حوار صحفي مع الزميل رئيس الحزب بمناسبة الذكرى السابعة و السبعين لجلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا
ساعدت الظروف الدولية التي أتت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 السوريين في تحقيق استقلالهم، إذ أيدت منظمة الأمم المتحدة قرار استقلال سوريا ووحدتها، بأغلبية الأعضاء، وهكذا احتفلت سوريا حكومة وشعباً بعيد الاستقلال لأول مرة في 17 من نيسان 1946 في عهد رئاسة شكري القوتلي.
تلا مرحلة الاستقلال ربيع سوري، وبدأت الحياة السياسية تظهر في دمشق وباقي المدن السورية، وبدأ الناس في الجمهورية السورية بتداول الأحاديث السياسية فيما بينهم بعبارات مثل الديمقراطية والعدالة وحرية التعبير والنظام البرلماني، وشيئاً فشيئاً بدأت تتشكل الأحزاب السياسية على أنقاض الكتلة الوطنية التي انقسمت على بعضها بعد أن كانت تجمع الشعب السوري وتقود المفاوضات والثورات.
هذا الربيع لم يستمر طويلاً، حيث ساهمت “عصبة العمل القومي” في وضع الأسس الفكرية والتنظيمية للعروبة الراديكالية كما وصفها الكثير من الخبراء، التي طوّر حزب البعث نفسه على أساسها بعد الاستقلال.
وعلى إثر ذلك، بدأت مرحلة الانقلابات في سوريا، وصولاً إلى وضع حزب البعث يده على السلطة، وتحوّلت سوريا فيما بعد تدريجياً إلى دولة قومية يحكمها حزب واحد، وغابت عنها أدنى الحقوق والحريات.
التجييش القومي والطائفي الذي مارسه حزب البعث في سوريا، أدّى مع مرور الوقت إلى انقسام المجتمع السوري، وعلى الرغم من القبضة الأمنية والعسكرية المشدّدة، إلّا أن ذلك لم يمنع حدوث مظاهر عصيان وانتفاضات، أبرزها أحداث حماة عام 1982، وسجن تدمر، وانتفاضة قامشلو في 2004.
تراكمت هذه المشاكل وصولاً إلى عام 2011، حيث بدأت الأزمة السورية واستغلتها الدول الطامعة في الأراضي السورية، واستغلت روسيا وإيران ضعف حكومة دمشق، بينما استخدمت تركيا ما تسمّى المعارضة السورية لاحتلال العديد من المناطق والأراضي السورية.
المعارض السوري ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، فراس قصاص، تحدث لوكالتنا عن ذلك: “للأسف تمر ذكرى استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي وسوريا تعيش أزمة وجود مركّبة ومتعددة الأبعاد، بُعد له علاقة باستمرار الاستبداد بأوجهه المتعددة، السياسي الأسدي متمثلاً بالنظام السوري الذي يسيطر على غالبية المساحة السورية، والديني متجسداً بسيطرة هيئة تحرير الشام الإرهابية على محافظة إدلب، واستبداد الاحتلال والعمالة الرثة الذي يسيطر على المناطق التي احتلتها تركيا مدعومة بفصائل عميلة رثة في مناطق عفرين والباب وتل أبيض/ كرسبي، وسري كانيه/رأس العين، على مساحات واسعة من سوريا”.
وأضاف “هذه الصورة مرتبطة بالواقع السابق على تشكّلها، واقع ما قبل عام ٢٠١١، والذي يتحمّل مسؤوليته الكاملة نظام سياسي تمييزي مستبد حكم البلاد لنصف قرن ومثّل بحق مستعمراً داخلياً صرفاً، وفقاً لمفهوم الاحتلال/الاستعمار الداخلي الذي شاع لدى كتّاب ومثقفي أميركا اللاتينية، حيث تشبه العلاقة بين السلطة الحاكمة المستبدة في سوريا وبين شعبها بعلاقة المستعمر والمحتل الفرنسي للدولة السورية، بل وربما، أكثر قبحاً وشناعة فهي علاقة تحكّم وسيطرة واستغلال وهيمنة صرفة وعلاقة قهر وقمع وعنف تقع بالضد التام من مصلحة المجتمع والبلد ولمصلحة طبقة السلطة وحدها فقط”.
عوامل عديدة أسهمت بعودة الاحتلال.. التهميش والعنصرية
المعارض السوري، فراس قصاص، تطرق إلى العوامل التي أدت لعودة الاحتلال، بالقول: “سياسة النظام السوري التي شوهت مفهوم الانتماء للبلاد لمصلحة انتماء وطني عروبي عصابي استعلائي، سياسته التي كرست مفاهيم عنصرية لا تعترف بغير هوية العرب السوريين، ومفهوم مركزي واحد عن الدولة يعتبر الصيغ اللا مركزية المرنة لهيئة الدولة انفصالاً واستعداء، السياسة الأسدية التي أرست لصيغة تقليدية قروسطية طائقية عن الدين وسارت بالمجتمع عكس التنوير”.
وأضاف “همّشت الأطراف لمصلحة المركز، والريف لمصلحة المدينة، التي قمعت الصوت السياسي الآخر وكرست ذكورية القيم المجتمعية واستخدمت العنف ضد الحراك الشعبي، كل ذلك قاد قطاعات عديدة من المجتمع السوري إلى التعاون والانخراط مع التنظيمات الإرهابية وإلى اعتبار أي تعبير أثني عن الهوية والوجود المشروع كما حصل في الحالة الكردية دعوات انفصالية فقاد قطاعاً آخر من السوريين إلى دعم الفاشية الحكومية التركية في احتلال مناطق عديدة”.
الاحتلال التركي هو الأخطر.. بعداً استيطاني
قصاص قيّم خلال حديثه، خطورة الاحتلالات للأراضي السورية، وقال: “الاحتلال الأخطر ليس على سوريا فقط، بل على أي مجتمع وبلد هو ذلك الذي يضيف إلى صيغته الاحتلالية بُعداً استيطانياً وتهجيرياً، بُعداً يحول الاحتلال من ممارسة استغلال وقهر واستبداد إلى جريمة ضد الإنسانية، وهو ما يحصل الآن في حالة الاحتلال التركي لأراضي سورية، حيث هو احتلال استيطاني بكل ما يحمل هذا المفهوم من معنى ويهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي يستند إلى تهجير مواطنين سكان أصليين من مناطقهم واستبدالهم بآخرين ينتمون إلى أثنية سورية أخرى، بغرض طمس وتمثيل هوية المناطق المحتلة إرضاء لنزعات فوبيا قومية طورانية تركية تجاه القومية والثقافة الكردية التي أخذت تعبّر عن حقوقها ونفسها بحرية في تلك المناطق”.
رسالة إلى السوريين
المعارض السوري وجّه رسالة إلى عموم الشعب السوري، قائلاً: “المطلوب من السوريين هو ذاته المطلوب من كل شعب تعرض للاحتلال من قبل دولة أخرى، مقاومة الاحتلال التركي، والتنبه للغم الذي زرعته تركيا في مواجهة قيم العيش المشترك بين السوريين، بين العرب والكرد على نحو التحديد، مطلوب من السوريين وعي هذه المخاطر ووعي أن السوريين عرباً وكرداً وآشوريين وسريانيين وتركمان وشركس وأرمن، جميعهم أمام ذات التحدي الوجودي، وإن النجاة والحرية والكرامة والديمقراطية والقدرة على تحقيق الذات الإنسانية لمختلف المكونات السورية رهن بوقوف السوريين معاً في محل واحد، والعمل بمقتضى هذا الفهم بشكل تام وحاسم ولن يكون ذلك إلا عبر مقاومة كافة أشكال الاستبداد وإلحاق الهزيمة الساحقة به”.
وأضاف “مقاومة الاحتلال التركي وطرده النهائي من سوريا، وتشييد سقف لقيم العيش المشترك يحقق الاعتراف بالآخر ويلبي متطلبات الصيغة التعددية واللا مركزية والديمقراطية لسوريا والتطلع معاً نحو الإسهام الفعال والإيجابي في مسيرة التطور الحضاري والتقدم الإنساني. هذا ما يجب على السوريين العمل عليه الآن وأبداً”.ل
وكالة هاوار للانباء