اصلاح ديني

أزمة تعريف الدين(٢).

تعريف الدين

الدين في تعريفه وفي هدفه الأكبر هو الهداية في شؤون الغيب التي لا يهتدي إليها الإنسان عن طريق عقله المجرد وحده. إذ إن العقل البشري مؤهَّلٌ أن يكتشف كل أسرار المادة ويفك أعقد ألغازها، ولكنه يقف أمام الغيب وكأنه يقف أمام جبل شاهق لا يدري ما وراءه. فهو إما أن يجازف ويحاول عن طريق الديانات الباطنية التي تدعي قدرة كل إنسان على الاتصال بالغيب، ثم يقف حائرا بين معرفة الغيب وشكوك التعرض إلى الهلاوس، أو أن ييأس ويرضى بما قدر له من نصيب محدود في المعرفة ويكون وجوديا ماديا. أو أن يسعى للبحث في الدين لعله يصل إلى أطراف من الحقيقة قد تهديه إلى الحق المطلق!

والإنسان لا يرضيه معنى الحياة السطحي المتوفر له الآن من أمور معيشته الشخصية، فهو في بحث دائم عن اكتمال المعنى. والعقل المجرد يربط الجزئيات الصغيرة ليشكل معنى محدود، ولكنه يقف أمام الأسئلة الكبرى وهو عاجز عن توفير إجابات كاملة بعيدا عن اتباع الظنون ومكر الأهواء!

فالدين هو الهداية في الأسئلة الوجودية الكبرى التي لا يجيب عنها الإنسان وحده. وهو السبيل الآمن للإجابات اليقينية بلا مجازفات، وبه يتملك الإنسان رؤية كاملة شاملة عن الوجود بأسره، وتلك الحكمة من نزول الدين أول الأمر! فقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم: 1]

فبالدين تكتمل نعمة الخالق على الإنسان، لتكون النعمة الأولى هي الإيجاد والإنعام المادي الذي يتلقاه كل البشر، وبهدايته وإرشاده في تساؤلاته الكبرى تتم نعمة الله عليه، وهو مصداق قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

أما تعريف الدين لغويا، فإن اللغة العربية تمتاز بتغير معنى الكلمة بمجرد تغيير تشكيل الحروف. فقد تتحول (كَبَر) – بفتح الكاف والباء – من معنى ازدياد السن وبلوغ العجز إلى (كِبر) – بكسر الكاف – معنى الغرور والنرجسية. فتغيير التشكيل من الفتحة إلى الكسرة يغير المعنى من المادية إلى المعنوية. ولذلك الدين يأتي على وزن (دين) بفتح الدال، وهو القسط المادي من الأموال الذي يلتزم به الإنسان. فما إن أصبحت (دين) بكسر الدال، أصبحت قسطًا معنويًّا يسدده الإنسان. ولما كان الإسلام ينص أنه لا إله إلا الله، وأن ما من نعمة إلا وهي من الله، فكانت العلاقة بين الخالق والمخلوق هي علاقة المتفضّل بمتلقي الفضل العاجز عن رده! فالدين معناه اللغوي هو محاولة تسديد الدين الإلهي على الإنسان، فيصبح الإنسان مدينًا لله لأن الله متفضِّلٌ عليه!

السبيل- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate