اصلاح ديني

أزمة تعريف الدين(١).

من العبث أن يشرع الإنسان في دراسة علم ما في معزل عن فهم حقيقته وكنهه ومباحثه الأساسية. فكيف بمن يماري حول حاجتنا إلى الدين، أو يشكك حول بعض حقائقه، أو يجادل حول تشريعاته، متخطيا التعريف الشامل عن معنى (الدين)!

أساطير الأولين

يخبرنا القرآن الكريم أن عددًا غفيرًا من الناس كانوا ينظرون إلى الدين على أنه خرفات وأوهام ورثتها الشعوب من الأمم السالفة ولا حاجة لإعادة بعثها إلى الحياة في العصور الحديثة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل: 24]، بل إن مصطلح (أساطير الأولين) يتكرر في القرآن بغزارة، لأن البشر تختلف حول تعريفاتهم عن الدين، ولكن الغالبية كانت تتفق حول كونه خرافة من مخلفات العصور القديمة. وعلى هذا الأساس، أخرج لنا الغرب عشرات المفكرين الذين أنكروا الدين بهذا الدافع حتى لو اختلفت نظرياتهم حول تفسيره. والعامل الذي يجمع كل تلك النظريات أنها كانت تقع في مغالطة(المصادرة على المطلوب)، فهي تفترض بطلان وجود الإله والغيب والنبوات أولًا، ثم تشرع في رسم ملامح النظرية ثانيًا، وعندي أن المشكلة لم تكن في المصادرة على المطلوب بقدر خطر اختزال مفهوم الدين في تعريفات سطحية أبعد ما تكون عن حقيقته ومقاصده الكبرى. فللغرب في عصر التنوير أمثلة كثيرة من محاولات تعريف الدين والتعامل معه وكأنه مجرد ظاهره إنسانية شأنه شأن اللغة، وإليك بعض الأمثلة:

أعرض جون لوك عن الدين بحجة أن العلم التجريبي يوفر للإنسان الحقائق اليقينية، ومن ثم لا حاجة لدين مشكوك في عصمته العلمية! أما كارل ماركسفذهب إلى تعريف الدين على أنه وليد صراع مادي بين الطبقات الاجتماعية المقهورة وبين الطبقات المنعمة، وقال الكلمة الشهيرة في وصف الدين بأنه “أفيون الشعوب” الذي تستخدمه الطبقات القاهرة لتستعبد وتسيطر على المقهورة فحسب. فعند ماركس كل النصوص الدينية بمختلف مواضيعها من قصص الأولين والأنباء المستقبلية والتشريعات التفصيلية كانت من تأليف بشري إثر أزمة اقتصادية!

ويذهب سيغموند فرويد إلى أن الدين نشأ في حضارات ما قبل التاريخ نتاج جلد عنيف للذات من قِبَل من ارتكبوا إثما أدى إلى حالة من الندم والكبت العنيف، ثم تحول الكبت إلى محرمات دينية، فكان الدين!

فالدين عند هؤلاء، إما مجرد مصدر آخر للمعرفة في علوم الطبيعة، أو مجرد أفيون يستخدمه الطغاة في استعباد الضعفاء، أو مجرد حالة نفسية من الكبت ولّدت تأليف الدين لرسم الحلال والحرام وتوفير مساحة آمنة لعشاق دموع الندم ولهواه جلد الذات!السبيل-موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate