البيئة و السياسة.
الاهتمام بالقضايا البيئية له جذور أعمق من مجرد الخطر المحتمل، إذ يمثل تغير المناخ أولاً وقبل كل شيء تحدياً فريداً للإنسانية، إنه تحدٍ للإبداع الثقافي والاجتماعي، ولكيفية التعامل مع الظروف المتغيرة، ولقدراتنا الإنسانية الأخلاقية على العمل المستقبلي، استجابة لخطر ستكون له آثاره على حياة الأجيال القادمة. فالتحديات المفروضة، والاستجابات المنشودة، والقضايا المطروحة، لا تنطوي على ما هو أقل، من ثورة تقنية واجتماعية لتطوير الوعي المجتمعي، لكوكب فاقت احتياجاته موارده الطبيعية. فالمسألة البيئية تمثل قضية سياسية، بحيث لم يعد بالإمكان، أن يتجاهلها أي مجتمع من مجتمعات السياسة الخارجية. والواقع أن كثيراً من الدول تنتهج سياسة “لننتظر ونرى”. فضلاً عن غياب ضغط في المستويات السياسية العليا؛ إذ لا يمكن لمعظم البروتوكولات البيئية أن تكون نافذة دون إرادة ومشاركة ومساءلة الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني. كما أن المفاوضات البيئية المعنية بمسألة سلامة الأرض، تراوح مكانها بين فشل تام ونجاح قليل. ورغم حصول تقدم مهم في القضايا ذات الطابع التقني، فإن التقدم بطيء في المسائل السياسية. ولم يحدث ما من شأنه أن يحجب الفشل الذي منيت به المفاوضات المتعلقة بالمسألة البيئية. وهو ما يبدو واضحاً، ليس فقط داخل قاعات المفاوضات، بل وأيضاً داخل المجموعات العليا للسياسة. مثال ذلك، أن قضية المناخ وتغيراته، كانت من أبرز وأهم موضوعات البحث في قمة الألفية للأمم المتحدة، بيد أنها تراجعت وأضحت خارج جدول أعمال كبار السياسيين في العالم، رغم المؤتمرات البيئية السنوية. وفي ضوء التسليم بحالة البلبلة والشكوك الموروثة، بشأن أثر النشاطات الإنسانية على التغيرات المناخية يبقى التساؤل:
لماذا يقف العالم حائراً؟ ولماذا تفشل المفاوضات البيئية؟ وماذا يتعين على المجتمع العالمي أن يقرر؟ يقف النظام البيئي العام، عند مقترف طرق. ويبدو أن الأطراف العالمية تعي عواقب التخلي عن السياسات البيئية المستدامة، والذي تترتب عليه إعاقة تنفيذ الاستراتيجيات البيئية لحماية مناخ الأرض، وتثبيط الجهود الرامية إلى تطوير النظام البيئي. وثمة أسباب كثيرة تفسر إخفاق المفاوضات البيئية، منها: 1- ما هو قائم على ضعف أداء بعض الأطراف، والاكتفاء برد الفعل وتعذر التنسيق بين الأطراف المتنافرة. 2- عدم السماح بتطوير استراتيجية للتفاوض طويلة الأمد نظراً لأن كل رئاسة لها طموحاتها وأولوياتها الخاصة. 3- عدم النهوض بدراسات تحليلية شاملة، وتحسين القدرات التفاوضية على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي. 4- التعقيد الذي طبع المفاوضات البيئية في مرحلة ما بعد كيوتو، وشكل عبئاً مرهقاً. وفيما يتعلق بكيفية تقييم المفاوضات البيئية، فإن الخطر الذي يهدد سلامة البيئة من فشل المفاوضات، لا يكمن أساساً في الفشل على المدى القصير، وإنما في تحدي النظام البيئي الذي يتشكل. لهذا، فإن سلامة البيئة ستكون عرضة لخطر شديد إذا ما اهتزت قواعد النظام -على نحو ما يحدث- لو تم التخلي عن الطبيعة الملزمة للتعهدات البيئية. ومن خلال تتبع مسار المفاوضات المناخية العالمية، ومن أجل انتظار فكر بيئي مستقبلي جديد، هنالك مجموعة من الدروس الواجب استخلاصها؛ منها: – إن الأدلة العلمية المدعمة، والاهتمام العام المضاعف، لا تضمن نجاح المفاوضات. فالواقع أنها في بعض الظروف قد تجعل التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة. -المفاوضات البيئية، ذات وضع سياسي شديد البروز، بطريقة مثيرة للجدل. ما يتطلب فهماً عميقاً للمواقف السياسية، وتحديداً ما يتعلق باتساع الهوة في المواقف بين الدول المتقدمة والدول النامية، وأيضاً داخل الدول المتقدمة نفسها.
– إن محدودية الوعي بالآثار المدمرة للتغيرات المناخية، تظهر أن واضعي السياسات في الدول النامية لا يعطون القضايا المناخية أولوية متقدمة. ذلك أن معظم الدول النامية تذهب إلى المفاوضات، وهي غير مؤهلة للتعامل مع مجموعة من القضايا السياسية والفنية. وفي أغلب الحالات، هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص في كل بلد، تفهم ما يترتب على تلك المتغيرات من عواقب وطنية، وأقل منهم لديهم القدرة على متابعة المفاوضات العالمية. وهذا الأمر مفهوم في ظل موارد هذه الدول المالية والبشرية المحدودة، حيث كثيراً مايأتي دبلوماَسييِ الدول النامية إلى المؤتمرات الكبرى كي يعلنوا مواقفهم التي يعاد تدويرها سنوياً، أو لتقديم مطالب غير واقعية من الناحية السياسية، للحصول على موارد مالية وبرامج نقل التكنولوجيا. وهذا لا يمثل شكلاً فعالاً من أشكال المشاركة. ذلك أنه إذا كان للنظام المناخي أن يعمل بفاعلية على المدى البعيد، فلابد من بذل المزيد من الجهد الجاد، لإشراك قطاع أعرض من واضعي السياسات في الدول النامية لتشمل المجتمع بكافة أطيافه. فالمفاوضات البيئية توفر فرصاً مثالية للدول، المتقدمة منها والنامية على حد سواء، للقيام بجهود تثقيفية لمعالجة الفجوة الإعلامية الخاصة بالتغير المناخي. وهذه مهمة لا تستدعي الانتباه، ولا تحظى بجاذبية في أكثر بلدان العالم. ذلك أنها ربما لا تحظى بما يكفي من الانتباه الشديد، مقارنةً بالكثافة والإثارة الخاصة بالمشاركة في تعقيدات البروتوكولات المناخية ذاتها. إلا أنه لتحاشي مجرد تعميق الانقسامات أكثر وأكثر، لابد لهذه المهمة أن تشمل كذلك فهماً أفضل للمصاعب السياسية التي تواجهها بعض الدول في تنفيذ الأهداف المناخية. وهي مهمة،يجب أن يقابلها كذلك تثقيف أفضل للمجتمع المدني، وتحديداً في الولايات المتحدة.
لسلام الربضي.
الإتحاد_موقع حول الحداثة.