الثقافة الديمقراطية(١)
مقدمة:
كانت الديمقراطية موضوع نقاش طويل، لم تنجح خلالها المناقشات والجدالات والتطبيقات والممارسات حول إعادة إنشاء الديمقراطية « في الوصول إلى اتفاق على بعض الأسئلة الأساسية عن الديمقراطية، كما لم تقدم أمثلة حقيقية عنها، حيث كانت موضوعاً لتنظير الفلاسفة أكثر منها نظاماً سياسياً يتبناه الناس ويمارسونه ».يحدد روبرت . أ. دال معنى الديمقراطية بأنها:
وضع مجموعة من القواعد والمبادئ – أي دستور – يحدد كيفية اتخاذ قرارات الجمعية، وفيه يعامل جميع الأعضاء (في ظل الدستور) كما لو كانوا جميعاً مؤهلين بشكل متساو للمشاركة في عملية اتخاذ القرارات بشأن السياسات التي ستتبعها الجمعية.
ثم ينتقل للحديث عن المقاييس التي يجب أن نستخدمها لتقرير ما إذا كانت الحكومة ديمقراطية ، وإلى أي مدى ، فيقول: إن المعايير العملية هي التي تصف نظاماً ديمقراطياً مثالياً أو كاملاً ، وبما أنه لا يمكننا ـ في غالب الظن ـ أن نصل إلى « نظام ديمقراطي كامل» وذلك نظماً للقيود الكثيرة التي يفرضها علينا واقع الحياة ، فإن المعايير تقدم لنا المقاييس التي يمكن أن توصلنا إلى درجة «أقرب من الوضع المثالي».
فالديمقراطية ـ طبقاً لما يقوله روبرت . أ. دال ـ تتيح لنا فرصاً في المشاركة الفعالة والمساواة في التصويت ، والحصول على فهم مستنير، وممارسة السيطرة النهائية على جدول الأعمال، وتضمين البالغين، وهذه الفرص الست هي معايير العملية للديمقراطية.
ويقدم روبرت . أ. دال جملة من الأسباب تجعل الديمقراطية خياراً عالمياً، فالديمقراطية تساعد على تجنب الاستبداد، كما تضمن لمواطنيها عدداً من الحقوق الأساسية، ومدىً واسعاً للحرية الشخصية، وتساعدهم على حماية مصالحهم الشخصية الأساسية، كما تعمل الحكومة الديمقراطية على إتاحة الفرصة القصوى للأشخاص لممارسة حرية تحقيق الذات، أي أن يعيشوا في ظل قوانين من اختيارهم. إن الديمقراطية كفلسفة وكممارسة تعد محصلة من محصلات المشروع السياسي الحداثي.
الذي يسلم بجملة من المقدمات النظرية الكبرى، وتوجهه قواعد محددة تم إبداعها ، داخل سيرورة معقدة من الصراع السياسي التاريخي العقائدي الطويل، حيث تبلورت قناعات ومبادئ سياسية جديدة، في فكر وواقع النخب السياسية المتصارعة في التاريخ الحديث والمعاصر.
ومن هنا صعوبة عزل هذه التجربة عن مجراها التاريخي النظري العام، وكل عزل لهذه التجربة عن هذا المجرى، يفقرها، ولا يولد ما يكفي من التصورات القادرة على إسنادها وتعزيز مساراتها الواقعية.
إن إيماننا بالحداثة السياسية، يصاحبه إيمان مماثل بنظرتنا إليها من زاوية أنها عبارة عن أفق مفتوح على كل ممكنات الإبداع الذاتي في التاريخ، فلا يمكن تصور إمكانية تحقق الحداثة بالتقليد، بل إن سؤال الحداثة في أصوله ومبادئه العامة يعد ثورة على مختلف أشكال التقليد.
إن الاقتناع بالمبادئ الكبرى الناظمة للمشروع الفلسفي الحداثي، في النظر إلى الإنسان والتاريخ والمعرفة، يتيح لنا إطارا جديدا للتفكير في حاضرنا ومستقبلنا، بصورة مختلفة عن سقف القناعات المهيمنة على ذهنياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية، ويفتح أمامنا إمكانية تأسيس المشروع الديمقراطي، باعتباره مشروعا تاريخيا قابلا للتطوير والتجاوز، أي قابلا لبناء وإعادة بناء التوافقات السياسية التاريخية والعقلانية، المطابقة لإشكالاتنا السياسية والتاريخية.
يتعلق الأمر في موضوع أسئلة الحداثة السياسية في الفكر العربي، بالتفكير في ضرورة مراكمة رأسمال رمزي يوطن مشروع الحداثة في فكرنا، لتعزيز فرص التحول الديمقراطي بإسنادها نظريا، وذلك بفتح نقاش معمق حول مجموعة من الأسئلة، من قبيل: كيف يمكن تفكيك سقف القيم السياسية المنتشرة والمهيمنة في المجال السياسي العربي؟ ما هو دور التربية والتعليم في تفكيك الأنماط والبنيات الفكرية التقليدية السائدة؟ كيف يمكن بلورة وتطوير ثقافة ديمقراطية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية؟
تفتح هذه الأسئلة موضوع الديمقراطية على فضاء التاريخ، إنها تفتحه على الفكر الديمقراطي، فكر الحداثة السياسية، لا لنقوم بنسخه، بل لنعمل على إعادة بنائه في ضوء الخصوصيات المحلية، والإشكالات المرتبطة بها.
ونحن نعتبر أن نجاح المعارك الديمقراطية في الجبهة السياسية والاجتماعية والثقافية مرهون بتوسيع دائرة النقاش في الجبهات الأخرى، وفي الأزمة العميقة التي تعاني منها الأنظمة التسلطية في أغلب البلدان العربية، ما يؤكد أهمية التفكير في أسئلة الحداثية السياسية في الفكر العربي، وأسئلة التحديث في الواقع العربي.
تتيح أسئلة التفكير في رسم حدود ومعالم المجال السياسي في الفكر العربي، إمكانية التخلص من كثير من الظواهر التقليدية الموروثة، حيث تنصب هذه الأسئلة على أشكال الاختلاط والتداخل القائمة في الفضاء السياسي العربي.
إن الدفاع عن استقلال المجال السياسي، ومحاولة بناء وترتيب المكونات المحددة لملامح هذا المجال وبصورة عينية، تجعلنا نفكر في إشكالات فلسفية هامة، من قبيل أشكال التقاطع القائمة بين المجال الأخلاقي ومجال القيم السياسية، تقاطع المقدس مع السياسي، وعندما نضيف إلى هذه القضايا النظرية الكبرى الأسئلة الفرعية المتعلقة بالصراعات السياسية الاجتماعية والثقافية القائمة في الواقع، في مستوى مواجهة التأخر التاريخي المتواصل نتأكد من درجات الاختلاط الحاصلة، ونتبين أهمية الأسئلة المرتبطة بموضوع تعيين قسمات وملامح الفضاء السياسي في الفكر العربي المعاصر.
العنصر الاول مقدمات حول الديمقراطية:
ان البحث في الثقافة الديمقراطية هو بحث في مجموعة من الاسئلة الحيوية والخطيرة والهامة .
السؤال الاول: كيف اصبحت الديمقراطية ممكنة وكيف استطاع الانسان تقيد السلطة بالقانون واخضاعها للقانون ممكنا .
فالسلطة السياسية التي تتركز في يدها اجهزة الاكراه والالزام الاجتماعي كيف استطاع الانسان ان يعالج الامراض التي نشأت عن الشأن السياسي ويروض هذه السلطة.
خلال مراحل التاريخ الانساني هناك محاولات عديدة لمعالجة الشان السياسي عبر سلسلة من الافكار منها محاولة افلاطون والبحث عن الجمهورية الفاضلة ومنها محاولة الفارابي وتعليقه لمعالجة الشان السياسي على الصفات والشروط في رجل الحكم صاحب الامر ومنها نطرية العقد الاجتماعي وفصل السلطات وسيادة الشعب وغيرها من النظريات .
فاخضاع السلطة السياسية للقانون لم يكن قرارا فوقيا وانما كانت نتيجة حراك معرفي واجتماعي طويل تمخض عنه الديمقراطية بشكلها الحديث هذه الحركيات الكبرى حصلت في العقليات والذهنيات على مدى قرون غيرت في بنية وقناعات الانسان والتي كانت السبب في امكان البناء الديمقراطي ولولاها لما كانت الديمقراطية ممكنة فالديمقراطية قديمة وتبدا من عصر الفلاسفة اليونانين وتمر عبر مراحل لتصل الى عصر النهضة ونتيجة للتحولات العميقة في الوعي والثقافة ساعدة في ظهور الديمقراطية كمكتشف معرفي .
وبدون البحث عن الحركيات الثقافية لايمكننا ان نفهم الادوار الحقيقية التي لعبتها الديمقراطية كثقافة في المجتمعات الحديثة والتي تشربت هذه القيم فالديمقراطية ليست مجرد تداول على السلطة وانتخابات بل هي ثقافة ولها مقاصد اجتماعية وسياسية تسعى الديمقراطية لتحقيقها .
السؤال الثاني: كيف استطاع الغرب مواجهة والقضاء على الافكار الانقسامية والفتنوية.
السؤال الثالث: كيف استطاع الغرب مواجهة والقضاء على الاستبداد والطغيان.
ما الذي يمنع قيام نظام ديمقراطي عربيّ، اليوم، رغم نجاح “ثورات” في إسقاط أنظمة فاسدة؟ وما الذي يحملنا على رفض اختزال الديمقراطية إلى مجرد آليات انتخابية حرة ونزيهة (على فَرَض أنها كانت كذلك في الحالة العربية ما بعد “الثورة”)؟
نعم، المانع دون قيام نظام ديمقراطي في بلداننا مانعٌ سياسي:
تجذر الاستبداد والكلانية (التوتاليتارية) في المجتمع السياسي: سلطةً ومعارضة .
لكنه كذلك بسبب انعدام الشروط الثقافية والاجتماعية والتحتية لكل ديمقراطية، فالفكر والوعي العام يعانيان غياباً فادحاً للثقافة الديمقراطية . والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية خِلوٌ من القيم الديمقراطية .
ثقافتنا مُصابة بالمطلقية، لا نسبية فيها ولا حسّ واقعياً، ومجتمعنا مصاب بالانغلاق على تقاليده، لا تسامح فيه ولا اعتراف بآخر مختلف
لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، ولا ديمقراطيين من دون تربية ديمقراطية وعلاقات ديمقراطية . وهذه لا تكون من دون ثورة ثقافية، وإصلاح ديني، وتجديد في علاقات الاجتماع، وتفكيك للبنى والذهنيات الموروثة والمغلقة .
ان تطبيق الديمقراطية يتطلب شروطاً يجب توافرها مثل الوعي السياسي، المستوى التعليمي، وتطور مفهوم المواطنة بإطاره القانوني، والولاء للدولة كحاضنة للجميع.
الديمقراطية لا يمكن أن تتواجد في كيان معزول خارج جسم الظروف التاريخية والوجود البشري، وإمكانياتها وحدودها تعتمد على البنى الاجتماعية القائمة وظاهر الوعي، فهي قيمة أو مجموعة قيم لابد من توافرها حتى ينتج عنها سلوك.
إذن هي حالة ذهنية يجب أن تدرك وتستوعب مضامينها في العقل البشري كجزء من ثقافته العامة، فلا يمكن للسلوك الديمقراطي أن يكون من دون توفر القيم ذات الطابع الديمقراطي، فحالة التحول المطلوبة من إطار سلطوي إلى آخر ديمقراطي تحتاج لوعي، أو إدراك لجوهر ومضامين القيم الديمقراطية والتي هي متعلمة، ومكتسبة ولها علاقة بالخبرة والممارسة الإنسانية.
صحيح أن الديمقراطية مذهب فلسفي يعيد أصل السلطة السياسية إلى إرادة العامة “إرادة الشعب” لأنه مصدر السلطات، وتعود على شكل النظام السياسي إذ نميز بين نظام سلطوي وآخر ديمقراطي، لكن مقصدنا هنا الحديث عن مضامين الديمقراطية كقيم ثقافية واجتماعية، فالقيمة الأولى هي أن الفرد بحد ذاته قيمة، وحريته نقطة الانطلاق فلا يجوز تقييده أو تكبيله باسم السلطة ومن قبلها في مجالات الحياة وفضاءات السلطة، فهي أي الديمقراطية تروج لفكرة الحرية، وحق تقرير المصير، والاختيار، والاستقلال الذاتي المعنوي ومسؤولية الفرد عن اختياره، وحماية مصالحه والخبرات التي يشارك بها الآخرون، ناهيك عن احترام كرامة الإنسان كانسان بغض النظر عن عرقه أو دينه أو جنسه واحترام حرية الرأي والاعتقاد، والتعبير بكافة الإشكال وبقية الحريات كما هي الحقوق من مدنية وسياسية. الحقوق التي ولدت معنا والتي اكتسبت من وجود التنظيم السياسي الذي تطور مع تطور المجتمعات البشرية.
ولا ننسى أن من مضامين الديمقراطية مبدأ سيادة القانون كمعيار يتم التعامل به مع الجميع وهو ما يسمى المساواة أمام القانون والمساواة الأخلاقية الذاتية لكل الأفراد باختيار ما هو أفضل لذاته والمساواة السياسية بين المواطنين، والمساواة في توزيع عوائد الموارد والثروة.
التعددية السياسية والتي تعني التنوع بأشكاله المختلفة، الثقافة، الرأي، والفكر الذي ينظم من خلاله المجتمع متجها نحو مفهوم تداول السلطة السياسية والتي هي أهم مضامين الديمقراطية، يضاف إلى ذلك مضامين مثل: التسامح، والحياد القيمي، والعقلانية.
أما مزايا الديمقراطية فهي تعمل على معاملة الجميع على قدم المساواة وتلبية احتياجات المواطنين استناداً لمطالبهم الجمعيّة، وتدفع باتجاه الحوار والإقناع والسعي للحلول الوسط وترسيخ السلم الاجتماعي، وكفالة وحماية حقوق الإنسان وحرياته وتدفع باتجاه تجديد قوة المجتمع من خلال عمليات التجنيد السياسي التي يؤدي لبروز قيادات منتخبة بنزاهة وبحرية، وعدالة فهي توفر القيادات السليمة والفاعلة.
إن تطبيق أو تعزيز الديمقراطية يتطلب شروطاً يجب توافرها مثل الوعي السياسي، المستوى التعليمي (التعليم)، وتطور مفهوم المواطنة بإطاره القانوني، والولاء للدولة كحاضنة للجميع ورمز يحترم ويضحى من أجله وانحسار الانتماءات الضيقة والتقليدية، وأهمية وجود طبقة متوسطة عريضة لأنها الأساس في التغيير والاستقرار، ووجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة مثل الأحزاب السياسية، والجمعيات والنقابات والاتحادات النوعية، يضاف لذلك مستوى معيشي جيد يستطيع الفرد من خلاله تلبية احتياجاته ومتطلباته الحياتية فالخبز قبل الديمقراطية.
إن نجاح الديمقراطية يعتمد على توفر البيئة الاجتماعية الحاضنة لتلك المضامين القادرة على تنميتها وحمايتها والحفاظ عليها، وتوفر الشروط اللازمة لانطلاقها من خلال دور فاعل لوسائل التنشئة السياسية المختلفة لتصبح تلك القيم والمضامين جزءاً جوهرياً من الثقافة العامة والسياسية كنمط فرعي، فالديمقراطية لا تنمو بالشعارات بقدر ما تنمو من خلال زرع قيمها ومضامينها في العقل البشري لممارستها في الحياة العامة كمنهج عام.
أن تربية الوعي السياسي وتنميته مهمة تقع على عاتق المثقفين المستنيرين الذين ينبغي عليهم القيام بدور تنويري خطير فيما يشبه ما قام به المفكرون والفلاسفة التنويريين في أوروبا في القرن الثامن عشر فمهدوا بذلك لقيام الثورة الفرنسية وما نحن في أمس الحاجة إليه هو هذا الوعي السياسي الذي يحقق توحداً بين ماهية الإنسان وحريته بحيث يفقد وجوده في الحال إذا فقد حريته.
ثم يشير الدكتور إمام عبد الفتاح إلى أحد الجوانب السلبية لغياب الوعي السياسي وهو ما تمثل في الفهم المغلوط بشأن تطبيق النظام الديمقراطي حيث ذهب كثيرون إلى معارضة تطبيق مثل هذا النظام بدعوى أنه نظام غربي مستورد فكيف يجوز لنا نحن العرب أن ننقل عن الغرب تجربته وهو ما يعتبره الدكتور إمام عبد الفتاح يدل على قصور في الوعي لعدة أسباب أن الديمقراطية، حسبما أشار، إنما هي تجربة إنسانية وليست نظاماً غربياً، فهي تجربة إنسانية عالمية في المقام الأول وليست تجربة الآخرين المختلفين عنا.
ثم يذكر أن اليابان تطبق الديمقراطية وهي ليست دولة غربية وأن الهند كذلك تطبقها وهي ليست دولة غربية فضلاً عن دول آسيوية كثيرة وربما افريقية كذلك تسير في نفس الطريق.
متسائلاً: ألا يدل ذلك ـ وفق المؤلف ـ على أنها تجربة إنسانية؟ثم يتساءل عن أبعاد الحساسية من الديمقراطية الغربية ونحن نستفيد ونقتبس وننقل من الغرب آلاف الأفكار في جميع المجالات من السينما إلى المسرح إلى الإذاعة والتلفزيون.. فهل نوافق على ذلك كله ثم نرفض نقل العلاج لأمراضنا السياسية كما ننقل عنهم العلاج لأمراضنا الجسمية ؟
يفتح آلان باديو في كتابه ”جمهورية أفلاطون” إمكانية النظر إلى الشرط الأفلاطوني للحكم، الحكمة، والتي هي شرط ضروري ومعقول في كل الأحوال، باعتبارها قد تصبح فرصة لتعميق الديمقراطية بدل إلغائها، وذلك حين نساهم في رفع مستوى الشعب الذي هو صانع القرار في النظم الديمقراطية إلى أعلى قدر ممكن من المعرفة والحكمة والتفكير “المثالي” والمرتبط بالقيم الكونية.
وإذا كان أفلاطون يدعو إلى حكم الفلاسفة، فالسبب كما يشرح ذلك باديو أن الفلاسفة يتميزون بالقدرة على التحرّر من المصالح الخاصة والأنانية الضيقة، وذلك هو الشرط الأساس للتفرّغ لتدبير المصلحة العامة في طابعها الكوني والمجرّد.
بمعنى أننا نستطيع من وجهة نظر باديو أن نستنتج من الموقف الأفلاطوني فرصة لترسيخ الديمقراطية المهددة بفعل سطوة المصلحة الخاصة، وذلك بأن نرسخ ثقافة شعبية متحررة بدورها من تسلط المصالح الخاصة.
وبدل أن يحكم الحكماء، يمكننا أن نجعل الشعب يرقى إلى مستوى معقول من الحكمة والقدرة على تمثل فكرة الخير العام.
وهذا هو الخيار الأفضل والأضمن بالنسبة لمستقبل الديمقراطية.على أنّ المستوى الذي يلتقي فيه الفيلسوف “اليساري” الفرنسي ألان باديو مع الفيلسوف “اليميني” الأميركي ليو شتراوس هو المستوى الذي يؤكدان فيه حاجة المجتمعات المعاصرة إلى نوع من القيم المتعالية والمطلقة على طريقة مُثُل أفلاطون، مثل الخير والفضيلة والحق ونحو ذلك.
لكن يتجلى الفرق الأساس بين الفيلسوفين في أن آلان باديو يدعو إلى تحرير فكرة المثل الأفلاطونية من التأويل الديني المسيحي الذي تعرضت له، والذي جعل الناس يتصورونها وكأنها مرادف للماورائيات الدينية، في المقابل يفتح ليو شتراوس الباب على مصراعيه أمام عودة القيم الدينية المحافظة نفسها لأجل دعم حاجة المجتمعات إلى المُثل ومناهضة نزعة النسبية الثقافية، والتي أضعفت مفاهيم الخير والفضيلة والحق، وجعلت كل شيء نسبيا حتى العدالة نفسها.
يتفق آلان باديو وليو شتراوس على أن نزعة النسبية الثقافية هي الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه الأخيرة التي تفترض نوعا من المعايير الكونية وحتى المتعالية إلى حد معين.
لقد انتهت نزعة النسبية الثقافية بالنسبة لليو شتراوس إلى صعود النازية بعد أن أصبح كل شيء نسبيا بما في ذلك قيم العدالة والديمقراطية نفسها، وانتهت نزعة النسبية الثقافية بالنسبة لآلان باديو إلى تفشي قيم الأنانية والمصالح الخاصة وقيم السوق، ودمرت بالتالي نسيج التضامن الاجتماعي، ومن ثم أضعفت قدرة الشعوب على الاهتمام بالشأن العام كشرط أساس لازدهار الديمقراطية.
بالنسبة لليو شتراوس في كتابة “ما هي الفلسفة السياسية؟” فإنّ الديمقراطية تدهورت جرّاء موجات الحداثة السياسية نفسها، والتي انطلقت مع مكيافيلي خالية من أية مثل أخلاقية، وأفضت مع نيتشه إلى انهيار كامل لكل القيم والمثل العليا، ومن ثم لم يعد بالإمكان التعامل مع الديمقراطية نفسها باعتبارها قيمة مثالية، وإنما باعتبارها مجرّد حالة نفعية يمكن التغاضي عنها إذا ظهرت منفعة مختلفة. لأجل ذلك يدعو شتراوس للعودة إلى الفلسفة الكلاسيكية على رأسها أفلاطون فضلا عن الفارابي وابن ميمون.
هكذا، يمنحنا الفيلسوفان آلان باديو وليو شتراوس فرصة أخرى لإعادة قراءة فلسفة أفلاطون من جديد، وتوظيفها هذه المرّة في اتجاه حماية الديمقراطية وإعادة بناء أسسها وتأمين مستقبلها.
تاريخ تطور مفهوم (الديمقراطية)
مفهوم الديمقراطية تبلور استجابة لإسهامات العديد من المفكرين من ثقافات وحضارات مختلفة حتى عندما كانت الديمقراطية تعني بالنسبة لهم معان تختلف عما تعرف به الديمقراطية اليوم ، بما أدى بالبعض لاعتبار الديمقراطية بمثابة تراث مشترك للإنسانية وأصبحت الديمقراطية تلقى قبولاً عاماً من مختلف الشعوب والنظم السياسية.
فبالعودة للحضارة اليونانية كان السوفسطائيون أمثال “بوروتاجوراس” و”بروديقوس” و “جرجياس” قد اهتموا بالتربية والتعليم في إطار الاهتمام بالإنسان عموماً مقابل اهتمام الفلاسفة السابقين بالطبيعة.
ومن إسهام السوفسطائيين الفكري الذي تأثرت به نظرية الديمقراطية الحديثة فكرة المشاركة الشعبية حيث رأوا توزع الفضائل السياسية وعلى رأسها العدل على البشر دون تمييز، وهو ما يؤدي إلى قدرة كل يوناني على معالجة أمور مدينته السياسية، كما أن قولهم بالنسبية وعدم احتكار الحقيقة أسس لفكرة الديمقراطية التي تقوم على التنافس السلمي على السلطة، وعدم تحول هذا التنافس إلى صراع، فاحتمالات الصراع تزداد إذا آمن أحد أطراف اللعبة السياسية بأنه وحده يملك الحقيقة المطلقة فيسعى لفرضها على الآخرين ولو أدى ذلك لإقصائهم و استئصالهم.
لكن تجلى الموقف السلبي للسوفسطائيين في اعتبارهم القوانين الوضعية السائدة قد سنَّت لتحقيق أهداف واضعيها, ومن ثم يجب على الفرد العاقل أن يحاول تجنب العمل وفق القوانين الوضعية.وفي مقابل هذه النسبية المتغيرة, جاء سقراط وتلميذه أفلاطون بفلسفة مثالية تقدم الوجه الآخر المعارض لفلسفة السفسطائيين؛ فنبّه سقراط إلى خطورة مثل هذا الرأي على استقرار الدولة، لأنه قد يؤدي إلى فردية متطرفة إذ يؤكد كل منهما على أن القيم الأخلاقية موجودة وجوداً ثابتاً لا يتغير, ومنها تنطلق كافة القوانين والأنظمة، واعتبر سقراط القانون هدفاً أسمى، وهكذا يعيد سقراط للقوانين قدسيتها، تلك القدسية التي نال منها السفسطائيون.
ورأى سقراط أن مصالح الأفراد لا بد من أن تتفق مع الصالح العام للمجموع, لأن الخير الفردي لا يمكن أن ينفصل عن الخير العام، وقد انعكست أفكار سقراط على نظرية الديمقراطية بأخذها بفكرة حكم القانون في الدولة الديمقراطية التي تعمل للصالح العام.
وقد تأثر الفكر السياسي الروماني بالفكر السياسي اليوناني، وظهر العديد من المفكرين السياسيين في روما, على رأسهم بوليبيوس, وشيشرون.
وقد حقق الرواقييون أولى الخطوات على طريق الانعتاق من عقلية المجتمع القبلي المنغلق من خلال قولهم بمبدأ: وحدة طبيعة الإنسان، ومشاركة جميع البشر فيها.كما ظهرت نظرية القانون الطبيعي أول مرة على يد فلاسفة الاغريق المتأخرين وبخاصةٍ الرواقيين stoiciens في أواخر العصر الاغريقي عندما أخذ الفكر السياسي يتحرّر من طغيان فكرة الدولة ويرى للفرد وجوداً ذاتياً مستقلاً عن الدولة أي وجوداً طبيعياً غير وجوده السياسي ، مناقضاً بذلك تعاليم أرسطو.
وقد كان القانون الطبيعي أساساً لفكرة الحقوق الطبيعية للفرد التي لا يجوز للدولة أن تتجوز عليها لأنها موجود قبل وجود الدولة التي لم تنشأ إلا لحماية هذه الحقوق.
صاغ شيشرون نظرية القانون الطبيعي وذهب إلى وجود قانون طبيعي منتشر في جميع البشر وإلى أن الناس أحرار بخضوعهم لهذا القانون وإلى أنهم في ضوئه متساوون ؛ وإنما هم متساوون في تكوينهم النفسي وفي كونهم كائنات عاقلة وفي تمييزهم المشترك بين الخير والشر.
واستمرت فكرة القانون الطبيعي على مدى قرون سلاحاً لمقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والمساواة فالقانون الطبيعي بهذا الوصف ليس لأي حاكم أن يناقضه وهو يجعل البشر سواء فيما بينهم ويجعلهم مواطنين على نفس المستوى ويجب أن تخضع الدولة وتشريعاتها للقانون الطبيعي.
وإذا كان واضحاً أن هذه النظرية قد وجهت الفكر الأوروبي نحو تدعيم حرية الفرد وذاتيته المستقلة فإنه يمكن القول إنها أسهمت أيضاً في دفع هذا الفكر في الاتجاه المؤدي إلى تكريس سيادة العقل الفردي .هذا الاتجاه إلى تكريس سيادة العقل سوف يتلقى في القرن الخامس الميلادي دفعة قوية على يد القديس أوغسطين ، وتاتي المرحلة القلقة من مراحل العصر الوسيط ليظهر القديس توماس الاكويني.
وتتجاوب رؤيته للسلطة السياسية مع رؤيته للإنسان : فالسلطة التي هي حق إلهي طبيعي ، مفوَّضة إلى الشعب ، بمعنى أن الشعب يختص بتعيين الحكام من وسطه .
لقد عرّف هيجل الدولة بأنها المطلق ، وفي نظر الفقيه الفرنسي العميد ديجي Duguit فإن جوهر الدولة يكمن في فرق القوة بين الحكام والمحكومين؛ أما كانت فقد أصلّ القانون، الذي هو نظام حياة الدولة، في القوة .
أما المفكر الهولندي (غروسيوس) فقد انتهى إلى القول: بأن القانون الطبيعي هو قرار عقل سليم ينير في أمر من الأمور فيحكم عليه بحسب مناسبته او مخالفته للطبيعة العاقلة وبذلك أسس لفكرة الحقوق الطبيعية المتميزة عن الحقوق الوضعية فهي حقوق لا يمكن انتزاعها، أو التنازل عنها كما انبثق من فكرة القانون الطبيعي الاعتقاد بوجود قيود على السلطة الحكومية، الأمر الذي يلزم الأفراد والسلطة بالخضوع لهذا القانون.
وترتكز أعرق الوثائق القانونية البريطانية التاريخية على مبادئ القانون الطبيعي.
ومن أشهر وأقدم هذه الوثائق وثيقة العهد الأعظم (الماجناكرتا) التي صادق عليها الملك عام 1215م، رغم اعتراضه على بنودها.
وقد تمخض عن هذه الوثيقة خضوع الحكومة للقانون.
وفي عصر النهضة دعا مارسيليو دي مينارديني إلى مجتمع جمهوري قائم على السيادة الشعبية في حين دعا جون فورتيسكو إلى الحدّ من السلطة الملكية،و اعتبارها مرتبطة بإرادة الشعوب، وتابعه في هذا جورج بوخينان.
ومن الأفكار التي قدمها ماكيافللي وكان لها انعكاسها على مفهوم الديمقراطية أهمية القانون لتنظيم المجتمع وأن يكون القانون معبراً عن المصلحة العامة وخطورة الفساد على استقرار النظام السياسي.
إلا إنه يمكن القول أن العديد من أفكار الديمقراطية الحديثة كان انعكاساً مباشراً لأفكار مفكري العقد الاجتماعي الذين قدموا مفهومين أصبحا فيما بعد من الأسس الجوهرية لنظرية الديمقراطية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هما :السيادة الشعبية، ومعناها أن شرعية الحاكم تنبع من موافقة الشعب، والثاني : العقد الاجتماعي، ويعني أن الدولة هي نتاج عقد بين أفرادها، وككل عقد فهو يرتب حقوقا واجبات.
ومن مفكري العقد الاجتماعي توماس هوبز وجون لوك فقد ألهم الديمقراطية الحديثة بأفكاره عن الحرية والمساواة و الفصل بين السلطات وحق مقاومة الحكم المستبد وتمثل إسهام جان جاك روسو في كتاباته (مقال في أصل التفاوت بين الناس) حيث قدم مفهوم الإرادة العامة والسيادة الشعبية.و يرى روسو ان الحرية هي التي تميز الإنسان أكثر من الفهم وعالج روسو هذه المسألة التي في كتابه (العقد الاجتماعي) حيث يذهب إلى أن أن هذا الفرض (الحريات والحقوق) ممكن التحقيق عندما تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شعبا واحداً، وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون ارادة الكل تقر الكلي أي المنفعة العامة وأن الشعب لا يريد إلا المنفعة العامة. فالإرادة الكلية مستقيمة دائماً ومن يأب الخضوع لها يرغمه المجتمع بأكمله.
إن العقد الاجتماعي عند روسو ليس عقداً بين أفراد (كما عند هوبز) ولا عقداً بين الأفراد والسلطات (كما عند لوك) فبموجب هذا العقد، كما يرى روسو، فأن كل واحد يتحد مع الكل فالعقد هو بين المجموعة بحيث يضع كل واحد شخصه وقدرته في الشراكة تحت سلطات الإرادة العامة, وسيكون كل شريك متحداً مع الكل ولا يتحد مع أي شخص بشكل خاص.
إنّ آباء الثورة الفرنسية ، أعضاء الجمعية الوطنية ، وهم في غالبيتهم تلاميذ مدرسة جان جاك روسو يكرِّسون هكذا نظريته حول سيادة الإرادة العامة .
الدولة في تصور مدرسة العقد الاجتماعي ليست ضرورة طبيعية، بقدر ما هي ضرورة عقلية، هي لا تفرض وإنما تنشأ، لا يتحملها الإنسان بل يريدها، لأن مصلحته التي أظهر عقله فوائدها، فرضت عليه ذلك، فدولة مدرسة العقد الاجتماعي هي دولة الفرد والعقل، فهي دولة فردية عقلانية” لكن الأفراد.. يتشكلون من وعي يصبح نهجاً عندما يعتقد ويدافع عنه مجتمع يتوجه لبناء دولة العدل والرفاهية والمساواة.
وهكذا بذرت نظريات العقد الاجتماعي بذور نظرية الديمقراطية فنبهت الشعوب إلى أن لها دوراً في حياة أفرادها والكلمة الفاصلة يجب أن تقولها الشعوب لا الحكومات.
ناقشت هذه النظريات لأول مرة الحق الإلهي الذي استند إليه الملوك والأباطرة في حكمهم شعوب العالم.
ولأول مرة تجرأت هذه النظريات بالقول(لا أحد يملك الحق الإلهي على حياة الآخرين وإن الله لم يفوظ أحداً لكي يتحكم بمصائر ملايين البشر ويسوقهم وفق رغباته وأهوائه).
كان العقد الاجتماعي بداية اختمار فكرة الدساتير الحديثة التي قامت على أساس تمثيل الإرادة الشعبية العامة.
الدولة في تصور مدرسة العقد الاجتماعي ليست ضرورة طبيعية، بقدر ما هي ضرورة عقلية، هي لا تفرض وإنما تنشأ، لا يتحملها الإنسان بل يريدها، لأن مصلحته التي أظهر عقله فوائدها، فرضت عليه ذلك، فدولة مدرسة العقد الاجتماعي هي دولة الفرد والعقل، فهي دولة فردية عقلانية” لكن الأفراد.. يتشكلون من وعي يصبح نهجاً عندما يعتقد ويدافع عنه مجتمع يتوجه لبناء دولة العدل والرفاهية والمساواة.
وهكذا بذرت نظريات العقد الاجتماعي بذور نظرية الديمقراطية فنبهت الشعوب إلى أن لها دوراً في حياة أفرادها والكلمة الفاصلة يجب أن تقولها الشعوب لا الحكومات.
ناقشت هذه النظريات لأول مرة الحق الإلهي الذي استند إليه الملوك والأباطرة في حكمهم شعوب العالم. ولأول مرة تجرأت هذه النظريات بالقول(لا أحد يملك الحق الإلهي على حياة الآخرين وإن الله لم يفوظ أحداً لكي يتحكم بمصائر ملايين البشر ويسوقهم وفق رغباته وأهوائه).
كان العقد الاجتماعي بداية اختمار فكرة الدساتير الحديثة التي قامت على أساس تمثيل الإرادة الشعبية العامة.في كتابه المهم “روح القوانين”، حيث سعى إلى تعريف مبادىء الحكم الناجع.
ميز مونتسكيو بصورة جوهرية وقد بنى مونتسكيو على أفكار هوبز ولوك في كتابيه “روح القوانين” و”رسائل فارسية” وميز بين ما أسماه بالحكومات الملكية القائمة على رقابة دستورية ومؤسسات مدنية وسيطة وبين الحكومات الاستبدادية الخاضعة لأهواء الحاكم ورغباته الفردية دون أي وسائط سياسية مدنية.وعلى غرار لوك أصر مونتسكيو على أنه من أجل منع الاستبداد يجب عدم تركيز السلطة في يد الحاكم، لأن التجارب أظهرت أن أي فرد يتم منحه سلطة مطلقة فإنه يميل إلى إساءة استخدامها.ولذلك أيد مونتسكيو تقسيم سلطة الحاكم إلى أفرع مستقلة.
ولكنه بدلا من سلطتين، كما اقترح لوك، تحدث عن ثلاث سلطات: تشريعية (لسن القوانين) وتنفيذية (لتطبيق القوانين) وقضائية (لتفسير القوانين).
ويرى أنه لضمان وجود الحرية يجب عدم السماح لنفس الأفراد، مهما كان انتماؤهم الاجتماعي، بممارسة هذه السلطات مجتمعة وفي الوقت نفسه.كما يذهب مونتسكيو إلى ضرورة أن تكون فروع الحكومة المختلفة مصممة بطريقة تضمن إمكانية مراقبة كل سلطة للسلطة الأخرى، فلا ينبغي لأي سلطة أن تكون قادرة على ممارسة وظيفتها من دون موافقة ومراجعة السلطتين الأخريين.ويعتقد مونتسكيو أيضا أن حرية التعبير وما يطلق عليها في العصر الحديث “مؤسسات المجتمع المدني” مثل المؤسسات الدينية وهيئات الحكم المحلي والنقابات المهنية، تلعب دورا مهما في توازن السلطة عبر المجتمع.وقد غدت مفاهيم مونتسكيو حول فصل السلطات وتوازن ورقابة كل منها على الأخرى، بمثابة حجر الأساس في الدساتير الديمقراطية حول العالم.
لريناس بنافي .
المركز العربي الديمقراطي.