الصحوة السياسية لعالم يتشكل من جديد
الذي حصل في الشرق الأوسط عموما والعالم العربي خصوصا منذ عقدين من الزمن، هو مرورها بمرحلة السطو الالكتروني، او ما أطلق عليه بالصحوة السياسية. ظاهره الصحوة في العالم العربي حديثا، ليست الا نتائج تراكمية لعالم متفاعل، تترابط عبر الاتصالات الحديثة المتنوعة بين شباب المجتمعات المتطورة وشباب المجتمعات الاقل تقدما، المؤلفة من طلاب جامعات قلقين سياسيا، يسهل تعبئتهم ومن العاطلين على العمل المحرومين اجتماعيا، الطرفان ساخطان على الفئات الاغنى من البشر، كما يشتركان في السخط على فساد حكامها. وذلك السخط على السلطة والتمييز، يطلق عواطف شعبيه ذات قدره غير مسبوقة على انتاج فوضى واسعه النطاق.
قبل هذين العقدين من الزمن، كان الناس اقل دراية بما يجري حولهم، وكان جل اهتمامهم هو في توفير ما يبقيهم أحياء في ظروف مثقلة بالحرمان المادي والجسدي.. كان الوعي السياسي العام غير مكترث بتفاصيل الأمور الحالية، بل كان مؤطر بالثوابت القومية والدينية والاجتماعية وشرعيتها المتوارثة، موفراً شيئا من الاستقرار الثقافي والنفسي وتحررا من كوارث الاقدار. كانت السلطة السياسية بعيدة عن السخط الجماهيري طالما دعمت ذلك الاستقرار، واكتسبت لنفسها شرعنه بحق توارث الحكم بوصفها مشيئة السماء.. ولم تخلو تلك الحقبة من صراع على السلطة، كما هي في سابقاتها، لكنها كانت محصورة في القمة بين الشخصيات السياسية المتواجدة في دائرة ضيقة من المشاركين في الحكم. مع تطور المجتمعات، ظهرت الطبقة الطلابية والعمالية كساسة سريين، متذمرين من دسائس القصور والحيف والظلم الواقع على الشعب بسبب عدم شفافية الحكام وتبعيتهم لقوى خارجية وإقليمية. ومع التطور الاكثر وتزايد عدد من يعرفون القراءة والكتابة، توسعت دائرة الانخراط في السياسة لتشمل الاقطاعيين والارستقراطيين وباقي الشرائح الغنية والموظفين في المجتمع، فأصبح من يتحدث في السياسة يعتبر من باب الثقافة العالية، دون التركيز على أمور التخطيط والسياسة الاوسع. الا ان الكتلة السكانية الكبرى ظلت بعيده وغير ذات علاقة سياسيا، الا في الانتفاضات الدورية للغضب العنيف في الشارع إزاء الاحداث العالمية والإقليمية، خصوصا تلك التي تحرك النوازع العاطفية الاجتماعية والدينية والعرقية…. وتتجلى الصحوة السياسية الإقليمية في التظاهرات التي كانت تحركها الجماهير بشعارات مبتكرة يبطنها عصيان سلفي. ثم جاءت الثورات في مجتمعات غير متكافئة سياسيا، منهم اصوليين ينادون على ادامة ملكية تقليدية، ومنهم الطبقة العاملة التي انخرطت لتحقيق مكاسب بسبب حرمانها، بشعارات آسرة كالحرية والعدالة والوحدة، ومنهم برجوازية متعلمة سياسيا ولكن قلقة، تتحدى طموحات الكتل الفلاحية…
أدى ظهور الانترنت الي ربط كتل سكانية (معزولة من قبل) بالعالم الواسع، وضاعف من قدره الحركيين السياسيين على التواصل واستنفار ولاء الملايين السياسيه وعواطفهم. نجحت التواصل الاثيري في السنوات الأخيرة في تحويل الاضطراب السياسي الى عمليه تعلم شامله للعالم، تقتبس التكتيكات والشعارات من الاخرين، مثل (ارحل) و(الكرامة قبل رغيف الخبز) و (كافي فساد) وشعارات الحرية والديموقراطية.. فالشعارات انتقلت بسرعه بين دول الربيع، من تونس الى العراق، ومن بوليفيا الى النيبال، بفضل وسائل الاتصال الجديدة هذه صار التحريض السياسي الجماهيري الان منطويا على القفز الجغرافي السريع للخبرات المشتركة. يبقى الجيل الاكثر شبابا اليوم استثنائي الاستجابة للصحوة السياسية، لان شبكه الانترنت والهواتف تحرر هؤلاء الشباب من واقعهم السياسي المحلي المحصور غالبا. وهؤلاء هم الكتلة الحركية وهم يشبهون البروليتارية حسب تعبير ماركس. يتعطش الشباب في شرعنته الى إنزال العقاب او الانتقام من السلطة.
من نتائج الصحوة السياسية في البلدان موضوعة البحث، الهيمنة الغربية الريادية على هذه البلدان بدون حملات عسكرية مكلفة للغاية، من خلال استخدام تكنولوجيا متفوقة للتجسس والتوجيه، ومن ثم استخدام ورقة منظمات بعثة الأمم المتحدة لكسب الإدانة الدولية ضد هذه الدول (سلبية السياسة تجاه الدول الريادية)، والضعيفة عسكريا، والغير متفقة او متلاحمة مع بعضها الاخر، لأسباب الفرقة العقائدية والاثنية والدينية وغيرها من تلك التي تؤججها العساكر الالكترونية ومواقع الاتصال. ونتيجة ثانية لهذه الصحوة السياسية الجارفة تمخضت عن اضفاء اهميه استثنائية على سياسة عالميه تنافسيه جديدة لم تكن موجودة في القرن المنصرم، قائمة على أساس التسابق النظامي. فالتسابق الالكتروني من خلال مقارنة الاداء المجتمعي (كما بات يحكم عليه شعبيا)، قد أصبح عنصرا ذا شان على صعيد النفود الوطني والقومي. أصبحت أصحاب ستة شركات مساهمة تمتلك ثروة تتجاوز تريليون دولار على سبيل المثال! ان جمله المقارنات الاجتماعية ما لبثت، في غضون اقل من قرن، ان صارت متزايدة الأهمية في سوق المراكز الدولية المتنافسة، ولا سيما بالنسبة الى الاطراف الريادية مثل امريكا والصين بالدرجة الأساس ثم روسيا، بعد ان انتهى دور أوروبا. العالم يتشكل الان الى درجة غير مسبوقة، بالسيطرة والتوجيه للعواطف الشعبية وتفاعلها مع مركز القرار الريادي من ناحية، وتصورات جماعيه من ناحية ثانيه، وروايات متضاربة لقصه بشريه لم تعد مدعمه ذاتيا للقوه الموضوعية لدى منطقه محدده سياسيا وثقافيا من ناحية ثالثه.
ان تحريك الشارع ضد السلطة، هي من مفرزات هذا العالم الجديد، اخذت الانتفاضات اشكالا عديدة، فإما يتمكن المتظاهر المدفوع ارغام السلطة ليحصل على ما يريد، او يتم تحريك الجماهير بدعم مادي من قوى إقليمية مع السياسيين الطامحين، ذات مصالح سياسية مشتركة، لحث الجماهير على الهجرة، بهدف وضع ضعف وفساد ووحشية السلطة امام انظار العالم بشكل دراماتيكي..
لمحمد رياض إسماعيل
الحوار المتمدن-موقع حزب الحداثة