اصلاح ديني

التدين الشعبي وأزمة كورونا(٢).

محددات التدين الشعبي: 

ويمكن بالنظر إلى عدد من المعايير والضوابط الموضوعية أن نميز بين أنماط مختلفة للتدين بحسبانه ظاهرة تاريخية اجتماعية، يأتي في مقدمة هذه المعايير:

1. درجة ومستوى حضور النص الديني في الممارسات والطقوس التعبدية.

2. غياب النص ومن ثم غياب التأويل، أو اعتماد تأويل أو قراءة خاصة منتجة في إطار الممارسة الشعبية المستمرة.

3. في بعض الأحيان، يتجاوز هذا النمط من التدين النص والعمل بشكل صريح وعلني مخالف للنص برعاية رموز هذا النمط من التدين؛ أي دون الرجوع للمؤسسة الدينية الرسمية، المعترف بها.

4. هيمنة التقديس، وإضفائه على كل ممارسة شعبية، في إطار ديني.

5. الولاء للرمز الديني بشكل أو بآخر.

إن الرموز الدينية تفعل فعلها بأن توجد لدى المُتعبّد مجموعة من الحالات النفسية الخاصة (من الاتجاهات، أو القدرات، أو الميول، أو المهارات، أو العادات، أو نقاط الضعف أو الاستعدادات التي تصبغ أفعاله ونوعية تجربته بصبغتها المعهودة).

ومع قولنا، إن التدين الشعبي غالبا ما يتجاوز النص، أو يقوم بتأويله تأويلا يناسب المحيط والظرف المعاش، إلا أنه في الوقت ذاته يظهر ولاء كبيرا للرمز الديني، ربما غير حاضر في بيئة التدين الرسمي أو المؤسسي، ولأن (الرمز هو علامة تقارب، بواسطته يحدث التعارف بين حلفاء وينت الاتحاد بين مؤمنين. فالوظيفة الأولى للرّمز هي إرساء رابطة علاقة بين الناس، بتلك الوظيفة كمرجع يحدّد الرمز فعلاً اجتماعياً. فمنذ م. موس نُظر إلى الرمزيّة على أساس أنها واقعة داخل المجتمع. وحدها الوظيفة معتبرة في تلك الرؤية الإناسية المرجعية للرمز).

لكن مع هذا الولاء الكبير للرمز الديني، المتمثل بشخصية تتمتع بالورع والتقوى، نجد الولاء للمعتقد المتجذر تاريخيا، عبر الطقوس وغيرها، أحيانا يفوق الولاء الرمزي، ولذلك نشهد أحيانا ما يرقى للخرق في تراتبية واستمرارية الولاء وتجاوز الرمز، إذا ما شعر اتباع التدين الشعبي حصول ما يعدونه تهديدا لهويتهم التاريخية المتجذرة في النفوس.

ولهذا تصبح الثقافة الخاصة، والطقوس في أهم جوانب تلك الثقافة، ملجأ للجماعات، فتلعب دورًا أساسيًا في تصليبها، أيًّا كانت دينية أو وطنية أو غيرهما، وهي تمثل درعا لحمايتها، ووسيلة لاستمرارها وتوريثها وتعميقها وانتشارها، ومن هنا يكمن الاستبسال لدى كثير من المنتمين إليها عبر المشاركة في تلك الطقوس وإحيائها، والدفاع عنها بكل الشراسة الممكنة. إن حماية الهوية يعني تمتين خطوط الدفاع الأولى التي تمثلها الطقوس، وهذا أمر طبيعي جدًّا، فهي تحمل في ذاتها دفاعا عن الذات الشخصية، وعن الجماعة: حاضرها ومستقبلها.

أزمة كورونا وسلطة التدين الشعبي

يرى ميشال مسلان: “أن الشيء المقدس هو قبل كل شيء رمز”، وهذا يعني مدى التداخل بين المقدس والرمز، لكن يبدو أن أحدهما يرتبط بالآخر، وإذا أخذنا بالمفهوم الواسع لمصطلح السلطة، سواء كان في مجال علم النفس أو الاجتماع أو السياق الديني، نجد هناك نوع من التأثير والقوة، بل والإمرة والطاعة، التي هي من مؤيدات وحضور السلطة.

محددات التدين الشعبي: 

ويمكن بالنظر إلى عدد من المعايير والضوابط الموضوعية أن نميز بين أنماط مختلفة للتدين بحسبانه ظاهرة تاريخية اجتماعية، يأتي في مقدمة هذه المعايير:

1. درجة ومستوى حضور النص الديني في الممارسات والطقوس التعبدية.

2. غياب النص ومن ثم غياب التأويل، أو اعتماد تأويل أو قراءة خاصة منتجة في إطار الممارسة الشعبية المستمرة.

3. في بعض الأحيان، يتجاوز هذا النمط من التدين النص والعمل بشكل صريح وعلني مخالف للنص برعاية رموز هذا النمط من التدين؛ أي دون الرجوع للمؤسسة الدينية الرسمية[5]، المعترف بها.

4. هيمنة التقديس، وإضفائه على كل ممارسة شعبية، في إطار ديني.

5. الولاء للرمز الديني بشكل أو بآخر.

إن الرموز الدينية تفعل فعلها بأن توجد لدى المُتعبّد مجموعة من الحالات النفسية الخاصة (من الاتجاهات، أو القدرات، أو الميول، أو المهارات، أو العادات، أو نقاط الضعف أو الاستعدادات التي تصبغ أفعاله ونوعية تجربته بصبغتها المعهودة)[6].

ومع قولنا، إن التدين الشعبي غالبا ما يتجاوز النص، أو يقوم بتأويله تأويلا يناسب المحيط والظرف المعاش، إلا أنه في الوقت ذاته يظهر ولاء كبيرا للرمز الديني، ربما غير حاضر في بيئة التدين الرسمي أو المؤسسي، ولأن (الرمز هو علامة تقارب، بواسطته يحدث التعارف بين حلفاء وينت الاتحاد بين مؤمنين. فالوظيفة الأولى للرّمز هي إرساء رابطة علاقة بين الناس، بتلك الوظيفة كمرجع يحدّد الرمز فعلاً اجتماعياً. فمنذ م. موس نُظر إلى الرمزيّة على أساس أنها واقعة داخل المجتمع. وحدها الوظيفة معتبرة في تلك الرؤية الإناسية المرجعية للرمز)[7].

لكن مع هذا الولاء الكبير للرمز الديني، المتمثل بشخصية تتمتع بالورع والتقوى، نجد الولاء للمعتقد المتجذر تاريخيا، عبر الطقوس وغيرها، أحيانا يفوق الولاء الرمزي، ولذلك نشهد أحيانا ما يرقى للخرق في تراتبية واستمرارية الولاء وتجاوز الرمز، إذا ما شعر اتباع التدين الشعبي حصول ما يعدونه تهديدا لهويتهم التاريخية المتجذرة في النفوس.

ولهذا تصبح الثقافة الخاصة، والطقوس في أهم جوانب تلك الثقافة، ملجأ للجماعات، فتلعب دورًا أساسيًا في تصليبها، أيًّا كانت دينية أو وطنية أو غيرهما، وهي تمثل درعا لحمايتها، ووسيلة لاستمرارها وتوريثها وتعميقها وانتشارها، ومن هنا يكمن الاستبسال لدى كثير من المنتمين إليها عبر المشاركة في تلك الطقوس وإحيائها، والدفاع عنها بكل الشراسة الممكنة. إن حماية الهوية يعني تمتين خطوط الدفاع الأولى التي تمثلها الطقوس، وهذا أمر طبيعي جدًّا، فهي تحمل في ذاتها دفاعا عن الذات الشخصية، وعن الجماعة: حاضرها ومستقبلها.[8]

أزمة كورونا وسلطة التدين الشعبي

يرى ميشال مسلان: “أن الشيء المقدس هو قبل كل شيء رمز”[9]، وهذا يعني مدى التداخل بين المقدس والرمز، لكن يبدو أن أحدهما يرتبط بالآخر، وإذا أخذنا بالمفهوم الواسع لمصطلح السلطة، سواء كان في مجال علم النفس أو الاجتماع أو السياق الديني، نجد هناك نوع من التأثير والقوة، بل والإمرة والطاعة، التي هي من مؤيدات وحضور السلطة في سياق التدين الشعبي.

وذات السياق، كشفت أزمة كورنا مدى الاختلاف في الأوساط الشعبية، والجدل الذي يدور حول القداسة والطقوس والعلم وعالم الغيبيات؛ ففي بداية انتشار الوباء في الصين، بعض الأوساط الشعبية كانت ترى أنه عقاب رباني!!، وحين ظهر في بلدان العالم الإسلامي حاولوا تأويل المقولة وتغييرها، ومن ثم ربط بعضهم بين ظهور هذه الجائحة، وبين أخبار وأحداث آخر الزمان التي تزخر بها المدونات الروائية والحديثية، حتى وصلنا في هذا الوقت، إلى الاعتراض على طريق دفن المتوفين بسبب الفايروس، على أكثر من مستوى، ولعلنا نلخص ذلك في الآتي، مما يدل على غلبة وتفوق المعتقد والحضور الطقسي في صلب الممارسة الدينية الشعبية، حتى لو كان على حساب النفس والمجتمع.

ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك، ما حصل من جدل كبير في الأوساط الاجتماعية، وحتى قسم من الجهات الرسمية التي تخشى سلطة التدين الشعبي حول طريقة دفن المتوفى بسبب الفايروس وحكم تكفينه، مما استدعى تدخل المرجعية الدينية، بوصفها المثال الحي للتدين الرسمي النصي.

فقد حصل نوع من سوء التدبير والتخطيط في إدارة الازمة، خصوصا ما يتعلق بدفن المتوفين بوباء كورونا، حيث أصبح الموضوع مثار جدل ورفض من قبل الجهات في تحديد مكان الدفن، وكذلك في جواز التكفين من عدمه؛ لارتباط الموضوع بنقل الفايروس لمن يتصدى للتكفين والدفن، وقد رصدت بعض وكالات الأنباء الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي تذمر بعض المعنيين من ذلك.

ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي إن منع الدفن “قضية لا تنسجم مع الأعراف الدينية والإنسانية التي تشدد على أن إكرام الميت دفنه”. واعتبر أن مسألة انتشار المرض من الأموات “غير مستندة إلى حقائق علمية”، وأن هناك إجراءات تتخذها الدولة للحد من المخاطر “كالتعقيم ولف الجثة بأكياس وتابوت خاص”.

وبعد انتشار هذا الموضوع وحصول نوع من الإرباك وعدم اتخاذ الجهات الرسمية القرار الواضح، في هذه المسألة وخشيتها من السطوة الشعبية، وحساسية الموقف، أفتت المرجعية الدينية في مدينة النجف العراقية بوجوب تكفين الميت بوباء كورونا بالأثواب الثلاثة (الأكفان) وعلى السلطات المعنية تسهيل دفنه في المقابر العامة، ولا يجوز حرق جثمانه ، مما جعل السلطات الحكومية المعنية تجهيز طاقم متخصص لهذه المهمة، وكذلك تخصيص قطعة أرض لهذا الغرض، وبالفعل جرت الأمور بشكل انسيابي إلى حد ما.

كذلك انسحب الأمر لكن بشكل أقل في إقامة مجالس الفاتحة على روح المتوفين بسبب الفايروس، حيث الموضوعية تقتضي القول: إن أغلب الأوساط الشعبية، التزمت بعدم إقامة مجالس الفاتحة، سواء كان للمصابين بالوباء أو بغير الوباء، التزاما بتعليمات عدم كسر حظر التجوال، وربما يعزى ذلك الالتزام، لأن المرض أصبح حقيقة على أرض الواقع، لكن ظهرت حالات قليلة أصر أصحابها على إقامة مجالس الفاتحة مع إخفاء سبب الوفاة، مما اضطرت الجهات الحكومية لتنبيه الحاضرين والتوجيه بزيارة المراكز الصحية لغرض الفحص، نتيجة ملامستهم لذوي المتوفى خشية انتقال الفايروس.

ي سياق التدين الشعبي.

وذات السياق، كشفت أزمة كورنا مدى الاختلاف في الأوساط الشعبية، والجدل الذي يدور حول القداسة والطقوس والعلم وعالم الغيبيات؛ ففي بداية انتشار الوباء في الصين، بعض الأوساط الشعبية كانت ترى أنه عقاب رباني!!، وحين ظهر في بلدان العالم الإسلامي حاولوا تأويل المقولة وتغييرها، ومن ثم ربط بعضهم بين ظهور هذه الجائحة، وبين أخبار وأحداث آخر الزمان التي تزخر بها المدونات الروائية والحديثية، حتى وصلنا في هذا الوقت، إلى الاعتراض على طريق دفن المتوفين بسبب الفايروس، على أكثر من مستوى، ولعلنا نلخص ذلك في الآتي، مما يدل على غلبة وتفوق المعتقد والحضور الطقسي في صلب الممارسة الدينية الشعبية، حتى لو كان على حساب النفس والمجتمع.

ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك، ما حصل من جدل كبير في الأوساط الاجتماعية، وحتى قسم من الجهات الرسمية التي تخشى سلطة التدين الشعبي حول طريقة دفن المتوفى بسبب الفايروس وحكم تكفينه، مما استدعى تدخل المرجعية الدينية، بوصفها المثال الحي للتدين الرسمي النصي.

فقد حصل نوع من سوء التدبير والتخطيط في إدارة الازمة، خصوصا ما يتعلق بدفن المتوفين بوباء كورونا، حيث أصبح الموضوع مثار جدل ورفض من قبل الجهات في تحديد مكان الدفن، وكذلك في جواز التكفين من عدمه؛ لارتباط الموضوع بنقل الفايروس لمن يتصدى للتكفين والدفن، وقد رصدت بعض وكالات الأنباء الصحفية ومواقع التواصل الاجتماعي تذمر بعض المعنيين من ذلك.

ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي إن منع الدفن “قضية لا تنسجم مع الأعراف الدينية والإنسانية التي تشدد على أن إكرام الميت دفنه”. واعتبر أن مسألة انتشار المرض من الأموات “غير مستندة إلى حقائق علمية”، وأن هناك إجراءات تتخذها الدولة للحد من المخاطر “كالتعقيم ولف الجثة بأكياس وتابوت خاص”.

وبعد انتشار هذا الموضوع وحصول نوع من الإرباك وعدم اتخاذ الجهات الرسمية القرار الواضح، في هذه المسألة وخشيتها من السطوة الشعبية، وحساسية الموقف، أفتت المرجعية الدينية في مدينة النجف العراقية بوجوب تكفين الميت بوباء كورونا بالأثواب الثلاثة (الأكفان) وعلى السلطات المعنية تسهيل دفنه في المقابر العامة، ولا يجوز حرق جثمانه، مما جعل السلطات الحكومية المعنية تجهيز طاقم متخصص لهذه المهمة، وكذلك تخصيص قطعة أرض لهذا الغرض، وبالفعل جرت الأمور بشكل انسيابي إلى حد ما.

كذلك انسحب الأمر لكن بشكل أقل في إقامة مجالس الفاتحة على روح المتوفين بسبب الفايروس، حيث الموضوعية تقتضي القول: إن أغلب الأوساط الشعبية، التزمت بعدم إقامة مجالس الفاتحة، سواء كان للمصابين بالوباء أو بغير الوباء، التزاما بتعليمات عدم كسر حظر التجوال، وربما يعزى ذلك الالتزام، لأن المرض أصبح حقيقة على أرض الواقع، لكن ظهرت حالات قليلة أصر أصحابها على إقامة مجالس الفاتحة مع إخفاء سبب الوفاة، مما اضطرت الجهات الحكومية لتنبيه الحاضرين والتوجيه بزيارة المراكز الصحية لغرض الفحص، نتيجة ملامستهم لذوي المتوفى خشية انتقال الفايروس.

لحيدر حسن الاسدي.

مؤسسة مؤمنون بلاحدود- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate