اصلاح ديني

من الأسلمة إلى التدين..كيف نفهم الحالة الدينية(١).

تحتاج النخب، بما هي القيادات السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية، أن تلاحظ أنّها تاريخياً وواقعياً هي المنشئة للاتجاهات والقواعد التنظيمية والاجتماعية والأخلاقية والدينيةللأفراد والمجتمعات، وأنّ الفوضى السائدة اليوم هي واحد من احتمالات ثلاثة: عجز أو نهاية أدوات التنظيم والضبط المستخدمة، أو إرادة نخبوية بالفوضى والتفكيك تجري بوعي مسبق كوسيلة جديدة أو استجابة في مواجهة التحولات الاجتماعية الكبرى التي تجري اليوم.

لم يعد الدين سؤالاً يشغل السلطات إلا عندما صار محركاً للمعارضة والاحتجاج والخروج من المجتمعات وعليها

وليست المطالبة القوية بالحريات والكرامة والعدالة سوى جزء ضئيل من هذه التحولات، وما تفعله النخب ليس سوى وضع المجتمعات والطبقات أمام خيارين: الإذعان مع الأمان، أو الحرية مع الفوضى، أو نهاية النخب والأفكار السائدة، وهذا ما أرجحه بسبب المنطق التاريخي لمسار الأمم، لتنشأ منظومة اجتماعية وفكرية جديدة وعقد اجتماعي جديد، واتجاهات ثقافية جديدة، وقيم وأفكار جديدة.

عندما تكون ماكينة تعمل لصالحنا، فإننا ننشغل بالدفاع عنها وحمايتها؛ بل وتقديسها، ولا ننشغل أبداً بالسؤال كيف تعمل، لكن عندما تتوقف أو تعمل بطريقة لا تفيدنا أو تضر بنا تتحول إلى سؤال، ونبدأ بالتفكير لاستعادتها أو حرمان الآخرين منها أو تدميرها إذا اقتضى الأمر، لكننا نادراً ما ننشغل بفهم الأسباب والقواعد التي كانت تعمل على أساسها. ماكينة الدين، على سبيل المثال، ظلّت تعمل قروناً متطاولة لصالح السلطة السياسية، لم تكن سوى أداة السلطة لاكتساب الشرعية والتأييد وضبط الأفراد والمجتمعات وتنشئتهم وفق مصالح وتوقعات النخبة السياسية. ولم يعد الدين سؤالاً يشغل النخب والسلطات إلا عندما صار محركاً للمعارضة والاحتجاج والخروج من المجتمعات كما الخروج عليها! وكانت السلطات في صراعها مع الجماعات الدينية المعارضة تقاتل لأجل استعادة الدين وليس لأجل الاعتدال أو التسامح أو الصواب الديني أو مواجهة الانحراف عن الدين! لكن السلطات تجد نفسها اليوم في مواجهة شبكات اجتماعية واسعة تلجأ إلى الدين في مواجهتها مع السلطة وهي في الوقت نفسه لا علاقة لها بجماعة منظمة أو معروفة!

وكما في الدين ففي السياسة والاجتماع أيضاً، تتحرك في مواجهة السلطة والنخب شبكة واسعة وعميقة من النقاط المجهولة بالنسبة للسلطات، والتي لن يفيد في تنظيمها أو استيعابها سوى عقد اجتماعي جديد يأخذ بالاعتبار إمكانيات الشبكية وتحدياتها.

لابراهيم غرابية.

حفريات-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate