اصلاح ديني

صراع العلم و الدين…..بين الماضي و الحاضر(٢).

النهضة الأوروبية

بعد قرون طويلة من احتكار الكنيسة للمعارف والعلوم وشيوع الأمية والجهل في مرحلة ما يسمى بعصور الظلام، بدأ العقل الغربي في التحرك بدءا من القرن الحادي عشر. وانطلق يتحسس خطاه في العلوم الطبيعية من مصدرين اثنين. أولهما ترجمة الكتب اليونانية والكتب الإسلامية في العلوم إلى اللغة اللاتينية. أما الثاني فبالاحتكاك المباشر مع المسلمين في بلاد الأندلس والشام ومن هاجر إليهم من العلماء المسلمين.

وعلى مدار القرون تحول الغرب من مستورد للعلوم إلى مستقل بذاته عن طريق أخذ المنهج العلمي التجريبي عن المسلمين عن طريق (روجر بيكون) و(غاليو) و(فرانسيس بيكون) و(ديكارت). وبدأ العقل الغربي يقف أمام الطبيعة بين نصوص الكتاب المقدس المحرفة بالوثنيات والأساطير، وبين العلم الرصدي القائم على البحث والتجربة. فلا عجب أن تتعارض نصوص الدين مع ما وصل إليه العلم عندهم. ونشب عن ذلك التعارض علماء يدعون أن الدين هو إقحام فكرة الإله لسد الفجوات المعرفية، وأن الدين هو الرواية الخرافية عن الطبيعة، على العكس من العلم الذي يبنى على الأدلة والبراهين، ومن هنا بدأت المخاصمة بين العلم والدين.

ونتج عن التعارض بين الكتاب المقدس والعلم فرق شتى، لكل منهم موقف ما من هذا التعارض. فهناك من أقر أن الكتاب المقدس عصمته محدودة، ولا بأس أن يخطئ في حقائق العلم والتاريخ، وهناك من أقر أنه وحيٌ عن طريق الإلهام ولكنه غير معصوم. وظهر من قرر الإيمان بالإله المحض بعيدًا عن العقيدة المسيحية مثل نيوتن وآينشتاين، وظهر اللا أدريون مثل دارون. فبين المسيحية المحرفة والعلم، كان الصراع بين أساطير الأولين والحقيقة العلمية.

وقد انتهى الصراع بين العلم والدين في أوروبا بغلبة المنطق الوضعي أو العلموي ظاهريًّا، وبدأ عصر العقل عند الغرب وهو ما يسمى بعصر الأنوار، فالدين –المسيحي– عندهم هو سبب التخلف في العصور الوسطى، والتقدم الحضاري لن يحدث إلا إذا تمردوا عليه! وكما أن الغرب استوردوا من المسلمين المنهج التجريبي لتقام لهم ثورة معرفية، استوردوا من المسلمين مبدأ تسخير الكون القرآني، {وَسَخَّرَ لَكُم مَا في السَّماواتِ ومَا في الأَرضِ} [الجاثية: 13]

وبعد تَحوُّل العقلية المسيحية من النظرة الخرافية التي تفسر كل ظواهر الطبيعة على نحو متناقض إيمانيًّا وعقليًّا وعلميًّا، إلى النظرة العلمية التجريبية التي تسعى لتسخير المادة لمصلحة الإنسان، انطلق الغرب في بناء حضارته ماديا وتكنولوجيا. وللمرء أن يقول -بكل ثقة- إن حضارات غير المسلمين وقفت –باستفادتها من علوم المسلمين- على أكتاف النظرة القرآنية للوجود، ولولا وضع القرآن الإنسان في مكانته الصحيحة من هذا الكون لما قامت لأي حضارة من تقدم!

السبيل-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate