اصلاح ديني

التدين الشعبي وأزمة كورونا(٣).

كذلك من صور التعاطي مع الرمز الديني، الذي هو سمة بارزة في التدين الشعبي، والتي تجلت في أزمة كورونا وما تبعها من حظر للتجوال سبب انقطاع أرزاق كثير من الناس الذين يعتمدون على المردود اليومي، وما إن صدرت توجيهات خطية من المرجعية، حتى تسابقت قوافل المساعدات الغذائية، وبشكل لافت في مختلف الأحياء والقصبات السكنية في عموم العراق، ولرب سائل يسأل، هل مساعدة المعوزين – خصوصا وقت الأزمات – تحتاج إلى فتوى أو توجيه من الزعيم الروحي؟

بالتأكيد، إن مثل هذه التوجيهات التي تدعو إلى التكافل متوفرة وواضحة في النصوص الدينية والسيرة الخاصة بالنبي وغيره من الأئمة والأولياء والصالحين، لكن كما بينّا في هذا النمط من التدين إنه – في الغالب – لا يستحظر النص أو تأويل النص، بل يعتمد التعاطي المباشر على نحو الممارسة العملية.

ومن المعلوم أن نمط التدين الشعبي لا يقتصر على جغرافيا محددة، بل يشمل جميع الديانات والطوائف في مختلف العالم؛ فقد لجأ بعض المؤمنين لكتابة نصوص دينية على أبواب البيوت والمنازل أو رسم الرموز الدينية وأسماء الأولياء أو حتى رسم الصليب بالنسبة إلى المسيحيين، وفي تقديري هذا نوع من التماس الاطمئنان النفسي للشخص المتدين والمعتقد، لكن يمكن وضعه في التساؤل الأكبر في قابلية الإنسان للاستشفاء بالدين.

ويعتقد غيرتس: “أن النظم الرمزية هي أنماط ثقافية أيضاً، وهكذا قد ترى الأنماط الثقافية وكأنها نماذج للواقع مثلما هي نماذج من الواقع”.

إن أزمة فايروس كورونا كغيرها من الأزمات كشفت عن ممارسات متعددة ومتنوعة، يمثل بعض منها صورة مشرقة في التكافل والتعاون، حتى لو كان بتوجيه معين، وكشفت أيضا عن ممارسات لا ترتضيها حتى النصوص الدينية التأسيسية، وربما لا يمكننا وضعها في إطار ممارسات شعبية دينية، مثل: عدم احترام الخصوصية… فشاهدنا في أغلب الدول العربية والإسلامية، ومنها العراق انتهاكا صارخا للخصوصية، فعند اكتشاف أو الشك بوجود حالة مرضية تتعلق بوباء كورونا، تأتي سيارة الإسعاف وتقوم بتصوير البيت، وكأن المصاب بالفيروس مجرم يلقى عليه القبض.

ويبدو لي أن نمط التدين الشعبي يمكن أن يحدث أثرا فاعلا بما يملك من سلطة معنوية مؤثرة، فمثلما كان أحد الحلول لمواجهة الفكر المتطرف، يمكن الإفادة منه في مجالات أخرى عبر توجيهه توجيها صحيحا، يخدم المتدينين به والمجتمع الذي ينتشر به، وأعتقد أن عماد التدين الشعبي هو “حضور الجانب الرمزي”؛ فالتدين الشعبي مثال واضح على الأنظمة الرمزية، لكنه بحاجة إلى الدراسة والنقد ووضع الحلول للعوائق الاجتماعية التي تطرأ عليه، ولعل أزمة كورونا مثال واضح على ذلك.

إن أزمة كورونا تفرض وبإلحاح إجراء مراجعة شاملة لأكثر من مستوى:

– ديني، معرفي.

– اجتماعي.

– سياسي.

– ومستويات أخرى، وهذا يضعنا أمام مسؤولية كبيرة لمواجهة هكذا تحديات أمام سلطة رمزية اجتماعية.

لحيدر حسن الأسدي.

مؤسسة مؤمنون بلا حدود- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate