اصلاح ديني

الدين و التدين(٣).

النظرية الطبيعية لصاحبها ماكس مولر: يرى مولر أن الإنسان الأول عندما نظر في الطبيعة المترامية المتسعة حوله هالته وأدهشته وراعته، فانفعل بذلك انفعالاً رأى معه استحقاقها للعبادة، وهو تفسير نفسي في حقيقته، غير أن مولر يستند كذلك إلى علم اللغة المقارن الذي أفاد منه نتيجة معرفته بالسنسكريتية (اللغة الهندية) على وجه الخصوص، حيث لاحظ أن أسماء الآلهة في اللغات الهندية الأوروبية تتشابه، وهذا يعني أنها كانت لغة واحدة تشعبت بعد ذلك نتيجة تشعب الشعوب ذاتها، ويعني كذلك أن هذا التقديس هو الصورة الأولى للدين قبل نشوء الحضارات المتشعبة. ويرى مولر أن ظواهر الطبيعة استحقت العبادة بعد أن خلع عليها الإنسان البدائي الروح أو الحياة، نتيجة الخديعة التي أوقعته اللغة بها، فنحن نقول “النهر يجري”، و”الشمس تطلع”، وهي تعابير مجازية في أصلها خاصة بالأحياء، غير أن هذه المجازية اكتست صورة الحقيقة مع مرور الزمن، فأضحت الطبيعة نفسها كائنات حية تتفاعل مع الإنسان وتطلعاته وآماله، يسألها فتجيب، ويدعوها فتعطي.

ماكس مولر

وقد وجهت اعتراضات إلى هذه النظرية، منها ما يأتي:

تكرار وقوع الأحداث الطبيعية يجعلها اعتيادية بدلا من افتراض أنها تدفع الإنسان إلى التأمل فيها وتعليلها، وقد يكون هذا التأمل خاصا بالفلاسفة والحكماء دون العوام الذين يمثلون السواد الأعظم من المتدينين.

إذا فرضنا صحة القول بأن الروعة أو الدهشة هما علة عبادة الإنسان الأول للقوى العليا في الطبيعة، فكيف نفهم عبادته لقوى تافهة كالأحجار والحشرات ونحوهما؟ ثم كيف نفسر الفصل التام لدى هذا الإنسان بين الأمور المقدسة والأمور العادية طالما أن دواعي الرهبة والدهشة مبثوثة في أرجاء الطبيعة؟ وكيف نفهم استمرار الأديان ورسوخها عبر التاريخ وصولاً إلى اليوم على الرغم من أن معرفة الإنسان بالطبيعة قد تعمقت، ويوماً بعد يوم يملك قدراً من القدرة على توجيهها والتحكم بها؟

السبيل- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate