اصلاح ديني

متطلبات الإصلاح.. ما الذي ساهم بتفوق بعض الأنظمة التعليمية؟ (٣).

متطلبات الإصلاح التعليمي

يتضح مما سبق أنّ منهج الإصلاح يتفوق في أهميته على محتوى الإصلاح، وكما رأينا فإنّ ما يصلح لنظام تعليمي قد لا يصلح لغيره. لذلك يبدو الحديث عن منهج الإصلاح أكثر ضرورة.
إنّ نهج الإصلاح يمكن أن يعتمد على مبادئ أساسية قد تتفق أو تكون مشتركة بين الجميع مثل:
1- وجود إرادة سياسية واضحة للإصلاح التعليمي، تستطيع حد الطاقات وتقليل مقاومة المحافظين أو الرافضين لأي إصلاح، فمثلاً: لو تطلب الأمر لتقليل حصص اللغة العربية أو التاريخ، فإنّ المجتمعات العربية سترفض ذلك، وقد تتمرد لو عرض عليها تقليل حصص التربية الإسلامية. لهذا لا يمكن البدء بالإصلاح دون وجود إرادة سياسية لذلك.

وجود إرادة سياسية للإصلاح التعليمي تستطيع حد الطاقات وتقليل مقاومة المحافظين أو الرافضين لأي إصلاح

ففي المملكة العربية السعودية تمكّن النظام التعليمي من إحداث تعديلات مهمة في المناهج، حيث أدخلت مادة تعليم التفكير ومادة المنطق. وهذه مهمات مستحيلة لو لم تتوافر إرادة سياسية لذلك.
أما في الأردن، فإنه يستحيل الحديث عن إدخال مادة الفلسفة أو المنطق أو التربية الجنسية، أو حتى تقليل وحدات دراسية من مادة التربية الإسلامية خوفاً من الإرباك المتوقع نتيجة لمثل هذه القرارات.
2- بناء شبكة دعم واسع للإصلاحات التربوية، تتمثل بضمان تأييد المعلمين والأهالي ورجال الدين وغيرهم من الجماعات المؤثرة في المجتمع.
وهذا يتطلب أن يكون نهج الإصلاح علمياً، وأن تكون غاياته واضحة، ولا مجال أصلاً لإصلاح تعليمي ليس مدعوماً مجتمعياً.
ففي الأردن عام 2016 تم إحراق عدد من الكتب المدرسية، رداً على تعديل أجري على منهاج اللغة العربية، تطلب تقليل عدد الأحاديث النبوية؛ فالإصلاح يبدأ بالعمل مع فئات المجتمع وتوضيح غايات الإصلاح أمامها.

3- أن يكون الإصلاح المطلوب قريباً من مستويات المعلمين، ولا يجوز أن يفوق الإصلاح ما يستطيع أن يقوم به المعلمون.
وقد أثبتت تجارب عديدة أنّ المعلمين -وتحت أعذار مختلفة- يستطيعون تدمير أي إصلاح إذا كانوا بعيدين عنه.

4- بناء توافق وطني حول متطلبات الإصلاح واتجاهاته، ولا يكفي أن نقول إننا نريد تعليم مهارات التفكير مثلاً، فلا بد من تحديد هذه المهارات، ومجال استخدامها.

فمهارة الشك مثلاً كانت مرفوضة في المناهج الأردنية، للاعتقاد بأنه قد يساء استخدامها وتوظيفها، كذلك مهارات مثل نفي المسلّمات وعكس المسلّمات وتشويه المسلّمات. فلن يقبل المعلمون ولا المجتمع أي مهارة قد يفهمون منها، حرية زائدة في التفكير.

أشارت دراسات عديدة إلى أن المشتركات الوطنية هي:
– مهارات حقوق الإنسان بما في ذلك المرأة.
– مهارات التفكيرالمنطقي والناقد والإبداعي.
– مهارات تخطيط المستقبل.
– مهارات إدارة الذات.
– مهارات العيش في عالم التغير السريع.
– مهارات استخدام “الإتيكيت” والبروتوكول.
– مهارات الحفاظ على سلامة البنية.
– مهارات الذوق والجمال.

5. بناء قدرات النظام من حيث الموارد الفنية الإنسانية، وهي أكثر أهمية من الموارد المادية. ومن الموارد المهمة أيضاً اختيار توقيت الإصلاح ومدة العمل عليه، فالإصلاحات التربوية لا تظهر آثارها بسهولة وسرعة، فلا بد من فترة بين بداية الإصلاح وبين حصد ثمراته.

هذه هي متطلبات الإصلاح، مع التنويه إلى أنه ليس هناك محتوى معين للإصلاح؛ فالمحتوى يعتمد على ظروف النظام التعليمي؛ فالواجبات البيتية قد تكون إصلاحاً أو إعاقة، وكذلك الإنفاق الزائد ومدة الدراسة أيضاً.

ولكن لا بدّ للإصلاح من أن يكون تقدمياً، بمعنى أن يعتمد البحث العلمي والمنهج العلمي. وأن يعترف بأنّ كل طفل قادر على التعلم، وأنّ التعليم الجيد هو ما ينمّي مهارة التعليم مدى الحياة. ولن يشعر الطلبة بذلك الاّ إذا شاهدوا معلّميهم متعلمين لا مجرد معلمين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate