حداثة و ديمقراطية

الحداثة السياسية في فكر محمد أركون

شَهِد ميدان الدراسات الإسلامية منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين انعطافاً جديداً في مقاربة التراث العربي الإسلامي، حيث لم يعد من الممكن الاهتمام بجزء من هذا التراث وإهمال الباقي، من قبيل الانكباب على دراسة التيار الاعتزالي أو التيار الأشعري كما كان سائداً، بل تم الانتقال بدءاً من محمد أركون وبعده محمد عابد الجابري إلى دراسة التراث العربي الإسلامي في كليته، من خلال الانفتاح على المناهج والمعارف الحديثة والمعاصرة، واستثمارها استثماراً خلاقاً في إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي، بهدف تحديث المجتمع العربي الإسلامي، ونشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان فيه.

من هنا، وقع اهتمامنا على المشروع الفكري لمحمد أركون المعنون “بالإسلاميات التطبيقية” بما هي تجاوز منهجي للإسلاميات الكلاسيكية، وانفتاح على أفق أكثر حداثة وديمقراطية. وتضع كتابات محمد أركون عدة رهانات لمشروع الإسلاميات التطبيقية ومهامها بشكل عام ونظري، في كتابه العمدة تاريخية الفكر العربي الإسلامي، باعتبارها ميدانا معرفياً حديث العهد، توسل فيه محمد أركون عُدة منهجية حديثة ومعاصرة مُوزعة بين عدة مناهًج (التأويليات، اللسانيات، السميائيات، الحفريات الأركيولوجية…) بهدف تجاوز محدودية الخطاب الاستشراقي الكلاسيكي، لعدم قدرته على سبر أغوار الثقافة العربية الإسلامية، وفقره المنهجي الحاد، وعجزه عن مسايرة روح الانقلابات المعرفية والمنهجية التي هزت كيان العلوم الإنسانية والاجتماعية.

لما كان المشروع الفكري لمحمد أركون قد أحدث ثورة منهجية في جغرافيا الدراسات التراثية، فإننا اخترنا الوقوف في هذا العمل عند معالم الحداثة في المشروع الفكري لمحمد أركون، من خلال الانطلاق من موقفه من التراث العربي الإسلامي، ثم تصوره للعلمانية في البلدان العربية، انتهاء برؤيته لوضعية حقوق الإنسان في الوطن العربي. على هذا الأساس، يمكن بلورة الإشكالية التي انصرفنا إلى الإجابة عنها على النحو التالي:

إذا صح القول إن خطاب الإسلاميات الكلاسيكية خطاب مأزوم لتخلفه المنهجي والمعرفي، وأن الإسلاميات التطبيقية انبثقت بالأساس لِتجاوز حالة العجز والانسداد المعرفي لسابقتها، فما هي معالم هذا الإصلاح؟ ما هي السُبل الكفيلة بتحديث المجتمع العربي الإسلامي؟ وما العلاقة بين التراث والحداثة؟ إذا افترضنا أن تحديث التراث يحرر الدين من مختلف التوظيفات الإيديولوجية له مما يضعنا أمام العلمانية بما هي فصل للدين عن مختلف شؤون الحياة اليومية؟ فما المقصود بالعلمانية؟ وما موقف أركون منها؟ وما الجديد الذي قدمه لمفهوم العلمانية؟ وما العلاقة بين العلمانية وحقوق الإنسان والديمقراطية؟ وكيف ينظر محمد أركون إلى واقع حقوق الإنسان في البلدان العربية؟

تأتي لحظة نقد العقل الإسلامي كتجسيد لمجمل الرهانات والأهداف التي اختطها محمد أركون لمشروعه المعنون بالإسلاميات التطبيقية؛ فهي إذن، خطوة عملية لتزيل الُعدّة المنهجية والمعرفية التي سعت الإسلاميات التطبيقية إلى إرسائها في جغرافيا الدراسات العربية بهدف تجاوز الفقر المنهجي والمعرفي الحاد الذي طبع خطاب الإسلاميات الكلاسيكية.

يتوسل محمد أركون في سعيه لنقد العقل الإسلامي بِعُدّة منهجية مُوزعة بين عدة مناهج من ألسنية، وتاريخية، أنثروبولوجية … في حسبان أركون «تقدم العلوم الاجتماعية وسيلة فعالة للكشف عن مختلف التوظيفات الإيديولوجية للدين، بهدف إرساء عقل نقدي حقيقي في العالم الإسلامي. تمكننا، إذن، هذه المقاربة من إماطة اللثام عن مجمل التلاعبات السياسية بالظاهر ومن تم الحد من تداعياتها».

وهذا ليس بالشيء الغريب عنه، فكتابات الرجل ظلت دائماً أقرب ما تكون إلى متحفٍ من المناهج والإشكالات. لكن الذي يعنينا، في المقام الأول، من مجمل المناهج الأركونية التي أعاد توظيفها هو الوقوف عند الكيفية التي انصرف فيها إلى اعتماد المنهج البنيوي لتحديد الإطار العام أو لنقل البنية الحاكمة للعقل الإسلامي، من خلال إعادة توظيف مفهوم “الإبيستيمي” تماماً كما وظفه ميشيل فوكوMICHEL FOUCAULT(1926_1984) في كتابه “الكلمات والأشياء”.

هذا النقد لا يستقيم إلا من خلال واجهتين؛ من جهة أولى نقد الخطاب الاستشراقي الكلاسيكي، وفتح أفقه على ضرورة دراسة الإسلام خارج المقارعات اللاهوتية، ومن جهة ثانية، تسعى إلى نقد الخطاب الديني السائد، وربط مستقبل الإسلام بالحاجة إلى إصلاح ديني.

إذ نقول هذا الكلام، فنحن نعلم جيّداً أن محمد أركون لا يصرح إطلاقاً في كتاباته أو حواراته بتوظيفه للمنهج البنيوي، عكس محمد عابد الجابري الذي خصص صفحات مطولة للأصول المعرفية للمفهوم أو المنهج الذي وظفه. والأكثر من هذا وذاك، نجد لدى الرجل موقفاً نقدياً واضحاً من فلاسفة ما بعد الحداثة؛ فهو من جهة مع الإبقاء على فتوحات العقل الحداثي، التي لا ينبغي إنكارها أو التراجع عنها بأي حال من الأحوال. لكن من جهة أخرى، كانت معركته دائماً مع العقل الوضعي أو العِلمانية في شقها الراديكالي، داعياً إلى عقل منبثق؛ لأن أقصى ما قام به هذا العقل الوضعي هو محاولة بتر أو اجتثاث البعد الديني من الحياة اليومية، والحال أنه علينا الإبقاء على هذا البعد الديني، يقول في هذا المضمار: «… فإن مفكري أوروبا إذ يستمرون في العمل والتفكير داخل إطار الفكر المُعَلمن كلّياً، ويستبعدون، بشكل قطعي، كل ما يخص البعد الديني من إنتاج المجتمعات البشرية، فإنهم يجترحون عقلاً تعسفياً، لا منطقاً ولا عقلانياً». هذا البتر للعامل الديني من الحياة اليومية كرسه في حسبانه فلاسفة ما بعد الحداثة، تماماً مثلما كرسوا نظرة مركزية عندما ظل أفقهم المعرفي حبيس النطاق العام الذي يسمح به التراث الأوروبي؛ «وذلك لأن الفلاسفة الأكثر جرأة وتقدماً في نقدهم للعقلانية المركزية الأوروبية كفوكو ودريدا وغيرهما يبقون منغلقين داخل جدران التراث الفكري الأوروبي، وإنهم لا يخرجون أبداً من سياج هذا التراث».

أولا ملاحظة لابد من ذكرها في هذا المقام، هي أن نقد أركون للحداثة لا يعني أبداً التخلي عن منجزاتها أو الاستهانة بما قدمته، ولا العدول عن مسارها، فموقفه من الحداثة لا يجعله على الطرف النقيض منها، كما هو شأن جانب كبير من الخطاب الإسلاموي الذي لا يرى في الحداثة إلا تعبيراً عن حضارة مادية أفلست قيمياً وأخلاقياً، وهي آيلة للأفول، فأركون وهو ينتقد الحداثة يحاول توسيع آفاقها وكشف نقائصها وانحرافاتها لتجاوز إفرازاتها السلبية؛ وذلك بالإشارة إلى موطن الداء فيها الذي يتجلى في انحرافات عقل الأنوار عن مساره وعن القيم التي تأسس للدفاع عنها كالديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والعلمانية….

فأركون ينتقد الحداثة عندما تتحول إلى إيديولوجيا وتفرِض نفسها كنمط مثالي وحيد للتفكير والممارسة، فلا يعقل أن نطالب جميع الثقافات أن تتبع المسار الذي شقته فرنسا وأوروبا منذ قرنين، إذا اقتصرنا على هذا الخطاب، فإننا نفرض على جميع الثقافات أن تنغلق في النموذج الغربي الوحيد للتطور التاريخي وللإنجاز الفكري، فكأننا بذلك نعيد الخطاب الاستعماري الذي كان يشرعن السيطرة على باقي الشعوب والثقافات من خلال تصدير الحضارة الأوروبية …

استوحى أركون نقده للحداثة من أعمال ميشال فوكو التي قارب فيها التمفصلات الكائنة بين المعرفة والسلطة، فقد استنكر فوكو الحكم الإيجابي الذي يطلق على فلسفة الأنوار، باعتبارها أرست قواعد التطور الإيجابي الذي يطلق على فلسفة عصر الأنوار، وأرست قواعد التطور بتحرير الفرد والمجتمع، بل يعتبرها السبب في ابتكار آليات مخصصة لفرض السلطة والإيديولوجيا.

ومما لا مِرية فيه أن نقد أركون للمغالاة في تقديس قيم الحداثة ينطوي ضمنياً على نقد للعَلمَانِية، فرغم موقفه النقدي الحاد من الدين، إلا أنه رفض النسخة الحالية للعلمنة بما هي اجتثاث لكل مظاهر الدين من الحياة الاجتماعية يقول في هذا المضمار: «وقد ورد في المعجم النقدي لعلم الاجتماع بصدد العَلمَنة أنه عندما نتحدث عن العَلمَنة كمعيار للحداثة، لا نريد القول إن كل إيمان دغمائي وبخاصة الديني اختفى من مجتمعاتنا(..)، ما نعنيه بالعلمنة ليس إذن وجود أو غياب أي إيمان، إنها الفصل القائم بين الكنيسة (وكذلك الدولة)، ومن جهة أخرى مؤسسات البحث والتعليم».

من حسنات القراءة الأركونية للإرث الأنواري الوقوف عند محدوديته وضيقه «فعقل التنوير قد ولد عصرا جديدا من التقدم والانطلاق (…)، لكن عقل التنوير راح بدوره يتجمد في مرحلة لاحقة، وهذه عادة كل شيء ينتصر ويترسخ، لقد استنفذ هذا العقل التحريري طاقته الأخلاقية والروحية بسرعة وتحول إلى عقل توسعي راغب في السلطة والهيمنة على الآخرين، وبالتالي فإن التنوير بحاجة إلى مراجعة من جديد على ضوء ما حدث طيلة القرنين الماضيين، إن عقل التنوير بحاجة إلى تجديد وتوسيع”.

سيكون من نافلة القول التذكير، إن نقد أركون للحداثة والعلمانية لا ينفي تبني الرجل لها « فأركون يعترف بأنه علماني ويؤمن بمزايا هذه المقولة، إلا أنه ينتقد بشدة مآل التجربة العلمانية في الغرب، وخاصة في فرنسا أين تحولت العلمانية من أداة للتحرر وحماية الاختلاف إلى أداة ضد الدين، بل أصبحت تمارس نفس الدور الذي كانت تمارسه الأديان…». يقول في هذا السياق: «إن العلمنة بالنسبة لي هي موقف للروح وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل إلى الحقيقة ».

يرفض أركون ذلك النوع من العلمانية التي يدعوها بالعلمانية النضالية أو الإيديولوجية التي تشكلت في الغرب أثناء القرن 19م، والتي طبقها “كمال أتاتورك” في تركيا بعد زوال الخلافة الإسلامية، يقول عن هذه التجربة: «رغم كون التجربة قد ذهبت بعيدا في جرأتها، لكنها في الواقع لم تكن إلا “كاريكاتورا للعلمنة». ويبرر أركون نقده لهذا النمط في العلمنة بكونها أصبحت عقيدة إيديولوجية تضبط الأمور، وتحد من حرية التفكير؛ وذلك لكونها فرضت الإصلاح بشكل قصري وإكراهي على الجميع، فهي _تجربة أتاتورك _ علمنة نضالية حامية وغير متسامحة، كما أنها فقيرة ومدقعة من الناحية الثقافية.

من حسنات القراءة الأركونية وعيها الشديد بحاجة الوطن العربي، للتنظير للعلمنة لهذا، فهي تشغل تفكير جميع المسؤولين في شتى قطاعات المجتمع، وعندما يبحث هؤلاء المسؤولون عن إطار فكري يتيح إعطاء الحلول للمشاكل المطروحة يوميا، فإنهم يلاحظون غياب هذا الإطار تماماً، وبناء نظرية للعلمنة في المجتمعات الإسلامية من شأنه إزالة الغموض الذي يكتنف العلاقات بين مختلف المجالات السياسية والعلمية والدينية في هذه الأخيرة. وهنا لا يفوتنا التذكير على الدور الكبير للعلمنة في تحرير الدين من كل احتكار له من قبل السلطة يقول أركون في هذا المضمار: « سحب البساط من تحت أقدام الحركات الأصولية، والتمييز بين المستوى الروحي المتعالي للدين، وبين المستوى الإيديولوجي السائد حالياً أي يحول الدين إلى نظام إيديولوجي هدفه الوصول إلى السلطة أو تحقيق المزيد من السلطة».

ومن ثم فهو يدعو إلى علمنة منفتحة على كل الأبعاد الوجودية للإنسان بما فيها البعد الديني؛ لأن الدين معطى من المعطيات الملموسة في التجربة الإنسانية، وهو موجود في جميع المجتمعات وعلى مر العصور، ومن ثم فهو يؤثر على طريقة إدراكنا للأشياء، وهذا طبعا بدرجات متفاوتة بين الأفراد والمجتمعات وفقا لدرجة التدين ومكانة الدين في هذا المجتمع أو ذلك.التأكيد على إهمال العلمانية للبعد الروحي والنفسي للإنسان، ومن تم فنحن نحتاج إلى علمانية ذات طابع معرفي، تهدف إلى تحرير ملكة المعرفة والبحث العلمي من كل السلطات والعوائق، دينية كانت أو سياسية بهدف تحديث المجتمع.

من هذا المنطلق ينتقد أركون «الحداثة على إهمالها للبعد الروحي والديني للإنسان ومعاداتها له من خلال تحول العلمانية _وهي إحدى ركائز الحداثة_ إلى تطرف ضد الدين وسعي لإلغائه وتغييبه عن الساحة الاجتماعية والفكرية، بإعلان العديد من الفلاسفة منذ قرنين نهاية الأديان أو موت الإله».

إذا كانت الحداثة مشروطة بالعلمنة، فإن العلمنة مشروطة هي الأخرى باحترام حقوق الإنسان؛ لأن العلمنة في النهاية هي إطار من شأنه أن يوفر حرية البحث والفهم، وينبغي حماية وضمان هذه الحرية في مختلف أشكالها.

مثلما توقف أركون مع مفهوم العلمانية وقفة نقدية، فهو يتوقف نقديا بنفس الدرجة مع مرتكز آخر من مرتكزات الحداثة ويتعلق الأمر بمفهوم حقوق الإنسان ومآلات استخدامه، موضحا مزالق وانحرافات هذا التوظيف، ثم علاقة ذلك بالسلطة وبإرادة الهيمنة ….

فكيف ينظر أركون إلى واقع حقوق الإنسان ولمدى احترامها؟ وقبل ذلك لا بد من التوقف عند المقصود بحقوق الإنسان، وواقع حقوق الإنسان في المجتمع الإسلامي بصفة خاصة؟

من الناحية التاريخية، كان التنظير لحقوق الإنسان والدعوة لاحترامها نتيجة مباشرة لأفكار فلاسفة التنوير؛ فقد “اختتم القرنين 17 و18 بنص: إعلان حقوق الإنسان والمواطن المقترع عليه بواسطة الجمعية العامة الفرنسية في 26 أغسطس 1789م”، وجاء هذا الإعلان التاريخي ليمنع اتهام الأشخاص أو القبض عليهم أو محاكمتهم بلا قانون، ويكفل لكل مواطن حق التمتع بالحرية الفكرية والدينية والملكية الخاصة، ثم أصدرته منظمة الأمم المتحدة في صيغة جديدة في عام 1948م، باسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لقد تساءل في محاضرة ألقاها بالعاصمة الهولندية أمستردام ببداية التسعينيات من القرن المنصرم عن بواعث استحضار موضوع حقوق الإنسان في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، مع أن إعلان هذه الحقوق مقهورة من قبل الاستعمار، وبعد استقلال هذه الشعوب، كان لابد من البحث عن آليات استتباعها بالسوق الرأسمالية، ومن ثم فهذا الشعار يرفع لتحقيق مزيد من الهيمنة والسيطرة، حتى أصبح مؤدلجا أكثر من اللزوم، بل ومستهلكا وفاقدا لروحه؛ فالغرب يرفعه كشعار إيديولوجي للضغط على الآخرين أكثر مما يتيقد به عندما يتعامل معهم.

لذلك يدعو أركون إلى إعادة بلورة حقوق الإنسان، بصورة أكثر انفتاحا واتساعا حتى تكون أكثر ملائمة للإنسان أيا كان دون تمييز أو استعباد؛ إذ على الحداثة كمشروع إنساني، أن تصحح إرادة المعرفة الهادفة إلى السيطرة والاستغلال والهيمنة.

فالمتتبع لمسيرة الحداثة الغربية يلاحظ تغلب الجانب التقني الأداتي على الجانب الروحي القيمي، وبالتالي ابتعادها عن إحدى أهم ركائزها ومقوماتها المتمثلة في النزعة الإنسانية أو الأنسنة، وهذا ما شكل أحد أوجه مآزق الحداثة.

لا يتوانى محمد أركون في مقاربته للأصول الإسلامية لحقوق الإنسان التذكير بالإقصاء المُمنهج من طرف الغرب الأمريكي والأوروبي، والتغييب المُتعمد للتراث العربي الإسلامي في ساحة النقاش الغربية، وعدم الانفتاح على العصر الذهبي الإسلامي الزاخر بثقافة الاعتراف واحترام الآخر، رغم الاختلافات الدينية والعرقية، مقابل هذا الإقصاء يُلاحظ أركون الانتشار الواسع في الساحة العربية لخطاب إسلامي إيديولوجي «يؤكد على أن حقوق الإنسان بالمعنى الحديث المتعارف عليه كانت موجودة في الإسلام منذ مئات السنين، وبشكل كامل وناجز». يتضح هذا في الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في اليونسكو سنة 1981 «إن هذا الإعلان قد بُلور من قبل كبار علماء المسلمين وأساتذة القانون وممثلي مختلف حركات وتيارات الفكر الإسلامي». لقد تم التأكيد في مجمل هذا الإعلان على:

*  لقد قدم الإسلام للبشرية قانونا مثاليا لحقوق الإنسان وذلك منذ أربعة قرناً من الزمن.

*  حقوق الإنسان هذه متجذرة ومنغرسة في القناعة الراسخة بأن الله عز وجل وحده مؤلف القانون وأصل كل حقوق الإنسان.

*  نظرا للأصل الإلهي لهذا القانون فلا يمكن لأي زعيم سياسي أو حاكم أو مجلس نيابي أن يلغي أو ينتهك أو يغير حقوق الإنسان التي وهبها الله له.

«إذا كانت الحداثة مشروطة بالعلمنة، فإن العلمنة مشروطة هي الأخرى وشرط تحقيقها هو احترام حقوق الإنسان؛ لأن العلمنة في النهاية هي إطار من شأنه أن يوفر حرية البحث والفهم، وينبغي حماية وضمان هذه الحرية في مختلفة أشكالها».

هذه النظرة التبجيلية والاحتفالية بحقوق الإنسان لا تخفي الروح التنافسية المُحركة للخطاب الإسلامي الإيديولوجي حيث يُنظر إلى الغرب الأوروبي بنوع من المنافسة المحاكاتية، حيث يتم تقليد الغرب ومنجزاته الكامنة بما فيها حقوق الإنسان من أجل إسقاط عليها نوع من الشرعية.

يرفض محمد أركون البحث عن الأصول أو الجذور الإسلامية لمفهوم حقوق الإنسان، فهذا القول يحمل في لبه مفارقة تاريخية؛ لأن حقوق الإنسان مفهوم حديث وُلد من رحم الثورة الفرنسة لهذا يفضل أركون الحديث عن سوابق لحقوق الإنسان في النص القرآني والنصوص التوحيدية بشكل عام، وليس عن أصول إسلامية أو جذور إسلامية يقول في هذا المضمار: «أحب أن أستخدم كلمة بذور أو سوابق في النصوص الكبرى للأديان التوحيدية، أما البلورة الأساسية والتفصيلية لحقوق الإنسان فلم تحصل إلا عامي 1789و1948، حيث صدر الإعلان الكوني لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر ديسمبر من العام المذكور». من هذا المنطلق يؤكد أركون أن النص القرآني يتموضع داخل الديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلامية؛ «إذا ما رجعنا إلى القرآن نفسه، فماذا نجد بخصوص الإنسان وحقوقه؟ نجد ما نجده في النصوص التوراتية والإنجيلية». ومعنى هذا الكلام؛ أن القرآن « يتموضع داخل منظور الوحي المتصور بصفته تاريخا للنجاة وكل مرحلة يمثلها نبي من الأنبياء الذين تلقوا الوحي عبر التاريخ، والذين يبتدئون، بحسب المنظور القرآني، بالنبي إبراهيم، (ما كان إبراهيمُ يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفاً مُسلما وما كان من المشركين. آل عمران، الآية 67).

وكلمة مسلم هنا «لا تعني المسلم بالمعنى المحصور للكلمة وإنما تعني الخضوع لله وتسليم النفس له وتجسيد هذا الخضوع في حياة دينية تكون قدوة ومثالا في النزاهة. وبهذا المعنى، فهي تشمل المؤمنين في كل الأديان التوحيدية وليس مؤمني دين واحد فقط كما زعمت التركيبات العقائدية واللاهوتية (التيولوجية) التي تشكلت في ما بعده». إن معنى كلمة مسلم هنا تتخذ معنى واسعاً وشاملاً، يعبر عن العلاقة الروحية للإنسان مع الله، ومصطلح الخضوع لله نجده في القرآن على هيئة أخرى تتمثل في ترقية الإنسان وتَرفُعه، أي الترقية الروحية للإنسان تماماً كما حصل من قبل في التوراة والإنجيل، ويعبر عن هذه الترقية بمصطلح مهم جدا هو مصطلح الميثاق (Alliance)؛ يحمل هذا المصطلح في القرآن، حسب أركون، معنى التحالف أي الميثاق الذي يربط الخالق والمخلوق، والإنسان بحسب هذا التحالف أو الميثاق، موعود بالحياة الأبدية إذا ما نفذ الشروط بدقة أثناء الحياة الدنيا من خلال الالتزام بكلام الله وتجسيده مواقعياً في سلوكه، لكي يلتحق بالله في نهاية المطاف، حيث النعيم الأبدي وجنة الخلود، « إن مفهوم الميثاق الشديد الأهمية يحتل المكانة نفسها في الوحي التوراتي والإنجيلي».

يؤكد محمد أركون أن الإسلام حمل معه ترقية حقيقية للشخص البشري بالقياس إلى وضعه في الجزيرة العربية قبل الإسلام. لكي نفهم علاقة هذا بمسألة حقوق الإنسان، يتوجب علينا العودة إلى وضع شبه الجزيرة العربية ومن ورائها الشعوب الإسلامية في الحداثة السائدة آنذاك: أي في الديانة التوحيدية وكان الجو المحيط بالجزيرة العربية مليئا بالمواقع اليهودية والمسيحية، وكان العرب ينتظرون ذلك الرجل الذي سوف يدخلهم في الحداثة الروحية والعقلية، والذي يخرجهم من ورطتهم وعزلتهم وتناحرهم المستمر كانوا ينتظرون الرجل الذي يوكل إليهم مهمة كبيرة، ويخلع على وجودهم معنى، ويدخلهم في حركة التاريخ وكان هذا الرجل، محمد بن عبد الله، قد استطاع بواسطة القرآن أن يدخلهم في تاريخ النجاة والخلاص، كما حصل سابقا لليهود والمسيحيين مع أنبيائهم.

وفق أركون هناك سوابق لحقوق الإنسان التي ظهرت سنة 1789م في الوطن العربي، يمكن نعتها بالبذور الأولية القابلة للزرع والسقي والنماء في الإسلام من أجل تحرير الشرط البشري وترقية الإنسان، كانت الأديان التوحيدية الثلاثة حاملة لقيم مشتركة متمثلة في قيم الإخاء والمساواة واحترام كرامة الإنسان …. «وعلى هذا الصعيد لا أرى أي خلاف بين ما يمكن أن يقوله يهودي ـومسيحي أو مسلم». يشير أركون في هذا المقام إلى أن مجمل الخلافات بين الأديان التوحيدية الثلاثة ما هي إلا خلافات مُفتعلة وما على المرء إلا العودة إلى الكتابات المقدسة حتى يلاحظ الالتقاء بينها، مؤكدا وفق هذا أن هذه الخلافات من صنع النصوص التركيبات التيولوجية واللاهوتية، وليس من صنع النصوص الروحية الكبرى، فالذي غذى هذه الخلافات هم رجال الدين في كل طائفة على مر العصور، «فهذه النظرة اللاهوتية التيولوجية التي تبلورت وترسخت في القرون الوسطى شكلت استبعادا لكل طائفة ترى أنها تمثل وحدها حقيقة الوحي كلها»؛ إذ يقول هذا الكلام، فلكي يؤكد أن النصوص المقدسة نفسها كانت وما تزال أكثر اتساعا واحتراما لحقوق وكرامة الإنسان، لكن كتابات المفسرين واللاهوتيين قدمت خطابات وتأويلات مغايرة تماما لما يفيض به النص الديني نفسه، لِتتحول هذه التفسيرات اللاهوتية مع مرور الوقت إلى أرثوذكسيات ضيقة، عملت على محو كل السمات المُوحدة للأديان الثلاثة، وكرست لخلافات وصراعات لاهوتية مفتعلة بين الأديان الثلاثة، في ما يخص احترام كرامة الإنسان ورفع مستواه وترقيته من خلال التقيد بكل القيم الأخلاقية والروحية لكي يستحق الدرجة الرفيعة التي تؤهله لأن يكون خليفة الله في الأرض.

ينتقد أركون بشدة النخبة المسلمة المعاصرة، التي تروج لقراءة شكلانية وقانونية تحاكي فيها إنجازات الغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فيسقطون بذلك على فضاء النص القرآني الكثير من المفاهيم والقيم الحديثة «وهم بذلك يقتربون من لغة إعلان حقوق الإنسان والمواطن العالمي أكثر مما يقتربون من ذلك الجانب الديني للشخص البشري الذي يشكل جوهر الرسالة القرآنية وروحها.

يضيف أركون عاملا أخر ساهم في عرقلة تطور حقوق الإنسان في المجتمعات العربية الإسلامية، متعلقا بالطريقة التي تركبت عليها الأنظمة السياسية والدولة القومية بعد الاستقلال، هذه التركيبة، في نظره، تعرقل عملية الحد الأدنى من حقوق الإنسان واحترامها بالشكل اللازم. «ولهذا السبب تحصل الانفجارات والصراعات العنيفة من حين لآخر، ينبغي أن يفهم الغرب ذلك. فهذه الشبيبة ليست كلها متعصبة ولا متزمتة ولا منغلقة على الحداثة وروح العصر على العكس، إن فيها تيارات مليئة بروح المستقبل وراغبة في صنع شيء جديد مختلف عما هو قائم، ولكنها محبطة».

وإذا لم تنخرط المجتمعات العربية في قطار الحداثة والعلمانية وقيم الديمقراطية؛ فالسبب هو النخب السياسية الحاكمة، وليس الموقف من التراث كما يُروج له. ويقول في هذا السياق: «ينبغي أن نفهم هذه النقطة لكي نفهم حقيقة الصراعات الدائرة حاليا في المجتمعات العربية الإسلامية، فهي ليست راجعة إلى أن الإسلام عنيف بطبعه، أو أن العرب يحبون العنف أكثر من غيرهم، وإنما راجعة إلى ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ضاغطة جدا».انطلاقا من هذا الواقع «إني أرى أن مجمل هذه المعطيات والمشاكل والصعوبات ينبغي أن تدفع كل العرب والمسلمين إلى الإحساس بضرورة التفكير بتأسيس حقوق الإنسان ضمن منظور إسلامي أولاً، ثم ضمن منظور التاريخ المقارن ثانياً».

إن الحديث عن العلمانية وحقوق الإنسان لا يستقيم بدون الحديث عن واقع جديد تفرضه العولمة اليوم على العالم بأسره « فكيف، إذن، نعرف الواقع بشكل مطابق وصحيح؟ أي كيف يمكن أن نتوصل إلى معرفة تحظى بالتوافق الذهني والعقلي للنفوس السائرة (بغض النظر عن اختلافاتها) نحو التوصل إلى الحقيقة؟ هنا تكمن المهمة والمسؤولية المفتوحة أو المنفتحة باستمرار. إنها عمل لا ينتهي ولا يُغلق. وهذا يفترض من الباحث أن يتجاوز كل الخصوصيات الثقافية وحتى الدينية (أي أن يتجاوز حتى الخصوصية الدينية التي وُلد فيها).

ولم تخل دعوة محمد أركون إلى استنبات العلمانية في البلدان العربية من نقد شديد لانحرافاتها في الغرب، متجاوزا بذلك كل قراءة وثوقية دوغمائية؛ ويقول في هذا السياق: «إذن، فمشكلة العلمنة تظل مفتوحة بالنسبة إلى الجميع: أقصد بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى العلمانويين الصراعيين. فبالنسبة إلى المسلمين، نجد أنهم مغتبطون ومزهوون أكثر مما يجب بيقينياتهم الدوغمائية. وبالنسبة إلى العلمانويين المتطرفين، نجد أنهم يخلطون بين العلمنة الصحيحة وبين الصراع ضد الإكليروس، أو طبقة رجال الدين». هكذا تتخذ العلمانية حسب أركون معنى أكثر اتساعا للظاهرة الدينية ودورها في الحياة الجماعية، عندما تتجاوز كل الصراعات والتفسيرات الإيديولوجية في مجمل الأديان والمذاهب. «هذا من جهة، وأما من جهة أخرى، فإننا نلاحظ أن العلمنة الشغالة لدى المسؤولين السياسيين في فرنسا تظل ناقصة. فمثلا عندما يقولون بأنه لا يمكن للمغاربة أن يتثقفوا ويتحضروا أو يندمجوا في المجتمع العلماني. فإنهم يبدون بذلك نوعا من التعصب الذي لا يليق بالثقافة الفرنسية مرئية على ضوء تاريخها».

يرفض أركون المقاربة الفرنسية لوظيفة الدين في المنطقة المغاربية لكونهم «إما أنهم يعتبرون الدين لا شيء في المغرب، وإما أنهم يعتبرونه كل شيء ويحسم كل شيء ويفسر كل شيء! وهذه المقاربة التناقضية للعامل الديني ترجع في الأصل إلى مدرسة دوركهايم. ولا تزال هذه المقاربة أو النظرة مهيمنة في فرنسا حتى اليوم عندما يكررون دون كلل أو ملل بأن المغاربة محكومون في العيش حتى أبد الدهر ضمن جو “الخلط” بين العامل الديني/ والعامل السياسي». إن الإسلام في حد ذاته ليس مغلقا في وجه العَلمَانية، ولكي يتوصل المسلمون إلى أبواب العلمنة عليهم فقط أن يتخلصوا من الإكراهات والقيود النفسية واللغوية والإيديولوجية التي تضغط عليهم وتثقل كاهلهم، جذور لا تعود في نظره إلى رواسبهم التاريخية فقط بل تعود أيضا إلى المحيط الدولي والنظرة الغربية. ويقترح أركون على المسلمين العودة إلى تراثهم وتحديدا تراث القرون الأربعة الهجرية الأولى تحديدا التراث الاعتزالي، يقول في هذا المقام: «لقد وصل الأمر بهؤلاء المفكرين إلى حد طرح مشكلة ما دعوه “بالقرآن المخلوق”. إن مجرد اعترافهم بأن القرآن مخلوق يمثل موقفا فريدا تجاه ظاهرة الوحي، إنه يمثل موقف حداثة في عز القرن الثاني الهجري/ أو الثامن الميلادي».

فتح موقف المعتزلة هذا أفقاً لتوليد عقلانية نقدية في الفضاء العربي الإسلامي مشابهة لتلك العقلانية التي شهدها الغرب الأوروبي بدءا من القرن الثالث هجري لولا معارضة الأرثوذكسية، خصوصا الخليفة القادر، فالقول بأن القرآن مخلوق ليس مجرد كلام في حسبان أركون، وإنما يعني إدخال بعد الثقافة واللغة في طرح المشكلة، وهما من صنع البشر لا من صنع الله؛ أي الاعتراف في النهاية بمسؤولية العقل ومساهمته في بناء الحقيقة الدينية. هكذا، يكون محمد أركون من خلال انطلاقه من مؤلَّف الرسالة لمحمد بن إدريس الشافعي قد حدد أهم مُعيقات التنوير العربي المتمثلة أساسا في العقل الإسلامي اللاتاريخي، لكون الشافعي في حسبانه أول من أصل تأصيلاً متكاملاً للعقل الإسلامي ورسم له الإطار العام الذي يتحرك فيه. أول هذه الخصائص خضوع هذا العقل الإسلامي لمعطى الوحي (Le donné révélé)، حيث ينطلق المسلمون في قراءتهم من النص القرآني، الذي يستدعي التسليم بأن معطياته غير قابلة للتشكيك؛ لأنها معطيات إلهية تتعالى على الزمان والمكان. حتى الآيات المستشهد بها وردت مقطوعة عن سياقها التاريخي، وهذا التغييب المُتعمد من طرف الشافعي هو كناية عن محاولة منه لإلغاء تاريخية الأحداث والوقائع لتصبح بهذا متعالية على كل الأزمنة والأمكنة، الشيء الذي يجعلها قابلة لإعادة الإحياء من جديد في الحياة اليومية. وهذا يكشف عن بنية العقل الإسلامي كعقل لا تاريخي، الشيء الذي ينعكس على قراءة النص القرآني، الذي تتم قراءته كنص واضح ولا يحتاج إلى أي عملية تأويل، فيكفي المرء أن يكون حائزاً على قدر معين من الكفاءة اللغوية حتى يستطيع فهم دلالات ومعاني الآيات القرآنية. بل تجعل منه خطاباً قابلاً للتحيين في أي زمن وأي لحظة تاريخية كانت.

ثانيها «احترام السيادة والهيبة وتقديم الطاعة لها. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه يوجد أئمة مجتهدون لكل مدرسة ولكل مذهب، ومن طائفة إلى طائفة. فأئمة هذا المذهب غير مقبولين عند أتباع المذهب الآخر، والعكس صحيح… وقد تجسدت هذه السيادات المهيبة والمطاعة في شخصيات ورؤساء المذاهب أو مؤسسيها من أمثال ابن حنبل والشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، وجعفر الصادق…».

هكذا إذن، يخلص أركون إلى كون العلاقة بين العلمانية وحقوق الإنسان هي علاقة ترابط وعلاقة اعتماد متبادل؛ فلا يمكننا الحديث عن مجتمع علماني في غياب تام للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، خصوصا فيما يتعلق بضمان حرية التعبير والتفكير واحترام كرامة الإنسان.

الذي لا شك فيه أن مشروع أركون المتعدد المستويات «ليس مشروعاً ناجزاً، بقدر ما هو مشروع في حالة إنجاز يومي…من هنا تأتي صعوبة الحكم على المشروع حكماً نقدياً نهائياً؛ لأن ما يقدمه أركون هو الهيكل العام والخطوط الرئيسة. وهناك دعوة مفتوحة للباحثين والدارسين إلى المشاركة في المشروع وإغنائه وإخصابه بالإضافة أو الحذف، أي بالنقد الحر الخلاق».

في الختام، لا يسعنا إلا التأكيد على أهمية المشروع الحداثي لمحمد أركون في جغرافيا الدراسات العربية، نظراً لمقاربته النقدية لمجمل القضايا التي تناولها، بالإضافة إلى قدرته المبدعة على الانفتاح على أحدث ما جادت به الساحة المعرفية من مناهج ومعارف واستثمارها استثمارا خلاقا من أجل إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي في كُليته، بهدف الخروج بشكل نهائي من السياج الدوغمائي المضرب حول العقل الإسلامي، الذي يدفع المؤمن إلى ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة الشيء الذي يقوده ضمنياً إلى الاستعداد إلى استخدام العنف من أجل الدفاع عن هذه الحقيقة.

لنجاة رحمان.

مؤسسة مؤمنون بلاحدود ـ موقع حزب الحداثة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate