ثقافةمنوعات

الفن و المتطرفين

فى المجتمعات العربية كثيراً ما نسمع عبارات تتساءل عن جدوى الفنون؟ وتعليقات تقول إنه كان من الأولى صرف المبالغ التى تنفق على الفن على الفقراء، وتعليقات أخرى تتساءل ماذا قدم هؤلاء الفنانون للمجتمعات حتى يتم الاهتمام بهم ومتابعة أخبارهم على حساب العلماء والباحثين الذين لا ينالون قدراً من الشهرة؛ وهم الأهم والأنفع؟

وعلى الرغم من هذه التعليقات، فالفن باقٍ ومنتشر ولا يتوقف الناس عن الإقبال عليه ومن بعض من يرددون هذه المقولات، بل والمدهش أن هناك بعضاً ممن يحرّمون الفن على اعتبار أنه عمل يخالف تعاليم الدين وفى الوقت نفسه يتعاطون معه ويستمتعون ويتأثرون به، وهى حالة من الفصام بكل تأكيد.

إن الفن له دور كبير فى علاج التطرف، والقاعدة العلمية التى يتفق الجميع عليها تقول بأن «الوقاية خير من العلاج»؛ ومن هنا فالفنون يمكن أن تلعب دوراً فى الوقاية من التطرف قبل أن يحدث، وخصوصاً فى مجتمعات تعانى الأمية الأبجدية والثقافية ومشكلات هيكيلة وبنيوية فى التعليم وجودته، وتعتمد فى جزء كبير من ثقافتها على التليفزيون، الذى أصبح من أبرز مظاهر التكنولوجيا الحديثة ومن أهم عوامل التنشئة الاجتماعية؛ حيث إنه معلم أساسى للقيم والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة؛ كما أنه يقدم العديد من المعارف والمعلومات بالإضافة إلى تقديم جوانب مختلفة من الثقافة وغيرها من الرموز الثقافية.

يرى عالم الاجتماع الأمريكى «تالكوت بارسونز» أن التنشئة هى عملية تعلّم تعتمد على التلقين والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية عند الطفل والراشد؛ وهى عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة فى نسق الشخصية، وأن التليفزيون يشكل -على حد تعبيره- مدرسة موازية تضاف إلى العائلة والمدرسة والجيران؛ ولم يعد الوالدان يمثلان النموذج بالنسبة للطفل والمراهق؛ وأصبح بطل المسلسلات التليفزيونية هو القدوة والمثل الأعلى.

وتقول إحصائية ألمانية إن الأب الألمانى يتفرغ لولده 3 دقائق فى اليوم؛ بينما يتفرغ لمشاهدة التليفزيون لمدة 3 ساعات، هذا يعنى أن التربية التقليدية التى كانت تقول إن الطفل أو المراهق يبنى شخصيته عبر ثقافتين الأولى فى المنزل والثانية فى المدرسة تتهاوى؛ فالمنزل أو الأسرة تتخلى عن دورها للتليفزيون الذى يقوم بدور الوالد والأخ الأكبر لملايين الأطفال والمراهقين؛ ولعل هذا ما دفع أحد العلماء إلى القول إن الجيل الجديد ينشئه ثلاثة آباء: الأم والأب والتليفزيون. ومما سبق يتضح أن التليفزيون يعتبر أهم المؤسسات الثقافية والاجتماعية فى المجتمع؛ حيث إنه يسهم إسهاماً كبيراً فى تكوين اتجاهات وقيم الإنسان عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية؛ كما أنه أداة فعالة فى تغيير هذه القيم والاتجاهات والاستعداد للعمل عند الفرد».

إن التطرف الدينى أحد مخرجات التخلف الذى تعانى منه المجتمعات العربية، والخروج من براثن هذا التخلف تحدده عوامل كثيرة منها ما هو سياسى، ومنها ما هو اقتصادى، ومنها ما هو اجتماعى، والفن يندرج تحت بند التنمية، على اعتبار أنه أحد مظاهرها، وفى الوقت ذاته أحد صناعها، لأنه يلعب دوراً بالتنمية.

والفن أيضاً يمكن أن يندرج أيضاً كوسيلة علاجية فى التطرف، على اعتبار أن الأخير شكلٌ من أشكال الاضطراب النفسى، وخصوصاً بين صغار السن والشباب الذين هم البنية الأساسية لتنظيمات التطرف، الذين يحتاجون بشكل أساسى إلى العلاج من الاكتئاب وضبط الصحة النفسية مثل القدرة على التعامل مع أفكار المرء وانفعالاته وسلوكياته، فإنه ومثلما قد يعانى الأفراد من الاكتئاب فكذلك قد تعانى المجتمعات أيضاً من الاكتئاب. وهنا تكون للفنون قيمتها العلاجية؛ وذلك لأنها يمكنها أن تساعد فى شفاء مجتمعاتنا من عللها.

إذن للفن دور ليس بالهين فى مكافحة التطرف ثم إعادة دمج المتطرفين، وهو ما تباين طوال الوقت ما بين الخفوت أو البروز، وعلى هذا يجب أن نسأل أنفسنا: هل يمكن أن يسهم الفن بشكل عام والسينما والمسرح والدراما التليفزيونية بشكل خاص فى إعادة دمج المتطرفين دينياً فى المجتمع؟ هل ما تم تقديمه فى الفن الدرامى المصرى كان له تأثير فى عملية الدمج المفترضة تلك؟ وهل كان موقف تيار الإسلام السياسى المنبع الأساسى للتطرف الدينى من الفن عامة والدرامى منه خاصة مؤثراً على موقف الفنانين المصريين من هذا التيار، وبالتالى على طريقة تقديمهم له فى الأعمال الفنية؟ وهل انعكست طريقة الحكومات العربية فى التعامل مع التطرف الدينى على صناع الأعمال الفنية؟

لماهر فرغلي.

العربية-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate