حداثة و ديمقراطية

الضمير في مرآة بول ستروم(٣).

– علمانية الضمير:

يرى ستروم: أنّ هجمات كالفن على الضمير، كانت شديدة القسوة؛ حيث يرى كالفن: أنّ أمر الخلاص، يرجع إلى مدى إيمان الفرد بالمسيح، وبالتالي، فإنّ البروتستانتية نزعت عن الضمير الصفة المؤسّسية، فتفكّكت الروابط بين الشعائر الدينية، والضمير الفردي، وظهر ضمير أكثر دنيوية، وهو ما كان موجودًا لدى الرومان؛ كان الضمير عندهم اجتماعيًّا أكثر منه دنيويًّا، وهكذا، حسب ستروم: إنّ رؤية الضمير على أنه كان مستقلًّا جزئيًّا، أو حتّى كلّيًّا عن الوازع الديني، كانت دائما مطروحة وموجودة، ومنذ أواخر القرن السابع عشر، بدأ الضمير العلماني في التنافس بشكل عملي مع الضمير المسيحي على التأثير في تنظيم حياة البشر. وقد رفض لوك الادّعاء القائل: إن الضمير ينبع من الإيمان الفطري، أو كونه هديّةً مرسلة من الله؛ لذلك ذهب إلى القول: إن العقل؛ هو الحكم. مع عدم إنكاره التنوير الإلهي، لكن المصدر الرئيس للقيم الأخلاقية ليس الوحي الإلهي، مؤكّدًا أنّ أيّ وحي مزعوم، يجب تقييمه بناءً على أسس معيّنة غير الاقتناع العاطفي؛ بل يجب أن يحكم عليه بالعقل.

توقّف ستروم عند قضية مهمّة؛ وهي الضمير والإجماع الاجتماعي، وقد أكّد أهم فلاسفة القرن الثامن عشر، تأكيدًا متزايدًا على مفاهيم العقل والعاطفة، وأخيرًا، الإحساس بالأمور المتعلقة بالاختيار الأخلاقي. إلا أنّ أي اختيار أخلاقي، يتم بالكامل داخل عقل صاحبه يظل عرضة للدوران في حلقة مفرغة، وعرضة للسفسطة. والعقل وحده، أو حتى بعد تطبيقه على الدليل التجريبي، غير كافٍ لمراقبة عمل الضمير، وخاصة عند تطبيقه بواسطة الفرد المستقل؛ فهو يظل عرضة للخطأ، أو للتأثر بالمصلحة الشخصية، عندما يُستخدم في غياب سلطة خارجية أو قيد. وإذا كان ذلك القيد لن يوفره إله متدخّل بقوة، أو توفّره أوامر الدين. ويعتقد كلٌّ من لوك وشافتسبيري: إنه يجب ألا يحدث ذلك؛ فإن الميل نحو القواعد الاجتماعية والإجماع، يوفر أساسًا بديلًا لنظرية السلوك الأخلاقي. وتطرق إلى عمل آدم سميث بطريقة لطيفة، يقول عنه ستروم: “كان الشخص الذي وضع كل ذلك، على أساس اجتماعي بطريقة لطيفة، وهو أساس لا يحتاج إلى إنكار مشاركة الله في الشؤون المتعلقة بالضمير، لكنه لا يتطلب، إطلاقًا، حضور الله. (هو الفيلسوف الإسكتلندي آدم سميث). ولا يستبعد سميث الإله تمامًا عن نظامه، لكنه يقدمه في صورة ضعيفة، لا تتيح له السيطرة مستقلًّا فيما يتعلق بأحكام السلوك البشري”. وهذا يُعدّ تأكيدًا على أهمية السلوك لدى الفرد، دون ربط ذلك بالإله. وبالتالي، حسب سميث: يجب على الإنسان أن يعتبر نفسه عرضة للمساءلة أمام رفاقه من البشر، قبل أن يكوِّن فكرة عن الإله، أو عن القوانين التي يستخدمها ذلك الربّ، في الحكم على سلوكه.

– صوت الضمير:

يؤكد بول ستروم: أنّ للضمير صوتًا، ودليله؛ قصّة أوغسطين، وتردّده في الاختيار، فطالب الضمير بحقّه في التعبير عن نفسه، وهنا، يقول ستروم: “يؤكد الضمير بقوّة على حقّه في الحديث، وأنه لن يُحرم منه، ومع ذلك؛ فهو يتحدث بوصفه صديقًا ومستشارًا، وليس مغتصبًا أو متنمّرًا، وهو يعبّر عن كلماته داخليًّا، ويظهر تأثير هذه الكلمات خارجيًّا أيضًا، وتبدو صلته الحميمة بصاحبه واضحة، في اختياره مخاطبة أوغسطين بضمير المخاطب”. ويؤكد ستروم، نقلًا عن إدوارد إريل كلاريندون: أنّ الضمير سيضعف في حالة مراعاة المصلحة الخاصة، أو حينما تتغلّب عليه الأعراف، وممّا تجدر الإشارة إليه، والتأكيد عليه، وفقًا لبول ستروم: هو أنّ بعض الناس يمضون في طريقهم، دون أن يمتلكوا ضميرًا على الإطلاق، وبالتالي، سيكونون قادرين على القيام بالأعمال المشينة، دون ندمهم على ذلك. ما ذهب إليه ستروم صحيح، إلاّ أنّنا، في الوقت نفسه، نقول: إن العديد من القضايا تكون فيها الاستثناءات لتعدد فئات المجتمع الواحد، وفي هذه الحالة، يغيب الضمير عن هؤلاء، أو بعبارة أخرى، نقول: إنّ ضميرهم السلبي، سيكون أمام مواجهة القانون، ومواجهة ردّ ضمير المجتمع ككلّ.

ويبقى الضمير، رغم كل ما قيل، في حاجة إلى المزيد من البحث والقراءات؛ فهناك إشكالات جمّة، مثلًا؛ عندما يرفض أشخاص ما الخدمة العسكرية، لكون ضميره يرفض الحروب؟ أو رفض الأطباء لعملية الإجهاض، مثلًا، فهل يمكن حينها اعتبار الضمير حقًّا مدنيًّا؟ أم أنه يعدّ وسيلة للتهرّب من أداء الواجب؟ وبالتالي، يكون الضمير مثله مثل الدين، يتخذه الفرد لتبرير بعض السلوكيات. وسيستمر الضمير، حسب تعبير ستروم، في عمل ما كان يعمله دائمًا، على مستويات متنوعة، لكنّه أصبح يحظى باحترام أقلّ، أو فارغ من المحتوى الأخلاقي المقنع الذي يستحقّ الإعجاب.

لمحمد أدعيكل.

مؤسسة مؤمنون بلاحدود- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate