حداثة و ديمقراطية

العلم والسياسة: هل يمتزجان؟(٢)

الإيمان قبل الحقائق

عامل ثالث يقوض علاقةً متناغمةً بين العلم والسياسة هو أن المصلحة السياسية غالبًا ما يتم تشكلها من زاوية القيم، وليس الحقائق. على سبيل المثال، يجادل جينجيز واتران Ginges and Atran بأن دعم الناس للقرارات السياسية –كالقرار المتعلق بالذهاب إلى الحرب- هو نتيجة للتفكير الأخلاقي، بمعنى أننا “نتبع منطقًا متقيدًا بالقواعد الخاصة بالملاءمة الأخلاقية“، بصرف النظر عن الفوائد المادية لهذه السياسة. هذا يعني أن السياسة Policy غالبًا ما تكون مسترشدة إلى درجة كبيرة بالقيم الأخلاقية بدلًا من الدليل العلمي المتمثل بالسبب-النتيجة. عندما تهدد السياسة القيم، سوف يحتاج العلماء لفعل ما هو أكثر من الانضمام إلى شبكات الدعوة والدفاع والقيام “بعلم أفضل”.

بدلًا من ذلك، سوف يحتاجون إلى تغيير القلوب واستهداف القيم –وهي مهمة لم يُعَدُّوا لها إعدادًا جيدًا. هل هبط الأمريكيون بالإنسان على القمر لأن مهندسي الفضاء تمكنوا أخيرًا من بواطن وظواهر الدعوة السياسية؟ من غير المحتمل. البرنامج الفضائي كان أداة للنزاعات الأيديولوجية السائدة في ذلك الوقت. القيم هي التي دفعت العلم وليس العكس.

الدروس المستفادة؟

إذا كان العلماء يرغبون بأن يكون صوتهم مسموعًا وبأن يكون لهم تأثيرهم، فإن على الدعوة العلمية أن تحسب حسابًا أكبر للطرائق التي يعمل بها التحيز والمصلحة في المجتمعات السياسية. إن للنُخب مصالحها الخاصة ولذلك ينبغي ألا يتم تصورها “أُذُنًا” تتنافس عليها ائتلافات الدعوة. الدرس الأخير هو أن القيم تفوق الحقائق أهمية. ثمة سبب لتكون القاعدة الذهبية** أبقى ذكرًا من نظرية فيثاغورس. نحن نوع (species) اجتماعي يفضِّل طرح المشكلة السياسية من الناحية الأخلاقية بدلًا من السببية.

هل يعني هذا أنه قد حُكِم علينا بعالم من الساسة الذين يتبعون حدسهم والذين يتجاهلون بانتظام علماء بائسين ومهجورين؟ ذلك على الأرجح غير صحيح بشأن المستقبل كما هو بالنسبة إلى الماضي. بدلًا عن ذلك، إن ديناميكيات الخطأ والمصالح والقيم هي ميول نحسن صنعًا بعدم تجاهلها. على العلماء بالفعل أن يجدوا طرقًا ليكونوا دعاةً أفضل عندما تلزمهم عواطفهم وقيمهم نحو تلك الغاية. يُظهِر التاريخ أنه عندما يمزج العلماء الدليل العلمي بالقوة الأخلاقية، فلا بد أن يكون لهم أثر عظيم. والنجاح السياسي لبروتوكول مونتريال مثال واضح في هذا الصدد.

لا سبب لعدم تمكن العلماء أو عدم قيامهم بتطوير طرائق جديدة للدخول بشكل خلاق وفعال إلى ميدان السياسة. لكن العلماء سيحسنون صنعًا كذلك بالتفكير بحرص أكثر قليلًا حول ما هو بالفعل في مصلحتهم النسبية أن يقدموه، وبإعطاء وزن أكبر للتحيز النفسي والمصلحة السياسية والقيم المقدسة عند الدخول في ميدان معركة السياسة الائتلافية.

لزياد الأتاسي.

المحطة-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate