العنصرية الحديثة نتيجة للكراهية القديمة.
قادرة العنصرية على إثارة دهشتنا في كلّ مرة، وبعد كلّ تصريح عنصري، سياسي أو إعلامي، أو عند كلّ موقف من مواقف الحياة اليومية نتعرّض فيه للعنصرية، فنتساءل حينها: ألا تموت العنصرية أبداً؟ إذ تتبدّى لنا كقط بأرواح متعدّدة، أو كحرباء تتلوّن حسب البيئة المحيطة، وكلّما اقتضت الحاجة.
لم تولد العنصرية مع الاكتشافات الجغرافية في نهاية العصور الوسطى وحركة العبودية التي تمثلت في إجبار الأفارقة على العمل في مستعمرات العالم الجديد كما قد يخيّل للمرء، فجذور العنصرية تعود إلى ما قبل الرأسمالية والعنصرية الأوروبية الحديثة التي يستند خطابها في الأصل إلى كتابات ونقاشات الفلاسفة القدماء وعلماء اللاهوت في القرون الوسطى.
ولم تنته بانتهاء الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإلغاء العبودية، وإن تراجعت العنصرية التقليدية، إلا أنّ طبيعتها العلائقية والتكيفية مكنتها من التحوّل، وبالتالي ظهور أشكال حديثة للعنصرية تحتوي على الصور النمطية الكلاسيكية بما يتكيّف مع روح العصر، أي عصر.
تاريخ العنصرية
ظهرت مفاهيم التفوّق البيولوجي مبكراً في الثقافة الهيلينية التي احتوت على تقسيمات على المستويين الخارجي والداخلي تمثلت في اعتبار “الآخرين” برابرة، والتمييز بين الذكور البالغين والإناث، إضافة إلى العبيد.
وقد شاعت في الحضارتين الرومانية واليونانية القديمة تصنيفات عرقية قائمة على اللون، حيث ارتبط اللون الأبيض بالقيم الإيجابية في حين اقترن الأسود بالموت والجحيم.
في الإمبراطورية الرومانية ثبُتت معاداة اليهودية التي تمثلت في المذابح ضدّ اليهود ورفض منحهم حق المواطنة. ورغم كلّ ما تعرّض له اليهود من حملات قتل وإبادة وكراهية إلا أنّ العبرانيين القدماء كانوا عنصريين بدورهم، إذ مقتوا التهجين مع الجماعات الأخرى وسعوا للحفاظ على نقاء سلالتهم، معتقدين أنّ التهجين يطوّر سلالة من العمالقة المتوّحشين.
وتعود جذور العنصرية اليهودية إلى النصوص التوراتية، وأهمها لعنة حام التي وردت في قصة حام بن نوح في سفر التكوين، والتي تزعم أنّ الله قد لعن الأفارقة والكنعانيين بالعبودية، فاستخدمت كأحد أعظم مبرّرات العبودية على مدى آلاف السنين.
بُني “النموذج الآري” من خلال تجاهل أهمية التأثيرات التي تركتها الثقافات الخارجية كالسامية والأفريقية على الحضارة اليونانية القديمة، واعتبارها ذاتية المنشأ، وأنها النواة النقية للحضارة الأوروبية. وهذه العملية التي أطلق عليها، مارتن برنال، مؤلف كتاب “أثينا السوداء”، اسم “اختلاق الحضارة اليونانية القديمة”، هي التي ساعدت في بناء فكرة تفوّق الجنس الأبيض، وكلّ الأحداث التي ترتبت عليها فيما بعد.
العنصرية الجديدة
توضح دراسات علم النفس الاجتماعي التي اهتمت بدراسة العنصرية على وجه الخصوص أنّه بالإضافة إلى الأشكال الصريحة والمعروفة للتعبير عن العنصرية، هناك أيضاً أشكال خفية ودقيقة وكامنة من العنصرية الحديثة.
إذ طوّر باحثون أميركيون في سبعينيات القرن الماضي عدداً من نظريات العنصرية الجديدة بعد أن لاحظت الدراسات الاستقصائية أنّ العنصرية التقليدية في المجتمعات المعاصرة آخذة في الانخفاض في الوقت الذي يزداد فيه انتشار التوجهات المتطرفة وجرائم الكراهية ضد الأقليات.
تعد نظرية “العنصرية المتناقضة” إحدى أهم نظريات العنصرية الجديدة التي قدمها إروين كاتز وجلين هاس، بعد أن خلصوا في دراساتهم إلى أنّ الفرد قد يمتلك صوراً نمطية متناقضة، إيجابية وسلبية، في نفس الوقت، تجاه مجموعة خارجية (أجنبية).
وترتبط المواقف الإيجابية بإيمان المرء بالقيم الإنسانية مثل مساعدة المحتاجين، بينما ترتبط المواقف السلبية بالفردية وبإيديولوجية الأخلاق العملية البروتستانتية، أيّ الاعتقاد بأنّ النجاح الشخصي وتحسين حياة الفرد يعتمد على العمل الشاق.
يولّد التفكير الذاتي حول المواقف الشخصية المتناقضة مشاعر سلبية وتوترات، فيتفاعل العنصريون المتناقضون مع الحالات حسب السياق أو الموقف الذي يثيرهم. ففي الحالات التي يكون مهماً فيها إظهار قيم المساواة يتصرفون بشكل إيجابي تجاه المجموعات الخارجية، أما في الحالات التي تستدعي التركيز على قيم العمل، فإنهم يقلّلون بشدّة من قيمة تلك المجموعات.
يمثل التوجه نحو السيطرة الاجتماعية وبالتالي العنصرية، إيديولوجية تضفي الشرعية على التمييز وعدم المساواة الموجودة في بعض المجتمعات
كذلك، تنشأ “العنصرية الرمزية” حسب عالم النفس السياسي ديفيد أو. سيرز عن عاطفة سلبية تجاه الجماعة الأجنبية، حيث يتم التعبير عن الكراهية بشكل مستتر أو يتم تضمينها في اعتقاد يبدو غير عنصري. ولا تعدّ المنافسة المباشرة بين المجموعة الداخلية والجماعات الخارجية ضرورية لتوليد العنصرية الرمزية، ولا تلعب المصلحة الذاتية أيّ دور فيها. وتعود في أصلها كما هو الحال في العنصرية المتناقضة إلى الصور النمطية المُتعلّمة في الطفولة، والتي يتم تفعيلها حسب الموقف. فيكتم العنصريون الرمزيون الأحكام العنصرية عندما يرون أنها غير مناسبة، ويتبنون بدلاً من ذلك القيم الأخلاقية مثل قيم العمل أو الانضباط في تبريرهم رفض مطالب المساواة بين الجماعات الخارجية والداخلية. يميلون على سبيل المثال إلى تفسير الدخل المنخفض للسود على أنه ناجم عن الكسل، وليس عن معاملة غير عادلة، هذا الرأي يعزّز في النهاية عدم المساواة والتمييز ضد السود، إذ أبرز ما يميّز العنصرية الرمزية أنها تستمر في إنكار التمييز القائم، وتحجم عن تقديم دعم خاص للجماعات الخارجية.
يعبّر مفهوم “العنصرية الحديثة” الذي طوّره جون ب. ماكونهي، عن تبرير اضطهاد الجماعات الخارجية من خلال الترويج بأنّها تهدّد الازدهار الاقتصادي وفرص العمل وأنماط الحياة. وتتجلّى بشكل واضح في المعتقدات السياسية بشأن حقوق الأقليات وقوانين مكافحة التمييز وما إلى ذلك. أحد المعتقدات الأساسية للعنصريين الحديثين هي أنّ الأقليات تطالب بالكثير من العدالة والمساواة دون أن يأخذ العنصريون في اعتبارهم امتيازاتهم الخاصة التي يحقّقها لهم وضعهم الاجتماعي، فيرون أنّ الأقليات تستفيد كثيراً من التغييرات غير المشروعة في التراتبات الاجتماعية ويفسرون برامج الدعم للأقليات، على سبيل المثال، كخرق مباشر لمبدأ المساواة في الفرص.
من الشائع حديثاً وجود أشخاص يدعمون أو يدافعون عن قواعد المساواة ويميلون للتعاطف مع الأقليات، ولكن في نفس الوقت لديهم مخاوف ومشاعر سلبية كامنة عند التفاعل والتواصل مع أفراد الأقليات الأخرى، فيميلون إلى تجنّب التواصل بأشخاص من أعراق أخرى، أو للتصرف بأدب وبشكل لائق، ولكن مع الحفاظ على المسافة إذا لم يكن التجنّب ممكناً، وذلك حتى لا يظهروا عنصريين ومن أجل الحفاظ على صورتهم الذاتية الإيجابية.
وهذا ما أطلق عليه الباحثان صامويل ل. غارتنر وجون ف. دوفيديو، بعد رصدهما لهذه الحالات في دراساتهم اسم “العنصرية البغيضة” أو المكروهة.على عكس العنصرية الرمزية والعنصرية الحديثة التي تعود نشأتها إلى الإيديولوجيات المحافظة، يحاول مفهوم العنصرية البغيضة شرح العنصرية في جميع التوجهات السياسية، حتى الليبرالية منها. فالعنصريون البغيضون يبرّرون مشاعرهم السلبية بحجج ليست لها أي علاقة بكراهيتهم الفعلية، كالإشارة إلى أنّ الاختلافات العرقية طبيعية على سبيل المثال، أو كما في الحالة التي امتنع فيها ناخبون يؤمنون بالقيم الليبرالية عن التصويت لباراك أوباما، مبرّرين ذلك بافتقاره إلى الخبرة، لا لكونه أسود.
الهويات التي كانت تتسم بالثبات في الماضي هي أكثر قابلية لأن تتغيّر اليوم وفقاً للاختيارات الشخصية والظروف
وبما أنّ العديد من الناس يعرفون أنّ التحيزات والمواقف العنصرية يعاقب عليها القانون جزئياً أو كلياً في المجتمعات الحديثة، فلا يعبرون عن المواقف والعواطف العنصرية والمتحيّزة صراحة، بل بطرق ضمنية. وقد لاحظ كلّ من وليام ر.ميرتن وتوماس ف. بيتيجرو، هذا التوّجه في دراساتهم في أوروبا، فأطلقا عليه اسم “العنصرية الخفية”. وتتجلّى العنصرية الخفية في الدفاع عن القيم التقليدية التي يبدو أنّ المجموعة الأجنبية تنتهكها، والمبالغة في الاختلافات الثقافية الظاهرية، ورفض المشاعر الإيجابية تجاه المجموعة الأجنبية، وهذه الأشكال الحديثة كلّها تُشرّع التمييز وتغذّي العنصرية التقليدية في نهاية المطاف.
النظريات التي تفسّر العنصرية
قدمت أبحاث علم النفس الاجتماعي نظريات عديدة ومتنوعة لتفسير العنصرية وجذور التعصب العنصري، والتي يمكن تصنيفها في صنفين أساسيين: نظريات تفسّر العنصرية على المستوى الفردي (مقاربة نزوعية) كنتاج لاعتقادات الفرد وتركيبته الشخصية والذاتية ونظريات تفسّرها على مستوى السياق أو الإطار المحيط (مقاربة موقفية) كنتاج للبيئة التي يوجد فيها الشخص ويتفاعل معها ويتأثر بها، والعوامل الموقفية التي تشجعه على ممارسة العنصرية والتعصّب.
وعلى الرغم من أنّ معظم الأبحاث والنظريات خرجت من الولايات المتحدة الأميركية إلا أنها تقدّم نماذجاً لتفسير العنصرية يمكنها أن تنطبق على العنصرية في أيّ بلد في العالم بما في ذلك البلاد العربية.
تذهب نظرية “تسلطية الجناح اليميني” التي طوّرها بوب ألتيماير عن نظرية “الشخصية التسلطية” التقليدية، إلى تفسير العنصرية وفقاً لنوع الشخصية، فتفترض وجود شخصية تسلطية تتميز بميلها الشديد للخضوع للسلطة، وعدائيتها للجماعات الخارجية، وامتثالها للمعايير الاجتماعية وقبولها الواقع القائم وعدم الاستعداد للتصدّي له.
إذ يتعلم المتسلطون اعتقاداتهم المتسلطة في الطفولة، ولكنهم لا يعملون على تغييرها بشكل واعٍ، مثلما يفعل غير المتسلطين الذين يتعلمون مثل هذه المعتقدات أيضاً، بل يحافظون عليها فتستعصي على التغيير لاحقاً، لذلك يمكن اعتبارها نزوعية، وإن كانت متعلّمة (فلا يولد المرء بنزعات معينة على كل حال إلا من وجهة نظر النظريات البيولوجية).
والشخصية التسلّطية بالنسبة لألتيماير، عنصرية متمركزة حول ذاتها، ومتعصبة، ومستعدة للتعاون مع الحكومة في اضطهاد أيّ جماعة بشرية، بما في ذلك جماعتها الخاصة.بدورها، ترد نظرية “التنميط” ظاهرة العنصرية إلى طبيعة العقل البشري الذي يصنّف المعلومات ليستطيع التفكير، وبالتالي يخدم هذا التنميط حاجة الإنسان الأساسية إلى تبسيط الواقع وضغط المعلومات المعقدة من خلال مجموعة تصنيفات بسيطة للآخرين وللأشياء.
تتكوّن الصور النمطية السلبية، نتيجة لنزعتنا إلى إقامة “ارتباطات وهمية” بين الأفراد والجماعة التي ينتمون إليها، ويمكنني أن أضرب مثالاً على ذلك الحالة التي قد يتأخر فيها مستأجر سوري يقيم في تركيا في دفع الإيجار وتجاهل اتصالات المالك التركي المتكرّرة، فإن هذا الأخير، وخصوصاً إن كان لم يؤجر سوريين من قبل، أو ليس لديه أصدقاء سوريون، فسيشعر بالنفور في هذه الحالة وسينزع إلى استنتاج ارتباط وهمي بين هذا الشخص والسوريين كجماعة، وقد يؤخذ موقف عنصري من السوريين نتيجة لهذا الاستنتاج المبني على حالة منفردة.
أما إذا كان لدى المالك التركي خبرة مماثلة مع عدد كبير من المستأجرين، فإنه على الأغلب سيلحق هذه الصورة النمطية بالمستأجرين وليس بالسوريين. ولهذا لا ترى نظرية التنميط أنّ العنصرية أمر حتمي، بل تعتمد على الصور النمطية التي تتم استثارتها، وعلى مخزونها لدى الفرد والمضامين التي تحملها.لا يعتمد الناس على الصور النمطية في تحليل المعلومات الواردة إليهم بشكل دائم، فقد يستخدمون أسلوب المعالجة “النازل”، أي اتخاذ الصور النمطية قاعدة في تحليل المعلومات عن الآخرين، وهو الأسلوب الأسهل الذي لا يتطلب جهداً معرفياً، أو قد يعتمدون على أسلوب المعالجة “الصاعد”، فيعالجون المعلومات بناء على دلالاتها الخاصة المتعلقة بالفرد وسلوكه، وليس بناء على أحكام مسبقة.
تفضيل الفرد لجماعته لا يعني بالضرورة التحيّز والعنصرية ضد الجماعة الأخرى
عندما تتطابق صورة الفرد مع الصورة النمطية لجماعته تعمل هذه الصور كموّجهات ذهنية مريحة، أما في حالة تناقض المعلومات التي تخصّ فرداً معيّناً مع الصور النمطية المُتشكّلة عن جماعته، عندها تقل أهميتها ويتم تجاهلها ويُنظر إليه كفرد لا كعضو في جماعة وحسب.
هذا يفسّر المعاملة الخاصة التي يكتسبها شخص ما بعد عبارة “ولكنك لا تبدو كالعرب، أو أنت لا تشبه السوريين، أو أنك تبدو مختلفاً عن الكرد”، إذ يُستخدم في هذه الحالة أسلوب المعالجة الصاعد فيتم التعامل مع معلومات الفرد وفقاً لقيمتها الخاصة، لا بسبب انتمائه لجماعة ما.ترجع نظرية “السيطرة الاجتماعية” التي تظهر تأثراً كبيراً بعلم النفس التطوّري العنصرية إلى طبيعة المجتمع، إذ ترى أنّ “المجتمع كياناً اضطهادياً بطبيعته”، وأنّ كلّ المجتمعات الإنسانية قائمة على أساس تراتبي، حيث تكون هناك جماعة مسيطرة وأخرى خاضعة، فينزع الأفراد لرؤية الجماعة التي ينتمون إليها مسيطرة على الجماعات الأخرى.إنّ معظم أشكال الاضطهاد، بما فيها العنصرية والطبقية واضطهاد الأقليات الدينية، إضافة إلى العديد من المؤسسات الاجتماعية تنشأ للحفاظ على هذا البناء التراتبي القائم. ويمثل التوجه نحو السيطرة الاجتماعية، وبالتالي العنصرية، إيديولوجية تضفي الشرعية على التمييز وعدم المساواة الموجودة في هذه المجتمعات.
ومما يعد لافتاً أنّ الأفراد المنتمين إلى الجماعات الأخرى المتدنية، قد يؤمنون بالنظريات والأساطير التي تشرعن للجماعة العليا الأخذ بالسيطرة الاجتماعية، بل ويحابونها أيضاً، وعلى حساب أنفسهم وجماعتهم، ويعتبر تفضيل السود لحكم الرجل الأبيض في حقبة الفصل العنصري في الولايات المتحدة، أوضح مثال على ذلك.أما نظرية “الصراع الواقعي” فترجع منشأ الصراعات والتحيّزات بين الجماعات إلى وجود أسباب تنافسية واقعية قائمة على أساس التمييز بين الجماعات الداخلية والجماعات الخارجية، أي التفكير بطريقة “نحن” و”هم”.
إذ تتبنى موقفاً يفترض أنّ ربح أحد الأطراف يعني خسارة الطرف الآخر بالضرورة، وأنّ مصالح الطرفين لا بد أن تتعارض مع بعضها.
العنصرية تظل دائماً عنصرية تقليدية، ولكنها حديثة يتم تكييفها تاريخياً مع روح العصر
بيد أنّ هناك ظواهر تعصّب وتمييز وصراع لا تنشأ بسبب تنافس حقيقي ومباشر بين الجماعات على موارد محدودة أو تهديد مصلحة شخصية، فتبدو طبيعة العنصرية في هذه الحالة رمزية أكثر من كونها واقعية، ويحضرني الآن أمثلة كثيرة، أذكر منها حالة الادعاء بأنّ السوريين ينافسون الأتراك على فرص العمل، أو يستأثرون بها في الوقت الذي يعاني الأتراك من البطالة، في حين أنّ تركيا لا تعاني في الواقع نقصاً في الموارد أو فرص العمل.
كذلك الأمر بالنسبة للصراعات الطائفية والعنصرية في المجتمع الواحد كالصراع بين السنة والشيعة مثلاً، فهو ليس صراعاً تنافسياً على الموارد، ولا يحقّق أيّ مصلحة شخصية، بمعنى أنّ الجماعة الداخلية (سواء كانت سنة أو شيعة)، لن تجني أيّ شيء من التنافس مع الجماعة الخارجية.
وهنا تحاول نظرية “الهوية الاجتماعية” تفسير جذور هذا التمييز والصراع بنزوع الأفراد للتماهي مع جماعتهم الداخلية (الخاصة) وإظهار العداء نحو الجماعات الخارجية بدون أي سبب معقول أو منطقي، معتبرة أنّ السبب الرئيسي وراء هذا الدافع هو فكرة تقدير الذات، فشعور المرء أنه ينتمي إلى جماعة يساهم في تعزيز تقديره لذاته وإعطاء معنى لحياته، خصوصاً إذا كانت هذه الجماعة (جماعته) تتمتع بمكانة عالية في المجتمع.
على كلّ حال، لا يتماهى الأفراد مع مجموعتهم الخاصة بنفس الدرجة، بل تتفاوت النسبة حسب الفروق الشخصية. إضافة إلى ذلك فالهويات التي كانت تتسم بالثبات في الماضي هي أكثر قابلية لأن تتغيّر اليوم وفقاً للاختيارات الشخصية والظروف، كما أنّ تفضيل الفرد لجماعته لا يعني بالضرورة التحيّز والعنصرية ضد الجماعة الأخرى.
وأخيراً، فإن جميع نظريات العنصرية الحديثة تشير إلى أنّ العنصرية تُمكّن من التقدير المتدّني المخفي والمبطن وتبرّر عدم المساواة ضد الجماعات الأجنبية، وإن كانت تختلف في التركيز على الأسباب والديناميات الاجتماعية والنفسية، وأنه حتى في هذه الأشكال الحديثة يمكن العثور على الصور النمطية الكلاسيكية. فالعنصرية تظل دائماً عنصرية تقليدية، ولكنها حديثة يتم تكييفها تاريخياً مع روح العصر.
لهيفاء الحسن.
العربي جديد_ موقع حزب الحداثة.