اصلاح ديني

الدين و التدين(١).

يذهب علماء الأديان إلى أنه ثمة مستويان اثنان يتصلان بدراسة الدين؛ المستوى الأول يتجه إلى دراسة دين بعينه، من خلال نصوصه الرئيسة، وآثاره الاجتماعية والثقافية والسياسية، أو من خلال سياقه الحضاري، كأن ندرس اليهودية، أو المسيحية، أو الكونفوشيوسية مثلاً.

أما المستوى الثاني فيتجه إلى دراسة الدين من حيث كونه ظاهرة عامة حاضرة في التاريخ الإنساني كله، بعيداً عن تناول دين بعينه؛ فإذا تحدثنا عن الظاهرة الدينية من حيث هي أنماط يمكن تتبعها وتصنيفها من خلال نصوصها فنحن نتحدث عن الدين، وإن تحدثنا عنها من حيث هي تجارب تظهر في سلوك المتدينين وأحوالهم النفسية والعقلية، فنحن نتحدث عن التدين. فإذا تبين ذلك فما هو الدين بهذا المستوى الثاني، أي من حيث كونه ظاهرة؟

اقتُرحت تعاريف كثيرة لبيان معنى الدين، يؤخذ عليها في غالبها أنها متأثرة بموقفها السابق أو تفسيرها للظاهرة الدينية ذاتها، ولكن الذي تتفق عليه هذه التعاريف غالبا أنه لا بد في الدين ليكون ديناً من وجود ذات مفارقة متعالية يتوجه إليها المتدين. وقد يمكن تعريف الدين بأنه “الاعتقاد بوجود ذات أو ذوات غيبية علوية، لها شعور واختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تعني الإنسان، اعتقاد من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوغ، وتمجيد”. أو بأنه “إقرار الإنسان الواعي بأن حياته ومصيره متعلقان بكائن متعالٍ عنه وعن العالم، والتعبير عن هذا الإقرار الواعي في نطاق حياة الفرد والمجتمع”.

ذن أساس الدين هو الإيمان بوجود كائن متعالٍ، سواء اعتُبر هذا الكائن شخصاً أم مجرد قوة لا شخصية، والإيمان بأن هناك ارتباطاً بين هذا الكائن والعالم والبشر. فالدين هو الاعتراف بهذه العلاقة، لا اعترافاً عقلياً على مستوى الفكر وحسب، بل اعترافاً يشمل الوجود كله.

و الإيمان ليس مجرد موقف داخلي فحسب، فالإنسان كائن اجتماعي، وهو أيضا كائن قائم في وحدة الروح والجسد، ولذلك فلا يمكن أن يبقى الموقف الباطن والاعتراف بأمر ما دون تعبير خارجي محسوس، وإلا تعرض الموقف الباطني للتلاشي دون تمكننا من اختباره.

إذا تبين هذا، فيمكننا من خلال التعريفين السابقين للدين أن نحدد أربعة عناصر للدين، وهي الاعتقادات، الشعائر والعبادات، الفرائض والالتزامات التي يفرضها الدين أو يقتضيها، وتنظيم حياة الجماعة.

وإلى قريب من هذا ذهب الفيسلوف المسلم أبو الحسن العامري، إذ رأى أن الدين إنما هو اعتقادات وعبادات ومعاملات ومحرمات، وكذلك “ملك وخطط”، ويعني به الأثر الثقافي والاجتماعي والسياسي، أي الدور الحضاري للدين. فليس الدين مقولات فقط وإنما هو حضارة كذلك، وهذه رؤية تستند فيما يبدو إلى آيات قرآنية كثيرة، تحض على العمل وتربط بينه وبين القول.

السبيل- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate