تقارير متخصصة وتصريحات من قبل معنيينَ في الصحة النفسية، تؤكد وجود نسبة كبيرة وصادمة من السوريين الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، فعلى مدار السنوات العشرة الماضية، اجتمعت العديد من الأسباب التي تشكّل ضغطا نفسيا منها؛ الاجتماعية والاقتصادية، في وقت أن القطاع الطبي لا يقوى على مواجهة هذه الكارثة.
انهيار الأوضاع المعيشية خلال السنوات الماضية، كان من أبرز أسباب انهيار الوضع النفسي للسوريين، لتأتي كارثة الزلزال هذا العام، التي يعيش الناجون منها اضطرابات نفسية عميقة.
فمنذ وقوع الزلزال، يرى العديد منهم أن في أي لحظة يمكن أن يُعاد سيناريو الزلزال، وكل شخص معرّض لاضطرابات نفسية معيّنة بعد خوض تجربة مروّعة.
النتائج الصادمة فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية، هو وصول التبعات إلى حد تسجيل وفيات ناتجة عن الضغط النفسي، حيث سجلت سوريا خلال العامين الماضيين عشرات الوفيات معظمهم من الشباب، نتيجة إصابتهم بمرض احتشاء القلب، الأمر الذي اعتبره أطباء أنه ناتج بالدرجة الأولى عن الضغط النفسي الذي قد يتسبب بمراحل معينة بالإصابة بـ”الجلطات”.
نسبة مخيفة في سوريا
وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية تُعتبر الاضطرابات النفسية من المسببات الأساسية للعجز وحدوث عدد كبير من الوفيات في مختلف أنحاء العالم، كما أن نحو ربع سكان العالم سيُصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم، ويحتل الاكتئاب المرتبة الثانية لأكثر الأمراض إعاقة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.
في سوريا ومع ازياد نسبة المصابين باضطرابات نفسية، فإن طب العلاج النفسي يشهد ندرة كبيرة في الأخصّائيين، وقد أكد الطبيب النفسي خالد حميدي، أن “الاستشاريين النفسيين والأطباء يقتصر عملهم على المستشفيات الحكومية أو الحالات القهرية التي لا يكون العلاج فيها ناجعا”.
في نسبة مئوية صادمة، أكد حميدي أن نحو 60 بالمئة، من السوريين يعانون من “مشاكل في الصحة النفسية”، في وقت زادت فيه حالات الاضطراب النفسي مؤخّرا في المجتمع السوري جراء الحرب وما تبعها من تداعيات، شكّلت الصحة النفسية واحدة من أخطرها.
تزامنا مع قلة الاهتمام بالصحة النفسية، فإن الصحة النفسية تعاني من إهمال مجتمعي حتى قبل سنوات الحرب في سوريا، ويقتصر العلاج النفسي على الحالات التي يصل بها الاضطراب النفسي إلى الخلل العقلي، وهنا يتجه المريض إلى مشفى الأمراض العقلية في سوريا.
ما سوى ذلك فإن المجتمع السوري، لا يتعامل مع الموضوع على أنه مرض أو أزمة يحتاج فيه المريض إلى جلسات “علاج نفسي” بواسطة مختص، والأخطر من ذلك أن هذه الاضطرابات انتشرت مؤخرا بشكل كبير بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد، فيما يحاول معظم الذي يتعرضون لهذه الاضطرابات كتم مرضهم وعدم التعبير عن نفسياتهم الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابتهم بجلطة مفاجئة.
“للأسف شبابنا غير واعيين لما يتعرضون له” قال الطبيب النفسي مجد المحمد، مؤكدا أن الاضطرابات النفسية التي يعيشها كثير من السوريين وخاصة فئة الشباب تحتاج إلى تحرك عاجل وميزانيات هائلة، لتوفير الظروف المناسبة والآمنة لتشجيع الشباب على التوجه نحو اهتمامهم بالصحة النفسية.
المحمد أضاف ،“في سوريا مراكز العلاج النفسي قليلة جدا وغير موثوقة، هذا فضلا عن تكاليفها المرتفعة، نحن نتحدث عن شاب مصاب باضطراب نفسي غالبا لأسباب اقتصادية، فكيف نقول له اذهب لطبيب نفسي تصل جلسته الواحد إلى نحو 50 ألف ليرة سورية”.
تحذيرات من تفاقم الوضع
بالعودة إلى الأخصائي حميدية، فقد حذر في تصريحات نقلتها منصة “غلوبال نيوز” المحلية، من أن تجاهل العلاج النفسي قد يؤدي إلى تطور الحالة نحو الأسوأ ويزيد الضغط على المريض، “وقد تتحول الحالة البسيطة إلى مرض قهري”، لافتا إلى أولوية العلاج السلوكي على الدوائي الذي ينحصر تأثيره بنسبة لا تتجاوز الـ 30 بالمئة فقط.الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها سوريا، ساهمت في زيادة معدلات الضغط النفسي على السوريين لا سيما الشباب، مما ساعد في انتشار أمراض القلب بين هذه الفئة في ظاهرة تُعدّ الأخطر طبّيا على البلاد.
رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي زاهر حجو، أكد أن مراكز الطب الشرعي في سوريا، تسجل ازدياد حالات وفيات الشباب نتيجة إصابتهم بمرض احتشاء القلب، مشيرا إلى أن وفيات الشباب نتيجة الجلطات “موضوع خطير نتيجة ارتفاع الأرقام“.
من جانبه اعتبر الطبيب النفسي تيسير حسون، في تصريحات للإذاعة ، أن الضغط النفسي هو المسبب الرئيسي لانتشار هذه الجلطات بين الشباب، مؤكدا أن أقسام القلبية في المشافي تشهد انتشارا كبيرا للجلطات القلبية بين الشباب “نتيجة الضغط النفسي، جراء الضغوطات المتزايدة يوم بعد يوم لاسيما الاقتصادية“.
مدير مشفى ابن سينا للأمراض العقلية في دمشق أيمن دعبول، كشف في وقت سابق عن قلة الأخصائيين النفسيين في سوريا، حيث أكد أن عدد الأطباء في سوريا حاليا يبلغ 45 طبيبا في كافة أنحاء البلاد، ولفت دعبول إلى أن حاجة البلاد إلى الأخصائيين النفسيين، “تصل إلى 10000 طبيب نفسي بالحد الأدنى، وذلك بالنظر إلى عدد السكان“.
انهيار الوضع المعيشي وانعدام الفرص أمام الشباب، الذي يسعى معظمه للبحث عن أية فرصة للخروج من سوريا، هي أبرز الأسباب التي قد تؤدي بالشباب السوريين إلى الإصابة باضطرابات النفسية، الناتجة عن الإفراط بالتفكير حول مستقبلهم، كذلك فإن توجه فئة واسعة منهم إلى عدم مشاركة همومهم مع الآخرين وعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف العلاج النفسي، يزيد من احتمال حدوث الكارثة.