هل تنجح المرأة السورية بتحقيق مشاركة سياسية ناجحة.
كإحدى مسارات العملية السياسية وأبرز الأمثلة عن غياب المساواة الجندرية لمشاركة المرأة السورية في ميدان السياسية، يندرج ضمن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، فالنساء السوريات لم يُشكلن فيها سوى ثلاثة عشر عضوا فقط من أصل 45 عضوا في لجنة الصياغة (اللجنة المصغرة).
تتألف اللجنة الدستورية السورية من ثلاثة وفود منتدَبة عن حكومة دمشق وعن أطياف من المعارضة وكذلك عن المجتمع المدني، ولكل وفد خمسة عشر عضوا، وقد تخلّفت جميعها عن تأمين التمثيل للمرأة بالتساوي. فقد ضم وفد المجتمع المدني سبع نساء، ووفد دمشق أربع نساء، ووفد المعارضة امرأتين. يسلّط غياب المساواة في التمثيل الضوء على المقاومة الأيديولوجية لمشاركة المرأة المجدية في ميدان السياسة السوري.
دستور سوري جندري ديمقراطي
يحول غياب المساواة، دون مشاركة مجدية للمرأة، عن مشاركة سطحية في عمليات السلام، حيث إن حضور المرأة في الوفود التفاوضية يشكل بصورة أساسية مسعى لاسترضاء المجتمع الدولي. وذلك بحسب تقرير نشره مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” نهاية عام 2020، وبحسب ما تظهره تجربة اللجنة الدستورية، فقد تسبب إخفاق الأمم المتحدة في ضم النساء إلى وفودها في عملية السلام في جنيف، بتقويض شرعية قرارها المتعلق بمشاركة النساء في عمليات السلام. وهذا يُفاقم من محدودية القدرة التي تملكها الأمم المتحدة للمساءلة على أساس المعايير الجندرية الدولية والتأثير الفريد الذي يمارسه الصراع على النساء بشكل خاص.
وبناء على ما سبق يجدر التساؤل حول إذا ما كان هناك إمكانية لدى المرأة السورية بالمساهمة الفاعلة والحقيقية المتساوية، لإصدار دستور سوري جندري وديمقراطي قائم على قيم الحرية والكرامة والمشاركة والمساواة. وحول ذلك تعتبر الأكاديمية والباحثة السياسي، د.سميرة مبيض، بإمكانية صياغة دستور مؤسس لدولة سوريا الحديثة مستندا على التكامل والندية بين جميع السوريات والسوريين.
وتابعت خلال حديثها بأن هذا الدستور لابد أن يحقق أيضا “أسس المواطنة المتساوية بالمطلق ويحمي التنوع بكافة أشكاله، ومنها التنوع الثقافي القومي والديني والتنوع الجندري وغيرها”. مشيرة إلى أن ذلك يتطلب محددات رئيسية، قد يكون من أهمها، الانطلاق من أولويات مصالح السوريات والسوريين، وبناء الاستقرار وتحقيقه. كذلك القطع مع الحالة الشمولية السابقة، بكافة أطرها بكونها تنبع من منظومة واحدة أثبتت فشلها في تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة.
إضافة إلى ذلك لا بد من “استعادة استقلالية القرار السوري بعد أن تم رهنها لمصالح حزبية وأيديولوجية ودولية، والانطلاق من واقع الشعب السوري والاعتراف بهويته التعددية، وبالعوامل المشتركة الجغرافية والتاريخية التي تبني هذه الهوية”.
تضمن المعاهدات والمواثيق الدولية حقوق المرأة على أساس مساواتها الكاملة مع الرجل، وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وأكد على عدم مبدأ جواز التمييز القائم على أساس الجنس، وبأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة فيه دون أي تمييز.
فيما أشارت مبيض إلى وجود جملة من المعيقات قد تواجه مسار المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة السورية، حيث تبرز من خلال الأطراف المقاومة للتغيير الجذري في سوريا والتي تسعى لابقاء المنظومة الحالية سائدة أو إعادة تدويرها. بحسب تعبيرها.
وفيما إذا كانت مبيض ترى بوجود تهميش وإقصاء دائم للمرأة السورية في ميدان السياسية لاسيما خلال السنوات الماضية. اعتبرت الباحثة السياسية بأن التيارات الأيديولوجية المهيمنة على الساحة السياسية السورية اليوم هي نتاج المنظومة القديمة القائمة على النموذج البطريركي.
“في هذه النماذج لا مكان للمرأة السورية المستقلة في مواقع صنع القرار، لذلك شهدنا إقصاء وتهميش للنساء السوريات خلال العملية التفاوضية واللجنة الدستورية وقيادة الأجسام السياسية، وفي رسم السياسات وتنفيذها، وذلك أدى إلى انحراف سلبي في مسار الحراك السوري بمجمله” بحسب رأي مبيض.
تهميش وإقصاء متعمد
ثمة إدراك واسع لقدرة النساء على تعزيز جهود حفظ السلام وتحسين فعاليتها. فقد خلصت دراسة حديثة إلى أن اتفاقات وقف إطلاق النار تملك حظوظا أكبر بنسبة 35 بالمئة في أن تستمر لمدة خمسة عشر عاما على الأقل في حال مشاركة النساء في المفاوضات. وقد توصل تحليل شمل 156 اتفاق سلام إلى أن مشاركة النساء المحليات في مفاوضات السلام زادت من احتمال توقف العنف في غضون عامٍ واحد بنسبة 24.9 بالمئة.
هناك ضرورة لتكاتف كافة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة من أجل إلغاء النظرة السلبية المنتقصة لدور المرأة السورية، وفق رأي الحقوقي فراس حاج يحيى، وكذلك ضرورة إيمان المجتمع كله بمختلف مؤسساته بالمشاركة الإيجابية للمرأة في كافة الميادين.
حال المرأة في هياكل المعارضة لم يكن بأفضل منه حاله لدى السلطة الحالية الحاكمة في دمشق، فهذا التمثيل للحركة النسائية السورية والمرأة السورية بقي بنسبة منخفضة جدا في أجسام المعارضة المختلفة، وهذا التمثيل لم تقدمه المعارضة السورية لإيمانها بدور المرأة بقدر ما كانت تحكمه المحاصصة السياسية، وأحيانا العلاقات الشخصية أو المحسوبيات، حتى أنه في بعض الأحيان كان بضغط دولي كما فعل المبعوث الدولي السابق الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا، في مجلس استشاري نسائي سوري أنشأه عام 2016، وبلغ عدد أعضائه 12 امرأة، وقد لاقى معارضة وانتقادات من عدة شخصيات سورية معارضة وصلت إلى وصف هذا المجلس بمسمى “نساء دي ميستورا”، بحسب ما أورده حاج يحيى في ورقة بحثية منشورة في شهر نيسان/أبريل عام 2021.
لقد صرّح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا سابقا، ستيفان دي ميستورا، في عام 2016 أنه على الرغم من أن الوفود المعارِضة تضم نساء، “فهنّ لا يتكلمن. لا يُسمح لهن بالكلام، أو لا يحصلن على فرصة للتدخل”، مضيفا أنهن “على الهامش. ويُنظر إليهن بأنهن خبيرات أكثر منه مندوبات فعليات”.
إن من شأن المساواة الجندرية في جهود السلام والتنمية أن تساعد على معالجة الديناميات الجندرية المتحوّلة في سوريا، وتساهم في بناء مجتمع يتسم بالمساواة بعد الحرب، بحسب “مركز كارنيغي”.
لسيرين شاهين.
الحل نت_موقع حزب الحداثة.