اصلاح ديني

الإسلام العامُّ كتِرياق للعُنف؟(٤).

الغرب» في مجابهة «البقيَّة»: تهافُت مقولة

خلال فترة انهيار الاتِّحاد السَّوفييتيِّ في عام 1991؛ أصبحت العديد من الأفكار السِّياسيَّة المختلفة متداولةً بفضل تبنِّيها نظريَّة أنَّ الإسلام -أو ما يفترضه البعض إسلاماً- يُحدِّد هويَّة وسلوك المسلمين على نحوٍ لا تفعله بقيَّة الأَديان في العالم بأتباعها.

يؤكِّد بول جوهنسون (1991) أنَّ «الحضارة الأوربيَّة» تواجه «ثالث أعظم غزوٍ» على يد قوى الإسلام الَّتي يراها مُتمركزةً في النِّطاق المتوتِّر الممتدِّ على طول 4000 ميل من شمال إفريقيا إلى الصِّين. وهذا الغزو المتمثِّل في النُّموِّ الدِّيمغرافيِّ وهجرة العمالة؛ يوصَف بأنَّه مُماثل للتَّهديد النَّاتج عن التَّوسُّع الإسلاميِّ في أوربا في القرن الثَّامن، وصعود الإمبراطوريَّة العثمانيَّة في أواخر القرنين السَّادس عشر والسَّابع عشر. وعلى غرار صامويل هنتنغتون (1993a: 34) الَّذي كتب عن «الحدود الدَّمويَّة» للكتلة الإسلاميَّة الهلاليَّة الشَّكل والمُمتدَّة من إفريقيا حتَّى وسط آسيا؛ فإنَّ جوهنسون، ولسبب غير مفهوم، استبعد جنوب شرق آسيا؛ حيث يسكن نصف مُسلمي العالم، وحيث لا يتجلَّى التَّهديد الآنِف الذِّكر.

كتب جوهنسون أنَّ النَّاس في هذا القوس الشَّاسع يُحرَمون من «المفاهيم ذات الطِّراز الغربيِّ» مِن قِبَيل «الدِّيمقراطيَّة والحرِّيَّات الشَّخصيَّة وحكم القانون»، واستخدامُه لصيغة المبنيِّ للمجهول «يُحرَمُون» في الحقيقة محاولة للتَّستُّر عَمَّن حرمَ النَّاسَ من هذه المفاهيم. كما أكَّد آموس بيرلماتر (1992) أنَّ «الإسلام؛ سواءٌ كان أصوليَّاً أو غير ذلك» لا يتناسب مع «الدِّيموقراطيَّة التَّمثيليَّة اللِّيبراليَّة المبنيَّة على حقوق الإنسان والغربيَّة في روحها»، ولذلك فإنَّ الحركات الإسلاميَّة الدِّينيَّة «ينبغي أن يُقضَى عليها في مهدها». وهؤلاء المفكِّرون غير المتعاطفين مع الإسلام والمسلمين ليسوا الوحيدين الَّذين ينتقدون الإسلام؛ فالقادة والمثقَّفون المسلمون، كالمنفيِّ التُّونسيِّ راشد الغنوشيِّ (1992) يقوم بذلك أيضاً. ففي مقالٍ له بعنوان: «الإسلام والحرِّيَّة يمكن أن يكونا صديقين»؛ استحضرَ مفاهيم من قبيل: دور «الحكومة في الإسلام»، كما لو أنَّ «الإسلام» فرضَ وجهةَ نظر واضحة وأبديَّة.

من جهته؛ يؤكِّد صامويل هنتنغتون (1993a: 24-25) أنَّ «الحضارات غير الغربيَّة» قد أصبحت فاعلة سياسيَّة أكثر فأكثر. وتحديثاً لفكرة التَّقاليد الحضاريَّة لأرنولد توينبي(1947)؛ فإنَّ هنتنغتون رأى أنَّ «الإسلام» و«الكونفشيوسيَّة» أطروحات مناقضة للغرب، وبالتَّالي؛ اقترحَ أن يُطوِّر الغرب استراتيجيَّات لتحريض الواحدة ضدَّ الأخرى. تمكَّن توينبي، والَّذي اعتمد عليه هنتنغتون، من تحديد إحدى وعشرين حضارة مختلفة، منها ستَّة من المفترض أنَّها مازالت على قيد الحياة إلى اليوم. وبفضل قراءة متأنِّية لتوينبي؛ انتبه هنتنغتون إلى ضرورة تجنُّب فكرة استحضار تاريخانيَّة الجيل السَّابق الأخلاقيَّة؛ والمشحونة بالصُّوَر النَّمطيَّة. وهكذا؛ فقد كتب توينبي أنَّ العثمانيِّين فشلوا كحضارة لأنَّهم «حقَّقوا انتصاراتهم المدهشة بفضل تقمُّصهم لطبيعة حيوانيَّة، وحصر عقولهم في السُّلوكات الغريزيَّة الأحاديَّة المسار». وبناء على ذلك؛ أنزلهم توينبي إلى فئة الحضارات «الموقَّفة»، والَّتي تتضمَّن أيضاً كلَّاً مِن البولينيزيِّين (polynesians) والأسكيمو (eskimos) والبدو الرُّحَّل (nomads) والإسبرطيِّين (toynbee 1947: 566-567) (spartans).

تُشجِّعُ البساطة الواضحة لأنساق مثل أنساق توينبي وهنتنغتون على تمثيل حضارات وأديان «الآخَر» باعتبارها كينونات أبديَّة، كما سبق أن مثَّلها الاستشراق في جيل سابق. وفي هذا الصَّدد؛ فإنَّ وصفة هنتنغتون الهشَّة حول «الغرب في مجابهة البقيَّة» خدَّاعة ومُضلِّلة في بساطتها المانويَّة، شأنها شأن وصفة دانيال ليرنر عن «مكَّة أو المكنَنة» (mecca or mechanization 1964: 405)، والَّتي عملت على صرف الانتباه عن الاختلافات الدَّاخليَّة والتَّاريخيَّة، بين ما يُنظر إليها على أنَّها حضارات، وذلك النِّقاش المحتدم داخلها.

ومع ذلك؛ فإنَّ إحدى النَّتائج الإيجابيَّة لصيغة هنتنغتون؛ كانت هي إعادة توطين مفهوم الثَّقافة -وإن كان مفهوماً متجاوزاً ومليئاً بالنَّقائص- داخل مجال دراسة السِّياسة الخارجيَّة والعلاقات الدُّوليَّة، والتَّأكيد على أنَّ الدَّولة الوطنيَّة لم تعد القطب الوحيد المُحدِّد للهويَّة في الفكر السِّياسَويِّ. ومع ذلك؛ فالحضارات لا تُجسِّد دوراً فاعلاً فوق خشبة مسرح الإنسانيَّة. فالفاعلون الحقيقيُّون هم حملة التَّقاليد الحضاريَّة، وحتَّى في المجتمعات الَّتي تُصنَّف على أنَّها «تقليديَّة» -أو الَّتي يمكن بصيغة مغايرة نعتها بالشَّعبويَّة (populist)-؛ نلحظ داخلها اختلافاً وتنافساً ونقاشات داخليَّة مُستمرَّة حول تحديد القيم الرَّئيسة وحول تحديد الجهة «المخوَّل لها» التَّعبير عن تلك القيم وكيفيَّة تفعيلها.

ترجمة ماهيتاب صبحي منتصر ، لديل أيكلمان

مؤسسة مؤمنون لاحدود-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate