اصلاح ديني

أتباع الأديان إذ يحوّلون الإيمان إلى عصبيات(١).

يقع المتحمسون للدفاع عن دين وانتقاد غيره في تناقض منهجي، ففي حين يؤمنون بكتبهم إيماناً غير قابل للشك والنقاش العقلي،  يستخدمون العقل والمنطق في مجادلة الكتب والأديان الأخرى، والأغرب من ذلك محاكمة الأديان والكتب الدينية استناداً إلى معتقد ديني آخر.

الإنسان يؤمن ويصدق بقلبه ويفهم ويطبق بعقله، ولا يحتاج إلى دليل علمي أو عقلي كي يؤمن بفكرة هي ابتداء خارج مجال العقل. وفي اللحظة التي يلجأ فيها الشخص إلى العلم والمنطق يجب أن يقبل أنّها أفكار قابلة لأن تكون خاطئة، وأنّ إيمانه بها ليس سوى عجزه عن إثبات خطأها، بمعنى أنّها تظل عرضة للاختبار والمراجعة وموضع اعتقاد باحتمال أن تكون خطأ، لكن الإيمان الديني هو شعور عميق يطمئن إليه صاحبه ولا يخضعه أبداً للعقل.

الإنسان يؤمن ويصدق بقلبه ويفهم ويطبق بعقله ولا يحتاج لدليل علمي أو عقلي ليؤمن بفكرة خارج مجال العقل

وفي تحويل الإيمان والتدين إلى جماعات متراصّة، تحدد لأعضائها انتماءهم وهوياتهم وتميزهم عن غيرهم يتحول الدين من إلهيته إلى كونه فكرة تنظيمية أرضية، وفي إخضاع المواطنين لسلطة مؤسسات رسمية تعليمية أو دينية تجعل الدولة نفوذها وسلطتها مستمداً من الله بغير إذن منه.
وحين يتجادل أتباع الأديان والمذاهب في صفوق متواجهة ومنظمة تجاه بعضهم بعضاً، فإنهم يحولون الإيمان من المعنى المقدس إلى تجمعات ضيقة مهما اتسعت، ويقزمون المعنى من فكرة سامية إلى عمليات للحماية والصيد والرعي الجائر. وفي المحصلة تتحول العلاقة بالدين إلى عمليات سلطوية أو تشكيلات إنتاجية وحمائية، ويتحول الإيمان إلى عصبيات.
لا يطلب الإيمان الديني من المؤمنين أن يفرضوه على أحد ولا أن يجادلوا به سواهم؛ فالإيمان لا يناقش ولا يردّ، فذلك أمره إلى الله  تعالى وحده، وفي ذلك لا حق لأحد بأن ينشئ من الإيمان تشكيلات سلطوية أو سياسية أو اجتماعية، ولا تكليفاً لأحد بمواجهة غير المؤمنين أو فرض الإيمان عليهم أو محاسبة أحد بناء على اعتقاد أو عدم اعتقاد.
وبالطبع فلا يمكن إجبار أحد على معتقد ولا منعه من اعتقاد، ولا معنى للجدل العقلي والمنطقي حول المعتقدات الدينية بهدف نقضها أو إثباتها، ومن ثم لا يجوز محاسبة أحد على اعتقاده، لكن يجب أن يظل الاعتقاد الديني فردياً لا علاقة لأحد به سوى الفرد نفسه ولا سلطة للدولة أو المجتمعات عليه، ولا حق لها بتنظيمه وإدارته أو تعليمه.

لابراهيم غرايبة.

حفريات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate