أخبارعالمية

عقبات تنتظر النازحين في الشتاء..الأراضي الفلسطينية”النعمة والنقمة” في أمطار غزة

حين بدأ نزوح الفلسطينيين من شمال غزة عقب اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل، دفعهم طقس أكتوبر الحار إلى الانتقال بملابسهم وأمتعتهم الصيفية، حيث لم يكن في المقدور أو في الحسبان تحت القصف، الانقلاب الفصلي للطقس الذي تحول في الأيام الماضية إلى عاصف، ممطر، وبارد نسبياً في غزة، مضاعفا معاناة أكثر من مليون نازح في المراكز غير المجهزة بدورها لإيواء شتوي.

مشهدان خرجا للعالم من غزة تحت المطر خلال الأيام الماضية، الأول لأولاد أظهروا بهجتهم بالمطر ورقصوا تحته وعائلات فلسطينية جمعت مياه الأمطار لتسد حاجاتها من المياه المقطوعة عن القطاع منذ 40 يوماً.

أما المشهد الثاني، فكان للآثار الكارثية لتلك الأمطار على مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء التي غرقت بالمياه والوحل الذي دخل إلى الخيم وبلل كل ما فيها، فجعلت منها مكانا غير صالح للمكوث فيه، الأمر الذي زاد أوضاع النازحين سوءاً.

احتضنت منيرة نصير، 63 عاما، حفيدتها الصغيرة وجلست معها في آخر زاوية جافة من الغرفة التي كان يفترض أن تكون صفاً دراسياً في مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في خان يونس جنوب غزة، ونامتا جلوساً في تلك الزاوية حتى الفجر، كي لا تتبللا بالمياه التي تسربت إليهما من كل الاتجاهات بسبب المطر المنهمر في الخارج.

ومثلهما فعل معظم النازحون في مركز الإيواء في تلك الليلة “الكارثية”، كما يصفونها، بعدما غرقت كل الخيم بالمياه التي وصل ارتفاعها عن الأرض إلى نحو 20 سم، ما أفقد الآلاف مأواهم، فأمضوا الليل وقوفاً وجلوساً تحت ما يتوفر من أسقف تحميهم من المطر.

مثال على الشتاء القادم

ما جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية كان مثالاً بسيطاً لما ينتظر النازحين الفلسطينيين في جنوب غزة، مع اقترابهم مع كل يوم إضافي للحرب من الوصول إلى فصل الشتاء البارد في القطاع، وتداعياته التي ظهرت عينة بسيطة عنها هذا الأسبوع.

المشكلة بحسب ما يقول الصحفي في قطاع غزة، فتحي مصباح، هي أن النازحين، لم يحتسبوا كل ما جرى، وحين خرجوا من منازلهم، أخذوا ما كانوا يلبسونه من ملابس صيفية وحملوا ما استطاعوا عليه من أمتعة قليلة جدا ساروا بها نحو الجنوب.

لم تكن بين تلك الأمتعة أي معدات أو ملابس أو بطانيات شتوية، وهي اليوم غير متوفرة حيث لا مكان لشراء هذه الملابس ولا بضائع جديدة تدخل غزة، ولا محال تفتح أبوابها ولا أحد يؤمّن هذه الأمور، وتكمن الصعوبة البالغة، بحسب مصباح، في العثور على ملابس شتوية، لا سيما وأن كل النازحين يبحثون عنها.

كانت ليلة الثلاثاء الأربعاء هي الأصعب، حيث استمر المطر الغزير طوال الليل وعلى مدى يوم الأربعاء، بحسب مصباح، “كانت الأوضاع قاسية وصعبة جدا، وصل الأمر بالأطفال إلى حد البكاء بسبب البرد ليلا”.

ينقل مصباح مشاهداته من المخيمات التي زارها جنوب غزة، خاصة مخيم كلية التدريب المهني التابع للأونروا، في خان يونس، حيث لجأ الناس إلى المبنى الذي اتسع لنحو ١٥٠٠ شخص بينما توزع الباقون في الأراضي المحيطة به.

أقام الناس خيمهم في ذلك المركز وحوله، بعضها جاهز للتركيب ولا يتعدى عددها الـ 100، والباقي كله خيم مرتجلة صنعها الناس بأيديهم وبما توفر لديهم من أقمشة وأسلاك حديدية وغيره، وكلها مقامة على التراب وليس على أرض إسفلتية.

البعض كان قد استعد مسبقاً للأمطار بعدما اطلعوا مسبقاً على النشرات الجوية، عبر شراء قطع من النايلون فرشها فوق الخيم لتفادي تسرب المياه، لكن وبحسب مصباح، حتى مع وجود النايلون على الخيم ارتفع منسوب المياه على الأرض ودخلت الخيم فغمرت الفرش والأغراض والثياب والبطانيات.

الأمر ذاته شهده مستشفى ناصر ومحيطه في خان يونس، حيث عمد النازحون إلى نصب خيامهم في محيط المستشفى، على أرض رملية، فيما المستشفى يرتفع عن الأرض المحيطة به، وهو ما أدى عند تساقط الأمطار إلى سيول من الوحول اجتاحت الخيم، وأغرقت الناس هناك.

عند حديث مصباح كانت الحرارة في غزة تقارب الـ 17 درجة مئوية، تنخفض الحرارة بصورة كبيرة بحسب معدلاتها الفصلية خلال الشتاء في غزة لتصل إلى ما دون ذلك بحوالي 10 درجات فيما تسجل الصفر وما دون في كثير من أيام الشتاء، ومع ذلك، منذ الآن يشعر النازحون بهول البرد وصعوبة تحمله وسط غياب الاستعدادات.

منذ نزوحهم وحتى اليوم، لا يزال أفراد عائلة منيرة نصير بالملابس ذاتها التي خرجوا فيها من بيوتهم، رغم كل الوحول والأتربة والغبار التي طالتهم، لم يتمكنوا حتى الآن من تبديل ملابسهم، يأملون بمساعدات على الصعيد رغم غياب بوادرها حتى الآن.

ويعقدون آخر آمالهم على ما أوصوا به ابنتهم العالقة في مصر منذ اندلاع الحرب حيث كانت خارج غزة، بأن تحضر معها حين يسمح لها بالعودة، ملابس شتوية وداخلية، ولا يعلمون دون ذلك ما سيفعلونه في الأيام القريبة المقبلة، فضلاً عن الشتاء القادم.

في هذا السياق، قالت “الأونروا” عبر منشور لها على منصة “إكس”، إن الوضع بالنسبة لكثير من الناس “أصبح أكثر يأسا”.

وأضافت “مع اقتراب فصل الشتاء، يواجه آلاف النازحين في غزة، الذين يضطرون الآن للعيش في الهواء الطلق، ظروفًا متفاقمة كل يوم”.

وأرفقت الوكالة منشورها بصور من مراكز الإيواء للنازحين تحت الأمطار، حذرت من أن “انتشار الكوليرا في هذه الظروف سيكون مدمرا تماما”.

وتتصاعد المخاوف من احتمال تفشي الأوبئة الخطيرة بين النازحين الفلسطينيين، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة بسبب الظروف المعيشية المتردية، والتي تسوء مع نقص المياه النظيفة وقلة دورات المياه الملائمة بالإضافة إلى تجمع النفايات.

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت من خطر متزايد لانتشار الأمراض في قطاع غزة بسبب القصف الجوي الإسرائيلي الذي أدى إلى تعطل النظام الصحي وصعوبة الحصول على المياه النظيفة وتكدس الناس في الملاجئ.

وقبل اندلاع الحرب، كان أكثر من 80 بالمئة من سكان غزة يعانون الفقر، ويعتمد ثلثاهم تقريبا على المساعدات الدولية، وفقا للأمم المتحدة.

نعمة ونقمة

من جهته، ينقل الصحفي إيهاب مغربي، الذي نزح هو الآخر إلى جنوب قطاع غزة، تفاعل الناس مع الأمطار التي انهمرت في ظل أمسّ حاجة الناس لمياه نظيفة صالحة لشرب والاستخدام في ظل التلوث الكبير للمياه بعد توقف محطات التكرير والتحلية عن عملها بفعل نفاد الوقود، وقطع إسرائيل للمياه عن القطاع منذ السابع من أكتوبر.

ويقول في حديثه إن الناس استبشروا خيراً مع أول هطول للمطر، “ارتفعت معنوياتهم وتحسن وضعهم النفسي إلى حد ما، إضافة إلى تحسن نوعية الهواء الذي كان معبأ بالدخان والرماد والبارود نتيجة القصف والركام”.

ويضيف “الناس كانت تملأ الأواني بالمياه وتجمع مياه المطر للتعويض عن النقص الحاد الذي يدفعهم يوميا للوقوف في طوابير طويلة للحصول على ١٢ ليتر فقط من المياه، يجب أن تكفي للشرب والغسيل والاستخدام على مدى النهار لعائلات كاملة”.

في الشمال كما في الجنوب، فرش الفلسطينيون ما أمكن من الأواني المعدنية والبلاستيكية تحت السماء لجمع الأمطار، ورغم أنها هونت عليهم أزمة المياه، بقيت الآثار السلبية أكبر بكثير وفق مغربي، لا سيما بعدما ملأت الشوارع التي لم تتمكن من تصريفها بحكم غياب الكهرباء التي تشغل مضخات المياه وعدم قدرة البلديات على القيام بأعمالها ولا تصريف صحي، ما أدى إلى الفيضانات التي حصلت.

وتمكن مصباح من توثيق وسيلة لجأ إليها البعض في غزة ومن بينهم جاره، حيث قام باستخدام الصحن اللاقط “الستالايت” كقُمع لجمع مياه الأمطار بعدما وضعه فوق فوهة خزان المياه ووجهه نحو السماء ليجمع المياه المتساقطة في الخزان.

لكل تلك الأسباب لم يكن الناس يريدون أن يهطل المطر، خاصة وأنهم لم يكونوا مستعدين له وليس بحوزتهم ما يعينهم على تخطي فصل الأمطار، لا سيما الملابس والبطانيات، بحسب مغربي، الذي بات يتقاسم مع شقيقه الفراش ذاته حيث لا يملكون غيره، مشيراً في نفس الوقت إلى عدم قدرة المدارس المستخدمة كمراكز الإيواء على أن تكون مساعدة فهي “غير صالحة لشيء، وبعضها لا شبابيك فيها أصلاً لحماية النازحين من الأمطار وبرد الشتاء”.

مشاهدات مشابهة ينقلها مصباح من جهته، وصف فيها بهجة سكان غزة بالمطر الذي “غسل غبار خمسة أسابيع من القصف وأعاد الألوان للمدينة في نظر أبنائها، بعدما أزاح عنها الغطاء الرمادي من الرماد والدخان في اللجو الذي كنا نستنشقه”.

وفيما كانت الأمطار نقمة على سكان المخيمات ومراكز الإيواء، كانت نعمة بالنسبة لنحو نصف مليون فلسطيني لا يزالون في شمال قطاع غزة، بحسب مصباح، حيث أزمة المياه أكثر حدة وصعوبة، في ظل الاشتباكات العسكرية والحصار ومنع وصول أي مساعدات أو أغذية أو مياه من الجنوب إلى تلك المنطقة.

ورغم الآثار السلبية جداً للأمطار على النازحين في الخيم، كان المزارعون فرحين بالمطر أيضاً بعد انقطاع المياه لأكثر من ٤٠ يوماً، لري المزروعات والأشجار العطشى، لا سيما أنها المرة الأولى التي تمطر في هذا الموسم.

يأتي هذا في وقت يحذر فيه خبراء من شرب مياه الأمطار.

وقال رئيس حزب البيئة العالمي، الدكتور دومط كامل في حديث له على أنه “في الحروب لا انتصار لأي طرف من الناحية البيئية، وسواء في غزة أو إسرائيل فإن السكان يتنشقون الهواء الملوث بفعل القذائف والصواريخ، وسيزداد تلوث المتساقطات بفعل هذا الهواء بالتالي سيسبب أضراراً بيئية جسيمة على المدى القصير والبعيد مهددة حياة الناس والكائنات الحية”.

وفي هذا الأسبوع، نزح حوالي 50 ألف فلسطيني من شمالي قطاع غزة إلى جنوبه، لينضموا إلى مئات الآلاف الذين سبقوهم منذ بدء التصعيد في السابع من أكتوبر الماضي.

ويواصل آلاف الفلسطينيين النزوح هربا من القصف والعمليات البرية التي تشنها القوات الإسرائيلية، فيما تشهد مخيمات ومراكز الإيواء بالجنوب، ضغوطا شديدة تؤثر على جودة خدماتها وتترك نازحين في العراء، دون طعام أو ماء أو مأوى، حيث تتدهور الظروف الإنسانية، يوما تلو الآخر.

وأفادت الأونروا بأن عدد النازحين في غزة يقترب من 1.5 مليون شخص، يعيش حوالي 779 ألف منهم في 151 منشأة تابعة لها في أنحاء القطاع، فيما البقية في مرافق أخرى.

وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نقلا عن بيانات من وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية أن الهجمات الإسرائيلية دمرت أكثر من 41 ألف وحدة سكنية وألحقت أضرارا بأكثر من 222 ألف وحدة أخرى، ما يزيد من التحديات التي يحملها الشتاء المقبل لسكان غزة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate