليات والالتزامات الدولية للحكومات، وهذا الأمر لا يزال بحاجة إلى العمل. هناك بعض الدول التي حققت تقدما فيما يتعلق بالقضاء على العنف، على غرار إعطاء الفرصة للنساء المُعنّفات كي يتمكنّ من الحصول على الخدمات اللازمة أو الإبلاغ بشكل أكثر أمانا.
حدث تقدم فيما يتعلق بالتصدي للتحرش في الشوارع وأماكن العمل. حدث تطور في الكثير من البلدان العربية فيما يختص بالتمكين الاقتصادي. نحن نعرف أن التمكين الاقتصادي مهم بالنسبة للمرأة وهو وسيلة لحمايتها من العنف، لأنه يوفر لها الاستقلالية الاقتصادية التي تمكنها من تجنب أوضاع العنف.
لكن الإطار القانوني لا يزال سيئا في الكثير من البلدان. لا تزال لدينا إشكالية فيما يتعلق بالاعتراف بالعنف داخل الأسرة والتعامل معه وكذلك توفير الخدمات اللازمة وتدريب القضاة على التعامل مع هذا الموضوع، وكذلك لا تزال هناك إشكالية فيما يتعلق بحساسية قوات الأمن والشرطة فيما يتصل بالتعامل مع هذا الأمر.
كما تعلم أن العنف ضد المرأة يرتكب كأداة من أدوات الحروب. وهذا للأسف موجود أيضا في منطقتنا. نرى في السودان- للأسف- كيف زاد العنف ضد المرأة السودانية، حيث يستخدم العنف والاغتصاب باعتبارهما أداتي حرب. وقد حدث هذا الأمر في دول أخرى أيضا. أخبار الأمم المتحدة: لنتحدث عن دورك أنت بصفتك المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات. ما هو دورك بشكل رئيسي- هل تتواصلين مع الحكومات أم المجتمع المدني. هل تقدمين التقارير والتوصيات؟
ريم السالم: أولا، لابد من التوضيح أنني لست موظفة في الأمم المتحدة. أنا خبيرة مستقلة، ولا أتلقى أي مرتب من الأمم المتحدة. تم تعييني بواسطة مجلس حقوق الإنسان كخبيرة مستقلة في موضوع العنف ضد المرأة.
تتركز مسؤوليتي في العمل مع جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية، منظمات المجتمع المدني، المنظمات الدولية بهدف تحسين الأسس والأساليب لمنع العنف ضد المرأة وتحسين الاستجابة للمعنفات واحتياجاتهن.
أنا أغطي العالم كله. ولكن سعة مكتبي صغيرة وليس به سوى موظفين اثنين يساعدانني، وهذا يؤثر على ما يمكنني فعله، وبالتالي فأنا بحاجة إلى تحديد أولوياتي.
أنا أتدخل لصالح الضحايا في الكثير من البلدان. مثلا إذا خاطبتني منظمات غير حكومية، أو الضحية بشكل مباشر، أو المسؤولين عن الضحية- المحامي مثلا- فأنا أقوم بمخاطبة الحكومة المسؤولة وأطلب تفسيرا أو توضيحات: هل هذا هو ما حدث؟ ما رأي الحكومة بخصوص ما حدث؟ وما الخطوات التي تتخذها للحد من العنف بهدف الاستجابة لاحتياجات الضحية؟
هذا يأخذ حيزا كبيرا من عملي. وطبعا بناء على الحالة وحِدّتها، يمكنني أيضا الإدلاء بتصريحات صحفية بخصوص الحالة- والتي قد تخص امرأة واحدة أو مجموعة من النساء. وأيضا نقدم وجهة نظرنا في الإصلاحات القانونية التي تجريها البلدان، مثلا إذا أصدر بلد ما قانونا يؤثر على وضع النساء أو يحد من حريتهن، نقوم أيضا بمخاطبة الحكومة. ونخبرها عن الإشكالية في القانون المعين من منطلق حقوق الإنسان. وفي مرات أخرى نشيد بالإصلاحات التي تتخذها الحكومات. نحاول أن نضع خبرتنا في خدمة الدول إن هي أرادت ذلك. كذلك نجري زيارات إلى البلدان التي تطلب منا زيارتها. هذه الزيارات الرسمية نقابل فيها ليست فقط الجهات الحكومية، ولكن أيضا نقابل النساء والأطفال والرجال والقادة المحليين والدينيين.
نكتب تقريرا شاملا عن وضع المرأة في البلد المعني، ونصدر توصيات حول كيفية تحسين آليات التعامل مع الموضوع. وأقدم هذا التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان. حتى الآن قمت بزيارة منغوليا، تركيا، ليبيا، بولندا. نصدر تقارير وتكون منشورة ومتاحة للعامة.
أخبار الأمم المتحدة: نحتفل هذه السنة بالذكرى السنوية الـ 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حقوق الإنسان ليست رفاهية، بل هي الحل للتحديات التي نواجهها، مثلما يقول الأمين العام للأمم المتحدة. لماذا حقوق الإنسان ليست رفاهية؟
ريم السالم: حقوق الإنسان هي حق يتمتع به كل إنسان لكونه إنسانا. ولا أحد يستطيع أن يأخذ ذلك منه. وهي أساسية ليس فقط لازدهارك كشخص، ولكن أيضا لازدهار المجتمع والعالم وتنميته.
هناك حقوق أساسية لا التباس بشأنها وهي جوهرية ويجب أن يتمتع بها الجميع- منها المساواة بين المرأة والرجل وأن تتمتع المرأة بجميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل.
هناك أيضا إدراك في منظومة حقوق الإنسان العالمية أن الدول قد تكون مختلفة ولها تحديات وأولويات وخصوصيات مختلفة وأنه يجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. لا يمكن أن تستجلب منظومة حقوقية وتطبقها على كل دولة لان الحقائق على الأرض ستؤثر.
فكيف يمكننا أن نعمل على أن تتماشى هذه الأمور مع بعضها البعض- فكرة أن حقوق الإنسان تنطبق على الجميع، وهي واحدة، ولكن أيضا الأخذ في الاعتبار الوضع على الأرض.