ملف اللاجئين السوريين في تركيا كان جوهريا في حضوره أثناء الحملات الانتخابية لكل الأحزاب والمرشحين، وتصاعد الجدل حوله في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حيث تسعى تركيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها إلى الشمال السوري، عبر إنشاء مزيد من الوحدات السكنية، ولكن مخاوف العودة الطوعية التي تسوق لها الحكومة التركية ما زالت ترهق اللاجئين السوريين في تركيا، كونها تكاد تكون قسرية، فضلا عن مواجهة اللاجئين لتحديات كبيرة في حال أُجبروا على العودة، منها الأمنية والاقتصادية وسُبل العيش وتوافر البنية التحتية.
الوضع ذاته يثير مخاوف بشأن احتمال حدوث فوضى وانعدام الأمن للاجئين السوريين العائدين إلى شمال سوريا. ففي حين أن جهود تركيا لإنشاء المزيد من الوحدات السكنية قد تهدف إلى تسهيل عودتهم، فمن المهم النظر في التحديات والمخاطر التي تنطوي عليها هذه العملية.
أحد الشواغل الرئيسية للاجئين هو أمنهم، لا سيما وقد تأثر شمال سوريا بالنزاعات المستمرة بين الفصائل التي تدعمها أنقرة فضلا عن استمرار القوات السورية بقصف هذه المناطق، وعليه قد يواجه اللاجئون العائدون مخاطر على سلامتهم الشخصية ورفاههم، حيث قد يقعون في مرمى النيران أو يصبحون أهدافا للعنف.
جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإعادة السوريين بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة، تثير العديد من التساؤلات أبرزها ما يدور في فلك كيفية اختلاف مشروعه للعودة الطوعية عن فكرة طرد اللاجئين، وما هي التحديات والمخاطر المحتملة المرتبطة بعودة اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا، وهل من الممكن أن تتم استشارة اللاجئين السوريين أو إشراكهم في عملية صنع القرار بشأن عودتهم، وإذا لم يتحقق ذلك فكيف ستنظر المنظمات الإنسانية والهيئات الدولية إلى نهج تركيا في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين.
مشروع تركي – قطري مفخخ؟
رغم اعتبار أردوغان من قبل معارضين سوريين أنه حليفٌ لهم منذ فترة طويلة، إلا أنه شدد على عودة اللاجئين خلال حملة انتخابية شرسة قبل جولة الإعادة التي جرت الأحد الفائت ضد كمال كليتشدار أوغلو، الذي اتخذ موقفا أكثر صرامة بشأن هذه القضية.
التركيز على عودة اللاجئين قبل الانتخابات أدى إلى إثارة القلق لدى 3.4 مليون سوري تقريبا يعيشون في تركيا حيث يتزايد شعور الاستياء تجاههم، خصوصا أن “مشروع المليون”، الذي كشف عنه أردوغان قبل عام تماما من الآن، أي في أيار/مايو 2022، عاد إلى الواجهة.في 20 مايو/أيار الفائت، أعلن أردوغان عن بناء المزيد من الوحدات السكنية في الشمال السوري، بهدف إعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، وخلال خطاب موجه للشعب عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة في المجمع الرئاسي، كشف الرئيس التركي أن عدد السوريين في تركيا سينخفض إلى مستويات معقولة، حسب وصفه.
بحسب المعلن فإن المشروع قائم على إنشاء 240 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية، فيما كُشف لاحقا أن تمويل هذا المشروع هو بدعم من “صندوق قطر للتنمية”، ضمن مناطق سيطرت عليها القوات التركية سابقا في جرابلس ورأس العين وتل أبيض والباب.
المشروع الذي باشرت فيه تركيا وتغذّيه قطر بأموالها، أهمل التحدي الكبير الآخر وهو الآفاق الاقتصادية والمعيشية للاجئين العائدين. إذ غالبا ما تتعرض البنية التحتية في المناطق التي دخلتها تركيا ولا تزال الحكومة السورية مصرّة على السيطرة عليها لأضرار بالغة، مما يجعل من الصعب إعادة بناء أو إنشاء فرص اقتصادية مستدامة.
علاوة على ذلك، قد يكون توافر الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية محدودا أو معطّلا في هذه المناطق. كما قد يكون نظام التعليم غير ملائم أو غير موجود، مما يحرم الأطفال والشباب من الحصول على تعليم جيد.
وبالمثل، قد يكون الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية محدودا بسبب تدمير مرافق الرعاية الصحية ونقص الموارد والمهنيين الطبيين.
حياة غير آمنة
جميع المخاوف التي ذُكرت، بُنيت نتائجها بحسب حديث المحلل السياسي، أندريه مورتازين، على تجربة إدارة أنقرة للمناطق التي دخلتها عسكريا منذ عام 2016، حيث لا تزال هذه المناطق تعيش توترا مسلحا أسفر عن تهجير السكان الأصليين وتوطين آخرين، فضلا عن فشل القطاعات المدنية التي عيّنتها تركيا في إدارة المنطقة.
الوضع الحالي للاجئين السوريين في تركيا معقّد ومتعدد الأوجه وفقا لمورتازين، فبعد استضافة تركيا لعدد كبير منهم فإن الحجم الهائل للاجئين فرض على السكان تحديات كبيرة، حيث يواجه العديد من اللاجئين السوريين صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية الملائمة والتعليم والعمل الرسمي، كما أدت المصاعب الاقتصادية وفرص الاندماج المحدودة إلى توترات اجتماعية وثقافية في بعض المناطق.
مشروع الرئيس أردوغان للعودة الطوعية يهدف بحسب المحلل السياسي، إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم من خلال إنشاء المزيد من الوحدات السكنية في شمال سوريا، ويتم التركيز إعلاميا على توفير الاستقرار الدائم في وطنهم.
لكن وفي حين أن النّية قد تكون العودة الطوعية، إلا أن هناك مخاوف بشأن إمكانية الإكراه أو العودة القسرية لاحقا، لا سيما مع ورود تقارير عن ترحيل بعض اللاجئين إلى شمال سوريا.
معظم اللاجئين في تركيا يخشون أن يُجبروا على العودة إلى سوريا، فالحياة في المناطق التي أشارت لها الرئاسة التركية ووضع وزير الداخلية التركي سليمان صويلو حجر الأساس فيها قبل أيام غير مستقرة، ولا يمكن للإنسان أن يحصل على حقوقه في ظل تسلّط سلطات الأمر الواقع على الناس وفرضها حياة عسكرية يغيب عنها القانون والقضاء.
نتيجة لذلك، يرى مورتازين أن التحديات والمخاطر المحتملة والمرتبطة بعودة اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا كبيرة، ويشكل الأمن مصدرها الأكبر بسبب النزاعات المستمرة ووجود الجماعات المسلحة واحتمال اندلاع أعمال عنف وعدم استقرار.
ذرائع مختلفة لإعادة اللاجئين
مع عودة سوريا سياسيا للدول العربية، وإمكانية تحويل الدعم الدولي للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، فضلا عن إصرار دمشق وموسكو على أمرين أولهما إغلاق المعابر غير الرسمية مع تركيا ودعوة الأخيرة لفتح العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ترى أنقرة أن هناك ضرورة لعودة اللاجئين وتفعيل مؤسساتها ضمن مشروع “المليون” بأموال قطرية بذات الوقت، لا سيما وأن البلاد لا تزال تعاني من التضخم وانهيار سعر العملة المحلية.
تفضيل أنقرة لهذه الخيارات دعاها طبقا لحديث مورتازين لإغفال التحديات الاقتصادية أمام اللاجئين العائدين بطريقة لم يكن لهم خيارا فيها، ففرص العمل المحدودة، والبنية التحتية المتضررة، ونقص الخدمات الأساسية، قد يعيق قدرة اللاجئين على إعادة بناء حياتهم.
على صعيد آخر، ربما تشير تلك الخطط إلى مضاعفة التزام تركيا بالمنطقة التي تسيطر عليها جماعات من المعارضة المسلحة التي تدعمها حيث تزيد من نفوذها منذ سنوات، حتى في الوقت الذي يطالب فيه الأسد بجدول زمني لانسحاب القوات التركية كشرط للتقدم نحو إعادة بناء العلاقات بين البلدين.
وبعيدا عن استشارة اللاجئين السوريين أو إشراكهم في مثل هذه القرارات، يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات”، بسام أبو عدنان، أن “الأعوام الخمسة القادمة مفصلية وحاسمة بالنسبة للشأن السوري. ففي حال لم يستطع أردوغان إحداث خرق كبير في القضية السورية، فسيعمل على تكريس منطقة آمنة سيجري التعامل معها في تركيا كما يجرى التعامل مع شمال قبرص الخاضع للنفوذ التركي”.
في تركيا وبحسب تقارير صحفية، يعيش نحو 3.5 ملايين سوري كلاجئين تحت بند “الحماية المؤقتة” التي تعتبر بمثابة وثيقة لجوء غير معترف بها دولياً، لكن معظمهم يعتمدون على أنفسهم عبر العمل في السوق التركية، ورغم حصولهم على أجور متدنية، لكنهم يدفعون الضرائب وإيجارات المنازل.
كما ساهمت كثير من رؤوس الأموال السورية في تغذية السوق التركية بالأموال والمِهن الجديدة، ويتلقى قليل من هؤلاء مساعدات من قبل الاتحاد الأوروبي عن طريق الهلال الأحمر التركي.
تركيا حصلت على اعتراف باستضافتها عددا كبيرا من اللاجئين وتزويدهم بالمأوى المؤقت والحصول على بعض الخدمات الأساسية. ومع ذلك، هناك مخاوف من قبل بعض المنظمات الأممية والإنسانية بشأن معاملة اللاجئين وحقوقهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالترحيل والقيود المفروضة على التنقل.
يبدو أن اللاجئين السوريين غير راضيين على العودة إلى بلادهم، وحتى في المناطق التي تعمل تركيا على تأمينها، بسبب انعدام الأمن والقصف المتكرر وغياب الدور القضائي وانتشار الفساد في مختلف مؤسسات المنطقة، بالإضافة إلى انتشار البطالة وتزايد معدلات الفقر، ما يعني أن مشروع أردوغان لإعادة السوريين، هو العودة إلى حياة غير آمنة، ضمن مناطق “فوضى لا أمل”.