عن اللامركزية و الهوية في فكر حزب الحداثة والديمقراطية.
اللامركزية: هي صيغة لدولة تنثر فيها السلطة على مساحات اجتماعية واسعة فتتكرس الديمقراطية بذلك في احد اهم و اشمل ابعادها ، هي اطار يصنع مسارات متعددة لعلاقة السلطة في المجتمع فتختبر كفاءات كل منها وتتطور وفقا لمفاضلة هذه المسارات و انجازاتها ، اللامركزية تضمن عدالة توزيع الثروة و التنمية وتفكك تبعية الاطراف للمركز التي تؤدي الى تهميشها و افقارها ، اللاركزية تقلل من عناصر الاستبداد في المجتمع و الدولة و تشكل احد الحواجز التنظيمية التي تصده و تضعف من حظوظه ..اللامركزية افضل استجابة بنيوية لدولة تسكنها مكونات متعددة ، التعددية و اللامركزية شكلان يستدعي احدهما الاخر و يتسق معه .لكل ذلك ليس غريبا على الاطلاق ان تكون اهم و اقوى و انجح دول العالم هي دول لا مركزية …
الهوية كما نراها تعريف مركب و جدلية يتشارك في بلورته الذات و الموضوع معا ، و هو كالكائن الحي متغير و متحول و مرتبط بديناميات التحول ،تكاملا او ارتكاسا ،الهوية بهذا المعنى حصيلة صيرورة معقدة تتشارك في صنعها وفي دورة حياتها المستمرة ما استمرت حياة الافراد و الجماعات التي تتعرف بها ، عوامل نفسية مخيالية ، لغوية ثقافية ، مصالحية و ارادوية ، جفرافية و سياسية ، حدود الهوية و تحديداتها مفتوحة ومتحركة ، ما دامت تلتصق بوعي الانسان ابدا ، ذاته و موضوعه في كل مكان و في اي زمان ، الهوية ايتها الرفيقات ايها الرفاق ، لا تتعين كمعطى ثابت بل تقرأ في لحظة ما مرتبطة بحركة الحياة ، لا تفرض من أعلى و لا تقرأ تحت ضغط عناصر ايديولوجية ابدا ، لا يصنع تعريفها بمعزل عن اصحابها ، تشتعل ازمة حين تتعارض تعريفات الذات لها مع تعريفات الموضوع بحدوده المختلفة و الواسعة ، فأنا الكردية السورية ،اراني كردية ،متعينة بالذاكرة المعرفية ،باللغة والموسيقا ومخيال الكرد الجماعي ، و اراني كذلك سورية محكومة بفضاء السياسة وتحديدات الجغرافيا السورية و بالموقف المشترك مع السوريين الذي يصنع لي مصالح مشتركة معهم ،لذا عندنا تاتي سلطة قمعية ، وتضع لي تعريف لا اقره ، تتجاهل مكوناتي الثقافية و الجماعاتية،الاثنية ولا تعترف بكرديتي ،تولد الازمة ، يحصل شرخ ليس بخصوص كينونتي فقط بل بخصوص وجودي ووجود الموضوع السوري كله ،هنا تتعارض سوريتي مع كرديتي و يخلق الشقاق بينهما بدلا من وضعهما في سيرورة تفاعل و تكامل وغنى و ثراء ، ايتها الرفيقات ايها الرفاق الهوية معطى ثقافي و نفسي فردي و جماعي يتبلور بحركية في سياق صيرورة معقدة و طويلة ، انها تعريف عياني وصفي ذاتي و موضوعي ،. لا يقبل الفرض الايديولوجي من اعلى ، و لن يفعل ذلك احد الا و يدفع باتجاه ازمة هوية . البعث و الاسدية خلقتا و كرستا ازمة الهوية في بلادنا ، فرضا على البلاد تعريفهما الناقص لها ، التعريف الكامل لهوية بلادنا تقوم على محتوى تعددي ، لا يمكن لاغلبية عددية ان تضفي معنى و صورة تامة لها ، اذا نثرنا اسئلتنا على السوريين في هذه اللحظة عن هويتهم ، سيجيبوننا ، بانهم عرب و كرد سريان اشورينن ارمن تركمان شركس ، سيجيبون انهم مسلمون و مسيحيون ازيديون ، سنة و علويين دروز اسماعيليون مرشديون ، و سيجيب الموضوع خارج سوريا عن هؤلاء كلهم بانهم سوريون تصنعهم الازمات المشتركة و الجغرافيا و المحتوى الاجتماعي لتجربة وجودهم المشترك ، لذا فالهوية السورية هي التي تركب الاجابات السابقة كلها في مبنى حي و دينامي و غني واحد . واي سياسة تقوم على عدم الاعتراف بتعريفات السوريين لانفسهم هي سياسة قسرية قمعية تعسفية ينبغي مواجهتها ، اي فصل مصالحي للسوريين عن الامتدادات التي تصنعها عناصر و تكوينات هويتهم هو فصل سلطوي تسلطي ينبغي مناهضته . السوريون متعددوا الانتماءات و التعريفات الاغنياء بتركببة تراثاتهمو تنوع لغاتهم و تجاربهم يحتاجون لاطار/كيان سياسي يختلف عن الدولة المركزية الواحدة البسيطة ، يحتاجون لاطار/كيان يحتضن هويتهم بتعدديتها يسمح لها بان تنمو و تنضج دون قسر او اقصاء او اكراه ، يحتاجون لصيغة لا مركزية ديمقراطية ،حدودها حرية الانسان و كرامته ، قوانينها تصون حقوقه وتحفظها ، مبادئها الاساسية تحققه و تفتح مصيره و ممكناته على الخلق و الفعل و المساهمة في الحضارة الانسانية ،السلطة في ذلك الاطار ليست تسلط بل ذات منبع وادوار مختلفة انها ادارة تنبع من ذات السوريين ، تبدأ من اصغر مساحة تحتضن تجربتهم الاجتماعية وصولا الى اوسعها فتتشكل اذ ذاك ادارات ذاتية حرة و ترتبط فيما بينها باليات مرنة ،و هكذا حتى يحكم المجتمع ذاته في ذاته في اعلى تكثيف ممكن ، واكثر كفاءة ممكنة ..دون ذلك ،فأزمة الهوية مستمرة و مسار حياتها و نموها مشوه و الى تكسر و صراع ومعان قاتلة و متحاربة وهو ما يجب ان نقف ضده كلنا الان و دائما و ابدا .هكذا يقرأ حزبنا موضوع الهوية و على الشاكلة اعلاه يتخذ موقفه منها .