انعكاس صورة المرأة بين الحياة و الأدب الأصولية والتغريب
إذا بحثنا في ما يُكتب عن النساء، نجد – في الغالب – تفاوتاً لافتاً، وأحياناً نجد اختلافاً صاعقاً، بين الكتابة التي تسعى إلى القيمة الأدبية، والكتابة التي تتوخى التنظير من أجل رسم نظم أو قيم يود الكاتب، بشكل مباشر أو غير مباشر، أن يطبع بها دور النساء في المجتمع. فلو نظرنا – مثلاً – إلى العصر اليونانى القديم، لوجدنا أن صورة المرأة في الأدب، تعكس غنى إنسانياً وفعالية خلاقة، كما في شخصيات انتيجون وجوكاستا وكليتمنسترا وإلكترا، ووجدنا الصورة “النظرية” التي تحاول رسم “طبيعة” المرأة، أو التي توجه إليها “النصح“، تعكس صورة مختلفة تماماً، كما في فلسفة أرسطو، التي تجعل التلقى صفة ملتصقة بطبيعة الكيان الأنثوي (انظر: Aristotle، Generation of Animals، Book 1، Chapter 21 ) وكما في قول بركليس، في خطبة الجنازة، واعظاً نساء أثينا: “إن أعظم مجد للمرأة هو أن يقل ذكر الرجال لها، سواء كان الذكر هذا، في معرض مدح أو نقد.
ولو نظرنا إلى ما يوازى هذين الوجهين للكلام عن المرأة في العصر الحديث، لوجدنا تفاوتاً مماثلاً بين شخصيات النساء في الأدب والسير المكتوبة، ووصف فرويد لطبيعة الأنوثة بأنها فاقدة الرغبة، خرساؤها؛ لقلة فعالية متأصلة في طبيعتها. ونجد اقتران النظرية بالتوصية الاجتماعية التربوية، متجلية في ربط التحليل النفسي، بين سلطوية الأم أو عدم احترامها “لاسم الأب“، وانحراف الأبناء جنسياً، أو اختلال عقولهم (أنظر مثلاً: Y. O. Alanen 1958 and Wilfried Ver Eecke 1988) وهى توصية يتشابه مضمونها، مع مضمون توصية بركليس، لكنها تفوقها في قدرتها على التأثير لوصفها محاذير رهيبة تترتب على عدم الأخذ بها.
ولعل أصحاب هذه النظريات، يرون في سير كل من جورج صائد وإنديرا غاندي، وخديجة وعائشة، زوجتي النبي محمد، والأم تيريزا أو أية امرأة اتخذت في حياتها، مبادرات مستقلة، سيراً لنساء أخفق المجتمع في ترويضهن، أو خرقن النسق الطبيعي. والمجتمع – كما الأدب – يحفل بمثيلات هؤلاء على الرغم من دأب النسق الاجتماعي على إحباط تعبير عن حيويتهن، أو عما يدور في أنفسهن. والعمل على الإحباط هذا، يأخذ وجهات متعددة منها، الاستخفاف، ومنها الزجر أو الردع، ومنها التجاهل، وهو ما يقوم به – كتابةً – كثير من المنظرين والمؤرخين. ولعل المنظرين القائلين بانفعالية النساء، وقصورهن عن الفعالية، يعتبرون ما أنتجه الأدب من شخصيات نسائية، مخالفًا لحقيقة المرأة وطبيعتها، ناقضين بذلك الاعتقاد السائد، بأن العلاقة حميمة بين الأدب والحياة، وبأن أفضل الأدب، هو أشمله وأعمقه؛ من حيث إنسانية ما يصوره.
إلا أن المنهجية المعاصرة للبحث، في العلوم الإنسانية، جعلت عمل من يضع نظريات، لا تنسجم مع الواقع المعيش، أكثر صعوبة، مما كانت عليه في السابق. ذلك أنه في الأزمنة السابقة، كان بوسع المنظرين أن يكتفوا بحجج، يكفي أن تكون منسجمة في منطقها الداخلي، أو أن تكون مقنعة – إلى حد ما – أو مدعومة بشيء من البرهان الحسي. أما الأنماط الحديثة للعلوم الإنسانية، ومن ضمنها العلوم المتعلقة بالقانون، فتتجه نحو استنباط النظريات من الدراسات الحقلية، أو من الأمثلة الواقعية، ونحو رفض ما يكون غير منسجم، مع ما تظهره الوقائع المرصودة. ومع هذا ما فتئ كثير من المنظرين في عالمنا العربي، ممن تناولوا موضوع ما هو “أصلح للنساء“، وأكثر انسجاماً مع “طبيعتهن” يذهبون – بعيداً – في وضع نظريات قليلة الصلة بحيوات النساء، أو بالأصول التاريخية التي يدعون استلهامها. بل إن بعض هؤلاء، لا يتوانى عن تزوير تاريخ النساء، وتشويه الذاكرة الحاملة صورهن، أو لا يرى غضاضة، في القفز فوق ما يظهره الواقع، وفي تجاهل ما هو قائم على الأرض؛ من أجل نظريات تجيز له، ما هو غير جائز، وتعطيه وتعطى من ينتمى إليهم، في النوع البيولوجي، أو في النهج السياسي، أكثر مما يحق له، فيما لو اتخذ الصدق في النقل، غاية، أو لتمحيص الواقع المعيش أسلوباً. ومن بين هؤلاء، بعض الأصوليين الإسلاميين المغالطين لما يقوله التاريخ، عن أوائل المسلمات. ومن بينهم – أيضًا – بعض الباحثين في النسق الاجتماعي، المتسرعين في استلهام الحداثة الغربية، والنسج على منوالها.
وفي هذا المقال، الذي سأركز فيه على موضوع الزواج والطلاق، سأظهر – أولاً – التنافر، بين ما يعتبره بعض المنظرين التقليديين مدعى الأصولية، حال المسلمات الأوائل وما تصفه السير المكتوبة عن حيواتهن. وسأناقش – ثانياً – ما يراه بعض علماء الاجتماع، مسلماً به من حسنات محاكاة الأساليب الأسرية، التي ظهرت مع الحداثة (modernity) في الغرب.
وسأختم بتحليل أسباب تجاهل هذه النظريات للنصوص التاريخية، أو للواقع العربي الراهن، عل عملى هذا يسهم في لجم بعض المزورين والمستسهلين، من واضعي النظريات، حول ما هو الأصلح للنساء، أو الأسلم لأخلاقهن، أو الأكثر عدالة وإنسانية، من أجل تسوية أوضاعهن.
لنجلاء حمادة
المكتبة النسوية ـ موقع حزب الحداثة