الإعلام الجديد ومساحات جديدة للنساء في زمن النزاعات.
تسعى هذه المقالة للإجابة على عدد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي داخل الدول التي تواجه النزاعات المسلحة. وكيف ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في دعم حقوق النساء خلال الحروب والنزاعات؟ وما هي التحديات التي تقف عقبة أمام زيادة فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي؟
انتشر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واتسعت دوائرها وتعاظم دورها في الآونة الأخيرة، إذ أصبحت أداة مهمة في حشد الدعم والمناصرة للقضايا المختلفة، بدلًا من اقتصارها على كونها أداة للتواصل بين الأفراد. وفي ضوء ذلك، عملت تلك المساحة الافتراضية على تشكيل الرأي العام وقيادة حركات التغير حول العالم، فأثبتت أنها وسيلة قوية لجذب انتباه جمهور أوسع لقضايا حقوق النساء من خلال مشاركة العديد من الانتهاكات التي يتعرضن لها خلال أوقات النزاعات، وهو الأمر الذي شجع صانعي السياسات والمنظمات الدولية على تكثيف الالتزامات بالمساواة بين الجنسين.
بعد جديد للتمكين
يشير مفهوم تمكين المرأة إلى أهمية أن تكون المرأة واعية ومدركة بالطريقة التى يمكنها بها أن ترسم خطوط مستقبلها، وأن تكون قادرة على اختيار طريقها بنفسها، ومن أجل ذلك يجب أن تكون قادرة على امتلاك الأدوات المختلفة التى ستساعدها فى ذلك، لذا جاء منهاج عمل بيجين** وأوضح دور وسائل الإعلام في دعم المرأة حيث أشارت الفقرة 234 إلى أنه قد «سهل التقدم الذي أحرز خلال العقد الماضي في تكنولوجيا المعلومات قيام شبكة اتصال عالمية تتخطى الحدود الوطنية وتؤثر في السياسة العامة، والمواقف والسلوكيات الخاصة، وﻻ سيما مواقف وسلوك الأطفال والشباب. والإمكانية متوفرة في كل مكان لكي تقدم وسائط اﻹعلام مساهمة أكبر بكثير في مجال النهوض بالمرأة». وهنا اعتراف صريح من منهاج عمل بيجين حول قدرة وسائل الإعلام والتي من ضمنها منصات التواصل الاجتماعي على تقديم مساهمة أكبر بكثير في النهوض بالمرأة.
ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام، من خلال نقل الأفكار والآراء المتعلقة بقضية معينة لعدد كبير من الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم، ما أتاح بلورة رأي عام دولي مساند لبعض القضايا، على رأسها تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين لا سيما في مناطق النزاعات المسلحة، حيث تتعرض النساء والفتيات لمزيد من العنف القائم على النوع الاجتماعي. كما أن النزاع العنيف يؤثر بشكل غير متناسب ويزيد من عدم المساواة بين الجنسين والتمييز.
ففي حالات الصراع تدفع النساء ثمنًا مضاعفًا بسبب تفاقم نقاط الضعف الموجودة مسبقًا، كما يزيد الصراع من حدة الفقر، ويلزم النساء بالقيام بأدوار جديدة، كإعالة الأسرة والخروج للعمل في مواجهة صعوبات كبيرة من أجل الحصول على المساعدة والموارد التي تعينهن وأسرهن على الحياة. وإذا ما أضيف إلى ذلك كله ما تتعرض له النساء في مناطق النزاعات من انتهاكات وعنف جنسي، حيث تصبح أجسادهن ساحات للصراع العنيف الذي يتعرضن خلاله للإذلال والتعذيب والاغتصاب الوحشي والقتل، فإن المشهد يغدو قاتمًا للغاية.
فتحت وسائل التواصل الاجتماعي آفاقًا جديدة لدعم حقوق المرأة، وليس فقط كآلية للكشف عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في فترات الحروب والنزاعات، فالوصول واسع النطاق إلى المعلومات وتبادل الخبرات طور إحساسًا أكبر بالوعي حول الأدوار المختلفة للنساء ولفت النظر إلى أن عدد النساء في مواقع صنع القرار وعلى طاولة المفاوضات لا يزال صغيرًا نسبيًّا.
ففي كثير من الأحيان لا يُنظر إلى النساء على أنهن يتمتعن بالمهارات أو المعرفة أو الوضع الاجتماعي اللازم لإحداث التغيير في بيئات ما بعد الصراع، وهنا ظهرت قوة منصات التواصل الاجتماعي الكامنة في قدرتها على جذب الانتباه إلى الأدوار التي يمكن أن تلعبها المرأة بوصفها عاملًا قادرًا على إحداث تغيير في المعادلة لا بوصفها ضحية، ليشكل ذلك فرصة لإعادة بناء تصورات مغايرة حول واقع تمكين المرأة وضرورة تكاتف المؤسسات الدولية للوقوف ضد تلك المعاناة.
ومع تحسين وصول النساء إلى المعلومات عبر الإنترنت من خلال المنصات المختلفة، تطورت لديهن درجة أكبر من الوعي. فتحت المنصات الرقمية والوسائط التعليمية والمدونات ومقاطع الفيديو مساحة افتراضية منحتهن سبلًا لتطوير الذات.
وعلى الرغم من معاناة المرأة في أوقات الصراع، فإن النساء اكتشفن أنفسهن من جديد، وهنا تظهر القصص والتجارب المختلفة لمجتمعات ما بعد الحرب من أجل بناء سلام مستدام حيث تصبح تلك المنصات الافتراضية ساحات مفتوحة للتعبير لإظهار مواهبهن والتواصل وتوسيع علاقاتهن الاجتماعية وكسر القيود التي تفرضها مجتمعاتهن، بالإضافة إلى كونهن يستخدمن تلك المنصات في إيصال أصواتهن ومخاوفهن من استمرار الحرب، كما خلقت منصات التواصل الاجتماعي مساحة للضحايا من النساء لمشاركة خبراتهن في العنف مع الضحايا الآخرين، وخلق مساحة لتبادل المعرفة والمعلومات حول حقوقهن والأطر القانونية وخدمات الرعاية الاجتماعية.
تجاوز محنة النزاع
تتجه النساء في مناطق النزاع بشكل متزايد إلى التكنولوجيا لبناء السلام والحد من عدم المساواة بين الجنسين، وهو ما ظهر في عدد من التجارب المختلفة. فمثلا، خلال العام 2014، حقق وسم حملة [أعيدوا بناتنا] #BringBackOurGirls، للمطالبة بتحرير أكثر من 200 شابة اختطفن في نيجيريا أكثر من مليون تغريدة على منصة تويتر، ما ساعد على زيادة الوعي بالقضية وحشد أصوات من جميع أنحاء الأرض للتكاتف والمطالبة بإنقاذ فتيات المدارس النيجيريات المختطفات.
وفي السودان لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا من خلال مجموعات التفاعل عبر واتس آب ومجموعات فيسبوك، بجانب منشورات المؤثرين عبر منصة انستغرام. سجلت النساء غير القادرات على المشاركة والانضمام إلى الحراك السياسي في البلاد نشاطهن الداعم عبر تلك المنصات. كما شاركت نسوة أخريات صورًا ومقاطع فيديو، بعضها يحاول إلقاء الضوء على بعض القيود التي تواجه النساء خلال هذه الاحتجاجات.
وفي أفغانستان، جاء استخدام منصات التواصل الاجتماعي لطرح أفكار بخصوص إشراك المرأة في بناء السلام والأمن. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت النساء الأفغانيات منصات التواصل لتوحيد رسائلهن ومطالبهن إلى السلطات، وكان أبرز تلك الرسائل الحملة الدعائية التي جاءت تحت وسم #AfghanWomenWillNotGoBack [نساء أفغانستان لن يعدن إلى الوراء] التي صنفت كأعلى حملة يتم تدشينها عبر منصات التواصل الاجتماعي في البلاد.
كما استخدمن أيضًا وسم MyRedLine# لتسجيل مقاطع مرئية قصيرة عبر المنصات المختلفة لإيصال مطالبهن حول اتفاق السلام.
مكافحة القوالب النمطية
لا تزال هناك تحديات في استخدام منصات التواصل الاجتماعي لمكافحة التمييز والقوالب النمطية ورفع الوعي بقضايا حقوق المرأة. وعلى الرغم من أن النساء على مستوى العالم يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من الرجال، فإن العديد منهن، لا سيما في البلدان النامية، ما زلن غير قادرات على الوصول إلى هذه التكنولوجيا بسبب البنية التحتية والأعراف الاجتماعية، إلى جانب الفجوة الرقمية بين الجنسين، فالنساء لديهن مهارات رقمية أقل مقارنة بأندادهن من الرجال، كما يقل امتلاكهن للأجهزة المحمولة أو التكنولوجية وهو ما يشكل عقبات في تشكيل رأي عام داعم ومساند.
في ضوء ما سبق، تحتاج النساء إلى تعلم كيفية فهم وتوظيف المنصات الرقمية وفي الوقت نفسه التعرف على مخاطر تلك المنصات، خاصة أن العديد منهن يفتقرن إلى الخبرة والقدرات اللازمة لإطلاق حملات فعالة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من العديد من الحملات التي تم إطلاقها والنجاح الذي حققته داخل عدد من البلدان، فإن التأثير المنشود لتلك الحملات من حيث تمكين النساء من تشكيل السياسات والتأثير عليها لا يزال غير مكتمل، وغير مؤثر في عمليات صنع القرار. لذا فإن تدريب النساء على الاستفادة بشكل أكبر من تكنولوجيا المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي يُعد ضمانة الوصول المتكافئ إلى التقنيات الجديدة واستخدامها لتعظيم دور المناصرة الذي تلعبه تلك المنصات في دعم قضاياهن وخاصة ما يرتبط بعمليات بناء السلام.
وختامًا، ما لم تتمكن النساء من استخدام هذه الأدوات الرقمية بكفاءة، فلن يكون بإمكانهن المشاركة بشكل هادف في دعم بناء السلام داخل مجتمعاتهن، فالوصول المحدود إلى التقنيات الجديدة وعدم الاستفادة الكاملة من وسائل التواصل الاجتماعي للدعم وحشد المناصرة حول قضاياهن مقيد بالنسبة للعديد منهن بسبب الأمية والحواجز اللغوية والفجوة الرقمية في البنية التحتية خاصة داخل دول النزاع.
لمي عجلان.
الإنساني-موقع حزب الحداثة.