حداثة و ديمقراطية

زمن التحدي الشعبوي للديمقراطية.

سواء انطلقنا من الوضع الفرنسي الحالي الذي يتحرك على وقع انتخابات هذه السنة، أو ذهبنا إلى الولايات المتحدة التي استعادت مؤخرا أحداث الهجوم على مبنى الكابتول أو ذهبنا إلى البرازيل وغيرها من البلدان التي استقرت فيها الديمقراطية، فإننا سنجد بين مختلف هذه الحالات نقطة تقاطع هامة تتمثل في مد الخطاب الشعبوي. وبالرغم من أننا نتحدث عن سياقات من الاستقرار الديمقراطي فإن الشعبويات أصبحت تهدد الديمقراطية باسم الديمقراطية وكأنها تدفع بها إلى الانتحار.

الحقيقة أن الشعبوية، وعلى عكس ما يعتقد البعض، ليست إيديولوجيا تصنَّف ضمن خانة الأنماط العادية مثل اليسارية واللبرالية والقومية. بل هي خطاب يتشكل تقريبا من نفس العناصر التي قد تكون على اليمين وقد تكون على اليسار كما قد تجمع شتاتا من هذا وذاك.

يتشكل الخطاب الشعبوي عادة حول مواجهة عدو ما، حقيقيا كان أو موهوما، ليستمد منها شرعيته لا من برنامج للحكم. وفي هذا السياق تكون مقولة الشعب هي الرافعة التي توجه المجهود الجماعي للتصدي لهذا الخطر المشترك. كما يستند الخطاب الشعبوي عادة على العلاقة المباشرة مع الشعب دون وساطات تقليدية مثل الأحزاب والمنظمات وحتى الإعلام ولنا في ذلك مثال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعلاقته بتطبيقة تويتر خير مثال. مع جملة هذه العناصر تجد فكرة المؤامرة مكانها لتوجيه الرأي العام نحو الآخر ونحو الخارج.

لكن مع وجود هذه القواسم المشتركة، يمكننا أن نميز بين نمطين من الشعبويات. شعبوية هووية يتمحور خطابها حول الهوية الوطنية المستهدفة من خطر خارجي مثل المهاجرين والعولمة. وعادة ما تكون هذه الشعبوية ذات منحى يميني متطرف مثل حالة المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيريك زمور أو الرئيس الأمريكي السابق ترامب. ثم شعبوية احتجاجية عادة ما تستهدف عدوا داخليا مثل الفاسدين أو حتى الصحافة والأحزاب المنافسة وعادة ما تكون يسارية المنحى كما كان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.

استهداف الديمقراطية في كلتا الحالتين واضح. فإن كانت الديمقراطية تتمثل في إدارة الاختلاف والتنوع في المجتمع فإن الخطاب الشعبوي يحولها إلى مواجهة وإلى تخوين وعدائية تجاه الخصم لتزيد من التوتر الاجتماعي. هذا إضافة إلى نفي دور التشكيلات الوسيطة التي تعد من أعمدة الديمقراطية الحديثة واستعداء الإعلام النوعي الناقد. لسنا نبالغ إذن إن قلنا بأن التحديات الأساسية للديمقراطية خلال العشريات المقبلة سوف تكون الشعبويات خاصة في ظل المساندة التي أصبحت تجدها من قوى دولية مثل الصين وروسيا.

لعادل اللطيفي.

مونت كارلو الدولية- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate