الحرب و الإرهاب
كتب المفكر إدغار موران عن “ثقافة أوروبا وبربريتها”، وكتب روجي غارودي قبله عن “الإرهاب الغربي”، وكلا الكتابين ليس الغرض منهما تشويه الغرب، بقدر ما يرمي الهدف إلى المساهمة الفعالة في وضع حد لحضارة أصبحت الحرب فيها أمرا مألوفا، كأنها الطريق الوحيد في علاقة الغرب مع الآخر.
فالحرب اقترنت في العصر الحديث بالنار نتيجة إبداع واكتشاف مختلف الوسائل التي تجعل من النار أكثر فتكا ودمارا، كانت الحضارات والشعوب من قبل تقتتل بالسيف وما شابهه، لكن توظيف النار في القتل زاد في عدد القتلى وزاد في فرصة القنص والقتل من بعيد، وقد اتسع الأمر وتطور في زماننا إلى أسلحة فتاكة، قد تأتي على مدن بأكملها، بل تأتي على الكرة الأرضية بأكملها، كل ذلك بفعل النار ومستلزماتها وما تحدثه من الانفجار؛ فالقرن العشرون شاهد على القصف الذرّي على هيروشيما وناغازاكي، وهو هجوم نووي شنته الولايات المتحدة ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945م؛ إذ قتلت القنابل ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي، ألا يعني هذا أن من بين ما يميز الحضارة الحديثة أنها حضارة عبادة الحرب؟ فمن هذا الذي يعود له السبق في اكتشاف النار وتوظيفها في الحرب؟
فالابتكارات والاكتشافات يأتي البعض منها بشكل غير مقصود، كمن يتجه نحو هدف محدد، وإذا به يجد نفسه أمام هدف لم يخطر بباله، كذلك هو الأمر عندما كان العلماء في الحضارة الصينية القديمة يبحثون عن محلول بإمكانه أن يحافظ على شباب الجسم مقابل الحد من الشيخوخة حوالي عام 850 ميلادية، وإذا بهم يصنعون ملح البارود، فبدلا من اكتشاف خلطة تطيل في العمر، توصلوا إلى خلطة تحد من العمر في حينه، والخلطة هي خلطة مسحوق البارود الذي أطلقوا عليه اسم “هو ياو Huo Yao”، وهو خليط من الفحم ونترات البوتاسيوم والكبريت وقد أدركوا سريعاً أنه يمكن استخدامه في الحرب.وقد استعملوه في الحرب ضد أعدائهم المغول.
فمن الملاحظ بشكل عام، أن الصينين حينها لم يولوا اهتماما كبيرا لهذا الإنجاز في القرن التاسع الميلادي وبعده؛ إذ بإمكانها احتكاره وتطويره بشكل سريع وتوظيفه ضد كل خصومهم والسيطرة به ومن خلاله على الشعوب وعلى العالم، بقي البارود كسلاح محدود الاستعمال، ولم يصل أوروبا حتى القرن 13 م عن طريق الحرير، وقد عملت مختلف الدول في أوروبا على تطويره إلى أبعد الحدود، وفي منتصف القرن الرابع عشر سارت البنادق كثيرة الاستعمال لدى الجيوش الإنجليزية والفرنسية.
وقد عرف القرن 16م بعصر البارود الإسلامي، وهو مصطلح يشير إلى الممالك الإسلامية التي استعملت البارود على رأسها الدولة العثمانية، إلا أن المسلمين لم يطوروا الأسلحة النارية مثلهم مثل الصينيين، بينما طورها الأوروبيين إلى أبعد الحدود، أو بمعنى أكثر دقة من جهة مراعاة المنطلقات والخلفيات المعرفية والفكرية لمختلف الثقافات، نقول الشرق في مقابل الغرب، فكل من الصين والهند ودول آسيا وإفريقيا والعالم الإسلامي محسوبة على الشرق، بينما الدول الأوروبية وروسيا وأمريكا محسوبة على الغرب، وهذا التقسيم ليس من قبيل ثنائية متعارضة، بل على العكس من ذلك، فهو تقسيم يأخذ مصداقية من وجهة نظر كل من الشرق والغرب إلى الآخر والعالم، ونستحضر بهذا الخصوص كتاب” الشرق والغرب” لريني غينون، وكتاب الإسلام بين “الشرق والغرب” لعلي عزت بكوفيتش، وكتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد؛ فكل من الشرق والغرب يستمد تصوره من الطرف الآخر من خلال خلفيته الثقافية، عندما تدرس الشرق فأنت تلامس التنوع والتعدد، وعندما تتحدث عن الغرب، فأنت تدرس الواحد الذي لا يقبل الآخر، قد يبدو هذا الأمر في الأول للبعض مجازفة، ولكن المثقفين الغربيين هم من يقرون بذلك، الغرب أحادي في كل شيء.
السؤال هنا ما هي الأسباب والدوافع النفسية التي جعلت الغرب، يصب كل طاقته في تطوير الأسلحة النارية منذ أن وقعت في يده في القرن 13 الميلادي، فأهم ما صاحب المستكشفين والرحالة الأوروبيين في رحلتهم إلى العالم الجديد بدءا من القرن 15 الميلادي (اكتشاف أمريكا 1492م) كانت الأسلحة النارية التي صنعت الفارق الكبير بينهم وبين السكان الأصليين للبلد (الهنود الحمر) الذين تمت إبادتهم وسحقهم بالكامل.
ففي القرن 19 والقرن 20 بفعل الأسلحة النارية ومختلف الوسائل والآليات والعتاد الحربي، سيطر الغرب على العالم، وقد خاض حروبا كبيرة داخل أوروبا وخارجها ويعد القرن 20 مقبرة جماعية ذات طابع عالمي تحت إدارة الغرب، بكونه أكبر مملكة عبر التاريخ لملوك الحرب، فلا شيء فوق القتل والدمار؛ ففي الحرب العالمية الثانية، فقدت الإنسانية 60 مليون قتيل، 20 مليون من الجنود و40 مليون من المدنيين، أليس هذا كافيا للقول إن الغرب تكمن في أعماقه نفسيه عبادة الحرب، ولا ندري ماذا يخبئ القرن 21 و22 للإنسانية، والغريب في حضارة اليوم، أن مصانع الأسلحة وتجارتها تشكل عنصرا محوريا في نسيج اقتصاد الدول بشكل علني أو بشكل مسكوت عنه “لا حاجة إلى كثير من الخيال لتصور الغرب في نهاية المطاف مدمرا لنفسه بنفسه”، لكن المشكلة هي مشكلة عالمية، ولم تعد تقتصر على الغرب وحده؛ فالمشاكل العالمية تتطلب حلولا عالمية، فالغرب اليوم لا يراهن عليه في التفكير في جلب الحلول، وهو إلى حد الساعة لازال يجلب المشاكل إلى الشرق وإلى الإنسان، وأي حضارة هذه التي تجعل من الحرب أمرا عاديا وتسوق لها من خلال الكثير من الأفلام والكثير من الألعاب الإلكترونية الموجهة للصغار والكبار؛ هذه هي حياتنا اليوم نحن بني البشر رضينا بها أم لم نرض، فالغرب والشرق كلاهما جزء من تاريخ الإنسانية المليئة بالأخطاء، فالمشكلة هنا هل الغرب مستعد ليعترف بأخطائه، ويعود ليستفيد من الشرق، مع العلم أنه تم تبخيس هذا الأخير إلى الحد الذي لا يطاق.
إن الغرب ظل حبيس سياقه التاريخي المرتبط بروما، فالرومان كانوا أكثر بربرية، وورث عنهم الأوربيون كل أشكال البربرية والعنف والتسلط على مختلف الشعوب منذ خروج أوروبا إلى العالم في القرن 15م نحن “في آخر المطاف نلاحظ اندفاعا هائجا لخمسة قرون من البربرية الأوروبية خمسة قرون من الغزو والاستعباد والاستعمار. [لقد تم] عولمة هذه البربرية الأوروبية”.
فهناك الكثير من اللعب على الإنترنت تحتفي بإلهُ الحَرب وعلى سبيل المثال (God of War)، وهي لُعبة ڤيديو حركيَّة- مُغامراتيَّة ثُلاثيَّة الأبعاد. أُطلقت بدايةً سنة 2005م على جهاز پلايستيشن، وتستندُ هذه اللُّعْبة على الميثولوجيا الإغريقيَّة بشكلٍ فضفاض غير دقيق، وتقعُ أحداثها في اليونان القديمة، وباعثُ أحداثها الأساسي هو الانتقام، ويرتكز أُسلوب اللعب على القتال المُباشر المُرَكَّب الحَرَكَاتِ والأساليبِ، بيع من هذه اللُّعبة أكثرُ من 4.6 ملايين نسخة حول العالم، لتحتل بذلك المركز العاشر في قائمة ألعاب الپلايستيشن الأكثر مبيعًا في التاريخ. واعتُبرت إحدى أفضل الألعاب الحركيَّة المُغامراتيَّة على هذا الجهاز، وفازت بعدَّة جوائز في مُسابقة أفضل لُعبة سنة 2009م. فالمسألة هنا لا تتوقف عند اللعب، بل تمتد إلى فلسفة الحضارة الحديثة وما يجري على الأرض والواقع والنظر إلى المستقبل بنظرة الحرب لا بنظرة السلام والأمن والأمان.
العالم اليوم، متخم حتى النهاية بالفضلات النووية وأسلحة الدمار الشامل التي تهدد الإنسان في الحاضر والمستقبل؛ فطريق السلاح والحروب هو نفسه طريق الإرهاب؟ أليس من يملك بيده كل هذا السلاح يمتلك الإرهاب؟
لمولاي أحمد صابر.
مؤسسة مؤمنون بلاحدود-موقع حزب الحداثة.