حداثة و ديمقراطية

ثقافة التنوير و قيم الحوار

انطلاقا من الدور الحاسم الذي تضطلع به ثقافة التنوير بمفرداتها كافة، وبوصفها منظومة متكاملة مستندة إلى أسس مستقرة من الديمقراطية، والتعددية المثرية، والشراكة الحقيقية التي تحترم حرية التعبير والتفكير وتعلي من شأن النخب الإبداعية والفكرية لما لها من دور حاسم في ترشيد القرار بالانفتاح على الآخر والمحافظة على وجه الأصالة، وتعزيز الانتماء الدافع إلى إيجاد إمكانيات خلاقة تجعل التفوق والتميز والإبداع هدفا يسعى إليه، يأتي الاهتمام بالحوار والإعلاء من قيمه ومخرجاته.

إن الحوار هو الحاضنة الطبيعية للإعلاء من شأن الحقائق التي لا تحتكر، وأن الاختلاف في الرأي لا يلغي التوافق المؤسسي الذي يغلب المصلحة العامة على كل مصلحة خاصة في ظل مؤسسات ثقافية راسخة كما إن التنمية الثقافية المنشودة هي تلك المنسجمة مع ثوابتنا الوطنية الساعية إلى بلورة مشروع حوار وطني تنويري منطلق من سياسة توافق وطني في مختلف المجالات، لتوزيع مكتسبات التنمية بعدالة بالاستناد إلى مفهوم المواطنة الصالحة المعترف بها من خلال ذاتها كمواطنة بالدرجة الأولى، وهذا يتطلب بناء خطاب يرتقي إلى صيغ عصرية تبحث في بلورة مفاهيم التنمية الإنسانية، وبناء المجتمع الديمقراطي المدني، بتوسيع دور مؤسسات العمل الرديفة: التنموية، والثقافية، والشبابية التي تتمثل فيها أوساط الشباب على نطاق واسع، مقيمة شراكات فاعلة بين مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية، جاعلة ثقافة التنوير رافعة أساسية للتحولات السياسية، والاجتماعية، وأداة لتحقيق الديمقراطية المنشودة، والتغيير الاجتماعي المرغوب.

إن إدراج السياق المجتمعي النمطي المؤثر على الخطط والبرامج الثقافية التنويرية مهم ومؤثر، ذلك أن محتوى هذا السياق الاجتماعي من ثقافة شعبية، ومن بنى مجتمعية أخرى: كالأسرة والعشيرة والأبوية والتعليم وبعض القوانين والإجراءات هو ميدان تفعيل مفردات، وأعراف ثقافة التنوير، والإعلاء من قيم الحوار، لكشف كل أواليات التحيز والتشويه، وثقافة البغض والبغضاء، والتمييز في مختلف مناحي الحياة بحس المسؤولية الجماعية الساعية إلى ابتكار سياسات حياة أفضل، وأكثر إشراقا وعدالة، بعيدا عن الغلو والتطرف الذي هو نتاج اجتماعي مكتسب.

إن من شـأن ثقافة الحوار التنويرية أن تضع كل الاختلافات في الرأي على مائدة التحاور والتداول وصولا إلى مناقشة علاقة الفرد بجماعته التي هي علاقة الجزء بالكل، وبوصف أن الفرد هو عضو في جماعة منتجة لما يسمى بالهوية الاجتماعية، وأن لهذه العلاقة أساسا معرفيا وقيميا ووجدانيا يفترض دخول شرط الوعي عضوية الجماعة، وهذا الشرط شامل لأثر البيئة كموجه من موجهات السلوك المجتمعي، ومحدد من محددات الانتماء الاجتماعي، وشامل لشروط التنشئة الاجتماعية التي يتشرب من خلالها الجيل الأفكار النمطية والسلوكات التي قد تغلف بالتعصب والتطرف، وتكون أحيانا مضادة للمجتمع، ومقترنة بالتعصب والاتجاهات السلبية العدائية، سعيا لتحقيق هوية اجتماعية ايجابية كتجل من تجليات الذات، وصولا إلى الإبداع الاجتماعي المقترن بالوعي والتفوق الأخلاقي، والمنافسة الايجابية، وليس المنافسة العنصرية أو التمييزية التي تغالي في الحب والكره.

كما أن من شأن الحوار التنويري وبث ثقافته وأدبياته أن يقود لجعل مساحات الاختلاف في سياق ما مساحات من الاتفاق في سياق آخر بفك التضاد، وتقوية أوجه التشابه بين الفرد والجماعة للوصول إلى حالة من التماسك الاجتماعي والهوية المشتركة وهنا لا بد من الإعلاء من دور الآباء والمدرسين والأصدقاء أيضا، ودور وسائل الإعلام في تحديد القيم والمعايير التي يكتسبها الفرد دون نقد أو تفكير أحيانا، وهذا يستوجب توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وضرورة الوعي بأهمية بناء الثقة وتجاوز المحبطات والظروف المتعسرة، وأية أصوليات تعني الجمود في الأفكار، وفي الشراكات السياسية،والأحكام التي تتميز بالانغلاق الفكري، والصورة الواحدية أحيانا ومن خلال جماعة معيارية أو منصهرة ما يؤدي إلى التطرف والتعصب، والتعصب المضاد، وهنا يعول على بث ثقافة الحوار والتسامح الموصلة للاتصال المباشر بين الأفراد والجماعات والموجدة فرصة الوعي بالخصائص الايجابية اللازمة لبناء الثقة والأمان.

الرأي-موقع حزب الحداثة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate