قوَّة القيمة الأخلاقية.
«الغذاء الأخلاقي» يعَدُّ حافظاً لـ«أصالة الحضارات الأخلاقية» في ظل تفويت العديد من يملك الإنسان العديد من الموروثات الغنية، التي تعد بمثابة الطاقة المتجددة لفكره وطرحه الثقافي، وتوجيه غائياته بعيداً عن عوامل المخاطرة، أو احتمالية الفشل.. ويتربع على قمة ذلك الإرث «التاريخ الإنساني» إلى جانب ملكاته الموهوبة بالفطرة منذ وجوده.
وبالجمع بين ما تقدم من إحاطة فكرية للجذور الإنسانية وتشعباتها في المجالات الحياتية المختلفة، إلى جانب ما وصل إليه الإنسان من تطور منهجي عقلي مبني على جهد كبير من التكوين والملاحظة، نجد أن هناك متسعاً خصباً يثبت مكانة وأهمية القراءة السلوكية والأخلاقية من منظور اجتماعي «نشط»، بعيداً عن جفاف النظريات المقتصرة على الفَرَضيات، من خلال إمعان النظر في الواقع المتصل بكل حقبة زمنية على حدة، وإدراك مجموعة الظواهر القانونية والتشريعية والإجرائية لكل منها، لا سيما أن ماضي المجتمعات الإنسانية لا يمكن استيعابه على وجه أقرب للحقيقة دون مصاحبة معطياته وخصوصيات وقته ومكانه.
وهذا ما تنبه له العديد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، مثل ليفي برايل الذي أيَّد الطرحَ الأخلاقيَّ في حلة جديدة تُعنى بدراسة الأعراف والعادات، فيقول: «إذا عرفنا ماضي شعب ما، دينه وعلومه وفنونه وعلاقاته بالشعوب المجاورة وأحواله الاقتصادية العامة، فإن أخلاقه تتحدد بهذا المجموع من الوقائع التي هي دالة عليه. ويناظر الحالة الاجتماعية المحددة نظامٌ من القواعد الأخلاقية المحددة أيضاً، وهو نظام واحد فحسب».
والانطلاق من ذلك كله يدعو لتثبيت دعامات رئيسية للفكر الأخلاقي في حياة المجتمعات الإنسانية ككل، لما لها من وقع ملحوظ وارتباط عميق بمستقبل تلك المجتمعات، فالبعد الأخلاقي حيث وُجِد يوجد استدراكٌ للفجوة التربوية التي أحدثتها عوامل متعددة في البناء الاجتماعي من أصغر لبناته (الأسرة) وحتى صورته الكبيرة، لا سيما أن تعزيز مبادئ الاحترام والتشارك والتسامح لا تختص بها جماعة دون أخرى، ولا تتفاوت الحاجة إليها بين عرق وآخر أو دين وغيره.
ويعد «الغذاء الأخلاقي» حافظاً لـ«أصالة الحضارات الأخلاقية» في ظل تفويت العديد من رسائلها الجوهرية، بالتزامن مع الظرفية التي يحاول الإنسان مواكبتَها، موقِعاً في طريقه لها الكثير من المبادئ متأثراً بحالة من الغفوة الأخلاقية غير المقصودة.
إن الصورة الكبرى للمجتمع (الدولة) حيثما حلت، لا يمكنها الظهور في سياق العالم المتسع ومترامي الأطراف، ما لم تستطع ضبط منظومتها التشريعية، وبالتالي صون مجتمعها تحت قبة من الأمن الدافع نحو الازدهار. وبالتالي فإن إبراز جانب الفكر الأخلاقي وتعميمه كحالة ثقافية ملزمة، يعني إيصال الدول لأقصى مراتب الريادة والتطور، وبخاصة أن تلك المنظومة تتسع لتضم المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والإعلامية والتربوية والاجتماعية، الأمر الذي يثبت العنايةَ القصوى بكافة المعوقات التنموية والنهضوية التي ينجم غالبُها عن فقدان حلقة وصل ذات أساس أخلاقي يتحول لإجرائي في مراحله المتقدمة.
إن قوة القيمة الأخلاقية في أي مجتمع إنساني ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالوعي الأخلاقي الفردي، وتنعكس في أطرها الواسعة من خلال مظاهر تميز الكيان السياسي مقارنةً بغيره.
وفي حين يرى المفكر الفرنسي أندريه لالاند أن لكل مجتمع «أخلاقية واحدة»، تعني «مجموع القواعد السلوكية المقبولة في عصر أو من قِبَل جماعة بشرية»، فإن لكل شعب خصوصية أخلاقية مشروطة بظرفيات ومعطيات، تجعلها مستحيلةَ الاستنساخ دون المرور بمرحلة تفكيكها، وهذا ما نسعى له عند الحديث عن تجارب إنسانية أخلاقية ذات مستوى رفيع.
لد.محمد البشاري.
الإتحاد_موقع حزب الحداثة.