حداثة و ديمقراطية

لكل ظالم نهاية.

يعتقد البعض ممن قدر لهم الحظ في الدنيا أن ينالوا شرف قيادة شؤون شعوبهم، بأنهم بذلك المنصب قادرون على فعل كل ما يشاؤون بالتجبر والهيمنة التامة وبسط نفوذ سلطانهم بالبطش والقوة والقهر، وكان همهم بجميع تلك التصرفات إذلال الشعوب وإخضاعهم طواعيةً لما يفرضونه عليهم من أوامر دون أن يضعوا لكرامة الإنسان أي حساب في نفوسهم، مستبدين بآرائهم الفردية متخذين مما يملكون من قوة وجاه أسلوباً لإسكات كل صوت قد يعارض تصرفاتهم. تلك هي لغة الدكتاتوريين من قادة الشعوب الضعيفة التي كانوا يحكمون بلدانهم بقوة البطش المتجبرة مستهترين بكل الآراء ومتطلبات الشعوب، وقد لا يسلم حتى المخلصون لهم ممن يحاولون العمل لمصلحتهم ولمصلحة الحكم في البلدان.
يقول خبراء في تجارب الغير والتطورات السياسية العالمية واستبداد الدكتاتوريين إن التجبر والطغيان والتصرف الفردي المعاق ليست لها ردة فعل غير خلق روح العداء والكراهية بين الشعب وقائده. الأمر الذي ينتج عنه في كل الأحيان والأحوال تكتلات شعبية سياسية (سرية) تعمل مجتمعة في الخفاء للقضاء على عهود المتجبرين من قادة الشعوب الذين حينها يحاسبون شعبياً حساباً عسيراً بعد الإطاحة بقوتهم ويحين الأمر بزجهم في سجون العذاب.
في زمننا الحالي وعالمنا المتاح شهد الكثير من شعوب الدنيا ظواهر كالظواهر التي تطرقنا لها، ألا وهي انفلات وانحراف عقول بعض قادة الشعوب مما جر البعض منهم إلى أسلوب الدكتاتورية المطلقة في الحكم وطريقاً لمبادئ وجودهم في الحكم.
ومن الملاحظ أن في غالب الأحوال والأحيان الانقلابات الشعبية والعسكرية التي تتحقق على يد الشعب كان الأسلوب السائد ولا يزال الوحيد الذي كانت تتخذه الشعوب في الدفاع عن حياض كرامتها، إلا أن الملاحظ والذي لمسته الكثير من الشعوب ــ خاصة شعوب بلدان العالم الثالث التي واجهت هذا المصير ــ أن القوة الشعبية التي تأتِ لإزالة الدكتاتورية المتجبرة لم تكن في غالبية الدول التي مارست هذه الأحوال فيها. مَن جاء لقيادة حكم شعوب مؤهل تأهيلاً تاماً يمكنه أن يقود شعبه نحو الطريق السليم، ولا سيما أن الكثير ممن جاء للحكم الشعبي في هذه المرحلة ممن أفرزتهم الثورات الشعبية لم يكونوا يملكون الخبرة ولا الدراية ولا العلم الكافي الذي يساعدهم على قيادة شعوب بلادهم؛ لذا فهم من غير قصد يدخلون بلدانهم في متاهات سياسية، تأخذ من الشعب الشيء الكثير، وقد تتسبب في تدمير ممتلكات الدول وهدم مؤسساتها وإضعاف اقتصاداتها وضعف الأمن الشعبي فيها، فتحصل هنا مطحنة المتناقضات والتي تقود إلى الحروب السياسية الشعبية التي تصل أحياناً إلى استعمال الأسلحة المدمرة في معارك شعبية تقسم البلاد إلى قبائل وشعوب، كل فئة تتزعمها مجموعة من ذوي المصالح لا هدف لها إلا ما تناله من دعم دول الاستعمار التي تعمل لإعادة مجدها في تلك البلدان البائسة شعوبها.
ذلك ما قد حصل في بلدان كثيرة في زمننا هذا، أزاحت الدكتاتور لتأتي بالعديد من الدكتاتوريين غير مؤهلين لقيادة البلاد أو شعبها فتستمر المتناقضات والتطاحن بين قوى الشعب نفسه.

محمد سالم البلهان.

القبس-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate