اصلاح ديني

ما هي الحداثة وما هو التنوير؟(٢)

اخذ الفلاسفة منذ عصر النهضة الأوربية يستعيدون افكار واراء الفلاسفة الاغريق، وبخاصة افلاطون وارسطو، ويطورونها ويضعون اللبنات الاولى للفكر الفلسفي الحديث، الذي عمق الصراع بين الدولة القومية الناشئة وبين هيمنة الكنيسة، وساعد على تطوير مذاهب فكرية وفلسفية واجتماعية واقتصادية جديدة مهدت الطريق لتطور العلوم الطبيعية والانسانية.وقد احدثت اراء رينيه ديكارت (1596-1650) اول ثورة في الفلسفة الحديثة في تطويره المنهج العلمي الجديد وتصديه للكون بوصفه آلة محكومة بقوانين الطبيعة الميكانيكية، والتي ابعدته تماما عن الاسطورية والرمزية والغائية، و كانت غايتها ان تبحث عن الكمال في النظام الرياضي للطبيعة، حيث عزل ديكارت العلم الفيزيائي عن العلل الغائية وارجعها الى الاسباب الكامنة وراء الاحداث الفيزيائية.

كما اعتبر ديكارت بان الطبيعة هي نظام منسق من القوانين القابلة لسيطرة الانسان. وقد نتج عن اراء ديكارت الفلسفية تياران هامان هما، التيار العقلي، كما ظهر عند سبينوزا ولابتنز، والتيار التجريبي كما ظهرعند جون لوك وباركلي وهيوم. وقد شكل التيار العقلي منذ ذلك الوقت اتجاها تفاؤليا، كان نقطة البداية للاتجاه النقدي، اما الاتجاه التجريبي فقد اتجه نقده الى العقل نفسه.

وكان لوك قد اعلن بان جميع معارفنا انما تاتي عن طريق الحواس، كما نقض هيوم العقل مثلما نقض الدين واتجه الى العلم.وقد انتجت اراء ديكارت الفلسفية تطور رؤية ذاتية للعالم و اصبح الانسان يرى صورته في مراة صافية يتمثل من خلالها العالم واخذ يدرك نفسه كذات مستقلة تميز نفسها عن الطبيعة، بل وتسيطر عليها وتستغلها. كم اخذ يستمد يقينه من ذاته وليس من سلطة اخرى غيرها. وقد اعتبر ديكارت مؤسس الحداثة الفلسفية بوضعه مبدء الذاتية “الكوجيتو” الذي يقول “انا افكر اذا انا موجود”!. وبهذا جعل ديكارت الانسان مركز الكون واساس الحقيقة واليقين.

واذا كان ديكارت مؤسس الحداثة الفلسفية, فان لايبتنز(1646-1716) هو اول مؤسس للحداثة الفلسفية على مبدء العقلانية، اذ ان “لكل شىء سبب معقول” وهو ما حول الانسان من متأمل للكون الى غاز له وباحث ومنقب عن ” اسباب معقولة ” فتحت امامه ابواب العلم الحديث ومنحته سلطة استعاض عنها عن الغاز الميتافيزيقيا القديمة.

و كانت الحداثة الفلسفية قد مهدت الطريق لظهور كانت على المسرح الفكري وتطويره للفلسفة النقدية، حيث اصبح النقد عنده سيرورة معرفية وفعالية فكرية، ثم تحول الى منهج نقدي يرتبط بالنشاط المتميز للعقل ويقوم على الجدل العقلي. كما اصبح النقد محورا للفكر الفلسفي والاجتماعي خضعت له جميع ظواهر الحياة من دون استثناء، الدين والمجتمع والقوانين, وبخاصة بعد صدور كتابه نقد العقل الخالص عام 1781.

وقد امتدت رياح التنوير الى الادب والفن والمسرح واللغة وفي جميع انحاء أوربا، حيث صدرت اعمال ادبية وفنية ومسرحيات نقدية وترجمت امهات الكتب الاغريقية، كما صدرت مجلات ادبية وعلمية وفلسفية. وقد ظهر في فرنسا كتاب ومفكرين عظام امثال فولتير وروسو وديدرو وفي انكلترا امثال هيوم وجونسون وبروان وفي ايطاليا فيكو وميكافيلي وغيره.

اما في المانيا فقد ظهر هيردر وغوته وشلر وليسنغ. وكانت لكتابات ليسنغ ومسرحياته الكوميدية والتراجيدية على سبيل المثال دورا هاما في تطور المسرح النقدي في المانيا، وبخاصة مسرحية “ناتان الحكيم” 1779، التي دعت الى الحوار والتسامح بين الاديان والتحذير من الاحكام المسبقة وعدم التسليم الاعمى للعقائد.

وبهذه الاقكار التنويرية عبر ليسنغ بصدق عن ما طرحه عصر التنوير حول العلاقة بين الدين والانسان.وقد انتج عصر التنوير تيارات فكرية ومذاهب سياسية ونظريات اجتماعية و فلسفية نقدية وحركات اجتماعية جذرية شملت جميع اوربا، وكان في مقدمتها فلسفة التاريخ وفلسفة القانون ونظريات العقد الاجتماعي والاشتراكيات الطوباوية وغيرها التي طبعت تاريخ الفكر الحديث في اوربا.

انقلابية عصر التنوير

يعتبر عصر التنوير عصر انتصار الفكر الاجتماعي والفلسفي التنويري الحر, الذي مهد الطريق لقيام الثورة الفرنسية والاعلان عن لائحة حقوق الانسان وترسيخ قيم الطبقة الوسطى فكرا وسلوكا وسياسة.يعني التنوير انبعاث الروح النقدية التحررية التي تخطت تشاؤمية العصور الوسطى وانتجت ابداعات ادبية وفنية وعلمية وثقافية اتسمت بالشجاعة الكافية لاستخدام العقل لمناهضة التفكير الغيبي والاسطوري وتحريره من الاوهام والخرافات وفتحه افاقا جديدة في البحث والدراسة والمعرفة واكتشاف المجهول.

وقد تميز عصر التنوير، الذي تطور خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، بتدفق تيارات فلسفية عارمة وافكار اجتماعية نقدية وحركات سياسية انقلابية انبثقت عن التحولات البنيوية التي صاحبت الثورة الصناعية في اوربا والتبدلات التي رافقتها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وبخاصة في فرنسا وانكلترا والمانيا, كما ساد مناخ فكري سيطرت فيه الفلسفات الحسية والعقلية وافرزت صراعات فكرية بين الاتجاهات الفلسفية المادية واللاهوتية والعقلية، الى جانب التيار الانساني والليبرالي وما رافق ذلك من جدل حول مفهوم الطبيعة البشرية.

وكان الهدف الرئيسي الذي سعى عصر التنوير الى تحقيقه هو تكوين “فلسفة جماهيرية ” تكون بديلا لفلسفة الطبقة الارستقراطية المحافظة وتهيئة الاذهان لتغيير الانظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية, التي باتت لا تتلائم مع روح العصر، وكان محورها الاساسي هو فكرة التقدم الانساني الذي ينبثق عن قدرة العقل البشري على السيطرة على الطبيعة وتسخيرها لصالح الانسان والمجتمع البشري. وكان من نتائج عصر التنوير احترام العقل ومناهضة التفكير الميتافيزيقي, انطلاقا من ان العقل البشري هو المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة.

ومن اهم الحركات التي ساعدت على تبلور الفكر الاجتماعي والفلسفي الحديث في القرنين السابع عشر والثامن عشر الحركة الانسانية التي تمثلت بافكار الانسكلوبيديين في العلوم والمعارف، والحركة السياسية التي تمثلت بمبادىء الثورة الفرنسية ولائحة حقوق الانسان.

انطلقت الحركة الانسانية من نقض الفكر الميتافيزيقي الذي ساد في العصر الوسيط ونادى بالعودة الى الطبيعة الانسانية، التي تنبع اصلا من الظروف الاجتماعية التي تحيط بها, تلك الحركة التي عبرت عن موقف فكري واضح المعالم يؤكد على ان منبع الافكار هو الواقع الاجتماعي بذاته. وكان من ابرز ممثلي هذه الحركة جان جاك روسو وفولتير وهلفسيوس وغيرهم من الانسكلوبيديين.

اما الحركة الثانية فكونت مشروعا سياسيا هدفه تأسيس دولة تنزل السلطة, بما فيها سلطة الافكار، الى المجال الشعبي، وتمثلت بالثورة الفرنسية واعلان مبادئ حقوق الانسان.والى جانب الثورة الفرنسية ذات الطابع السياسي تفجرت الثورة الفلسفية في المانيا على يد كانت, التي كانت تدشينا لفكر نقدي جديد مثل قطيعة مع ما سبقه من فلسفات.

وكان فولتير(1694-1778) اصدر عام 1732 “رسائل من لندن بواسطة الانكليز” اتخذ فيها موقفا معاكسا لشكل الحكم الانكليزي انذاك كما انتقد فيها الحكم الملكي المطلق. وقد احرق الكتاب في حينه، غير ان صدوره فيما بعد شكل بداية لحركة فلسفية اصبح لها معنى تاريخيا عالميا، بالرغم من انها لم تفهم بصورة جيدة في انكلترا انذاك للظروف التي كانت انكلترا تمر بها. كما انتقد فولتير التعصب الديني ونادى بفكرة التسامح, مثلما انتقد الكنيسة ودعا الى التمرد على سلطتها وطالب بتخلي الدولة عن وظيفتها في رعاية الكنيسة بدلا من رعاية افراد المجتمع.

وقد اعتبر العقيدة قضية شخصية ترتبط بالانسان وان كل شخص مسؤول امام خالقه وعليه ان لا يفرض تصوره الخاص للعقيدة على الاخرين.وقام جارلس مونتسكيو(1689-1755) برسم ملامح الحكومة الصالحة على اساس مبدأ فصل السلطات، اي الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو المبدأ الذي يستطيع تحقيق الحرية السياسية للافراد. وقد اعتبر القانون هو العقل البشري ذاته، الذي اخذ يحكم الشعوب والاقوام.كما اشرف دنيس ديدرو(1713-1784) على وضع موسوعة فلسفية شاملة للمعارف الانسانية تساعد على تربية “حس نقدي” لدى الافراد وتنويرهم عن طريق محاربة الجهل والخرافة وتعريفهم بمنجزات العقل في جميع المجالات العلمية والادبية والفنية والاقتصادية.أما جان جاك روسو(1712-1778) فقد دعا الى تحقيق الحرية السياسية وضمان الحقوق الطبيعية للافراد, التي تتوقف على مدى تمتع الشعب بحق السيادة.

وقد اعتبر الحرية هي جوهر الانسان وعلى المؤسسات السياسية ان تلتزم بضمان الحرية، وان افضل نموذج للدولة هو الذي يضع فيه الشعب القوانين وتكتفي الحكومة بتنفيذها وحمايتها. وان التربية الليبرالية ضرورية لانها كفيلة لجعل المواطنين يستوعبون قيم الحرية والديمقراطية والمصلحة العامة.لقد شكلت هذه الافكار التنويرية بذور الوعي الاجتماعي والسياسي, التي اثمرت في نهاية القرن الثامن عشر مبادىء، الثورة الفرنسية وتوجت بالاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1789.

سمي العصر الذي نمت فيه الحركة الفكرية والاجتماعية و الفلسفية التنويرية في فرنسا بـ ” عصر الايضاح”Eclaireissement. اما في المانيا فقد سمي عصر “التنوير” Aufklaerung، الذي تعود اليه جميع الحركات الاجتماعية و الفلسفية والسياسية المعاصرة بصورة مباشرة. وكانت اكثر تلك الحركات هي ردود فعل غير مباشرة لها، التي اعتبرت نفسها “تنويرية” ايضا.

وبعد ست سنوات على وفاة كانت في الثاني عشر من شباط 1804، اعتبر مفهوم التنوير، الذي هو في الاصل انكليزي، مفهوما سطحيا مرتبطا بالانتلجنسيا، كما ظهرت لاول مرة كلمة Enlihtenment كترجمة انكليزية لكلمتي Eclairissement,و Aufklaerung، التي حافظت على معناها العام السابق حتى الان.

وجاء اول تعريف لمفهوم ” التنوير” في كتاب ” الوصية” للأب ميسلي وذلك في عام 1725، حيث ذكر “بان نور العقل الطبيعي هو وحده الكفيل بان يقود الناس الى الحكمة والكمال العقلي”.وبعد نصف قرن تقريبا اجاب اثنان من الفلاسفة في مجلة برلين عام 1784 عن سؤال عن ماهية التنوير. فكتب موسى مندلسون يقول:” ان كلا من المعرفة والثقافة والتنوير تعديل للحياة الاجتماعية… ويندرج تحت المعرفة كل من الثقافة والتنوير.

وتهتم الثقافة بالجانب العلمي… بينما يهتم التنوير أكثر بالجانب النظري. أي يهتم بالمعرفة العقلانية والموضوعية وقدرة الذات على التفكير في الاشياء الموجودة في الحياة الانسانية تبعا لأهميتها وتأثيرها في تحقيق حياة الانسان..”وبعد شهرين نشر كانت في مجلة برلين عدد ديسمبر عام 1784 مقاله الشهير: ما هو التنوير؟ جاء فيه:” التنوير هو خروج الانسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه، وهذا القصور هو بسبب عجزه عن استخدام عقله الا بتوجيه من انسان آخر.

ويرجع الذنب في هذا القصور الى الانسان نفسه عندما لا يكون السبب فيه هو عيب في العقل، وانما الافتقار الى العزم والشجاعة اللذان يحفزانه على استخدام عقله بغير توجيه من انسان آخر. هذا هو شعار التنوير “. كما اضاف: ” والكسل والجبن هما علة بقاء البعض من الناس عاجزين وقاصرين طوال حياتهم، رغم ان الطبيعة حررتهم منذ زمن طويل من كل سلطة ووصاية خارجية وغريبة عليهم، وفي ذات الوقت، فان الكسل والجبن هما سبب تطوع الآخرين في ان يفرضوا وصاياهم عليهم… ان مبدأ التنوير هو:! Sapere aude ” كن شجاعا واستخدم عقلك بنفسك!”

نخلص من هذا النص التنويري بما يلي:

اولا – ان الانسان مسؤول عن قصوره، اذا لم يكن سببه نقصا في عقله، وانما نقصا في شجاعته وجرأته على اتخاذ القرار بمفرده.

ثانيا – ان هناك مصلحة في ابقاء الناس على قصورهم وعجزهم، وهم مسؤولون عن ذلك. ويرتبط تطوع الآخرين في فرض وصاياهم عليهم بمصلحة تحقيق السيطرة على القاصرين منهم، لان الأوصياء يجدون صعوبة في تحقيق سيطرتهم اذا لم يكن هناك افراد يعجزون عن استخدام عقولهم ويتركون للآخرين اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية نيابة عنهم.

ثالثا – ان للانسان عقل يميزه عن باقي الكائنات الحية ويوجهه نحو المعرفة الصحيحة والعمل المفيد والقرار الصائب اذا استطاع استخدامه بشكل صحيح وبدون توجيه من انسان آخر.

رابعا – ليس هناك شيء يتطلبه التنوير بقدر ما يتطلب الحرية، ويعني ذلك حرية الاستخدام العلني للعقل وفي كل الامور.خامسا – هناك شعوب كبيرة خرجت من مرحلة القصور العقلي واصبحت تفكر بشجاعة وبصورة مستقلة دون وصاية من الاخرين، وعلى هذه الشعوب ان تخوض معركة ضد نفسها وضد الاخرين، وهذا لا يتم الا بنشر الحرية، التي هي حق الانسان في الاستخدام العلني لعقله وفي جميع مجالات الحياة.

الملامح الرئيسية لعصر التنوير

يمكننا ايجاز اهم الملامح الفكرية والاجتماعية والفلسفية التي جسدها عصر التنوير في اوربا وهي كما يلي:

-1- النزعة العقلانيةان احدى اهم نتائج عصر التنوير هي تطور النزعة العقلانية التي كانت تجسيدا للتقدم والتحرر الفكري والاجتماعي وكذلك الاقتصادي والسياسي, الذي واكب التحولات البنيوية التي حدثت في اوربا والتي اعتبرت العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة (ديكارت وسبنيوزا) واكدت على احترام العقل بل وتقديسه ونبذ الفكر الميتافيزيقي والاسطوري وناضلت ضد الآيديولوجية الاقطاعية والكنسية وعملت بلا هوادة من اجل سيطرة العقل لقدراته على ادراك وفهم الضواهر الطبيعية والاجتماعية.

2- مفهوم التقدمقامت فلسفة التنوير على مفهوم “التقدم” الذي انبثق من الايمان بقدرة العقل البشري على التطور والتغير والتقدم نحو الاحسن والافضل للسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لصالح الانسان والمجتمع، وقدرة الانسان على مواجهة التحديات التي تواجهه بفضل قابلياته ومقدراته الذهنية.

3- التفريق بين الدولة والمجتمعصورت فلسفة التنوير المجتمع بكونه اكثر من مجتمع سياسي, وبمعنى آخر, اكدت على الاستقلالية والتحرر وعدم الخضوع لسلطة الكنيسة وأية وصاية خارجية أخرى، وكذلك التفريق بين الدولة والمجتمع، وبذلك وجهت الانظار الى الاهتمام بالنظم والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية.

5- فلسفة المنفعةاتخذ عصر التنوير من مفهوم “المنفعة” خلقا اجتماعيا واصبح اساسا في التعامل الانساني وكفلسفة اجتماعية- قيمية فسرت الاخلاق بمفهومي “اللذة والالم ” واتخذت من سعادة الاكثرية اساسا لتقرير وتقييم السلوك الاجتماعي.

6- الطبيعة الانقلابية- الثوريةانطوى عصر التنوير على طبيعة انقلابية- ثورية قامت على منهج جدلي نتيجة تحالف الطبقة البرجوازية الجديدة مع الارستقراطية العليا وبقايا الاقطاع من جهة، وظهور الحركات الجماهيرية والنقابات العمالية، كرد فعل لها من جهة اخرى، كان هدفها احلال مجتمع ديمقراطي اكثر حرية وعدالة.

7- القوانين الطبيعية والقوانين الاجتماعيةاخذ فلاسفة التنوير يفسرون الظواهر الاجتماعية على ضوء القوانين الطبيعية وذلك بسبب انتشار المذهب الحسي، كمذهب للبحث في نظرية المعرفة والاهتمام بدراسة الحياة الاجتماعية. كما اتجهت العلوم الى استخدام “التجربة” التي اصبحت لها اهمية خاصة باعتبارها مصدر المعرفة، كما هو الحال عند جون لوك، وديفيد هيوم.

8 – اعادة الاهتمام بالفلسفةحاول فلاسفة التنوير اعادة الاهتمام بقيمة الفلسفة وذلك بجعل العقل المصدر الوحيد للمعرفة، وليس التراث القديم كشيئ مقدس ومفروض، ووضع جميع الاشياء على محك العقل للكشف عن المسببات المنطقية التي ادت اليها. وعلى هذا الاساس رفض فلاسفة التنوير التراث المسيحي التقليدي الذي ينتهك قوانين العلم والمنطق وكذلك اخلاقية الزهد والتقشف الصارمة في الحياة الدنيا، ودعوا الى اخلاق اكثر انسانية والالتزام بالتسامح والسلام بدل التعصب والعنف.

جدل التنويرغير ان عصر التنوير، الذي دعى الى افكار التقدم والعقلانية واكد على أولوية الانسان وحريته واستقلاله وجعل سلوكه القاعدة المعيارية لممارساته الاجتماعية، لم يحقق ما وعد به تماما، بل ومهد الطريق، كما يقول هوركهايمر وأدورنو في كتابهما “جدلية التنوير” عام 1947، لتنامي انظمة شمولية لم تاتي عبثا، فسرعان ما اخذ المجتمع العالمي بالانقسام وتنحى الفكر النقدي عن وظيفته واهدافه التي دعى اليها، وهو ما كون شكلا من الارتداد على الذات، الذي تمثل بالتحول الى سيطرة الدولة الشمولية وسيادة الاقوى وليس الافضل، الذي قاد الى فكرة “التمركز الأوربي” ونمو الدكتاتوريات واستمرار الحروب وتصنيع الثقافة التي انطبعت في اخلاقية الانسان الاقتصادي ومعاييره النفعية بحيث اصبح المال والقوة هما مقياس النجاح والتقدم في الحياة. ومع ذلك، يجب التمييز بين المواقف الرافضة تماما لأفكار عصرالتنوير، كما جاءت عند رواد ما بعد الحداثة ومن بينهم ميشيل فوكو، وتلك التي تنتقده لتطويره، بأعتباره مشروع لم يكتمل، كما عند يورغن هابرماس.

فالافكار التي جاء بها عصر التنوير اعطت للعقل والحرية والتجربة دورا أهم بالقياس الى التقاليد، وهو ما مكن الشعب من ان يتحرر والفرد من ان يحصل على استقلاليته والمجتمع من ان يتقدم بأطراد.” فالأنوار ما زالت معاصرة لنا وتشع بنورها علينا. ورغم بعض الغيوم التي تلبد سماءنا، فاننا تلاميذ هذا العصر العقلاني الفريد حتى عندما ننتقده”.

لد إبراهيم الحيدري.

أزاميل-موقع حزب الحداثة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate