المرأة

لماذا لا يحق لنا الغضب من قانون تزويج المغتصب

لم أفهم حالة الغليان الشديدة التي اعترت مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأسبوع الماضي من تصريحات المحامي العراقي صفاء اللامي، إذ خرج مدافعاً عن المادة 398 من قانون العقوبات العراقية والتي تنص على تزويج الضحية لمغتصبها.

حسناً، لأعيد الصياغة. لم أفهم تحديداً كيف قد يغضب أمثالنا من رأي اللامي -وهو للمفارقة الكوميدية مدير وحدة حقوق الإنسان في نقابة المحامين العراقية-، وأي أحقية نمتلك للغضب.

يرى اللامي أن القانون، والمعمول به في دول عربية أخرى مثل سوريا والكويت والجزائر، يصب في مصلحة الضحية، فهي إن لم تغتنم الفرصة بالزواج من مغتصبها، لن تستطيع على كل حال من الأحوال الزواج من غيره في مجتمعاتنا المغيّبة في عاداتها وتقاليدها وأعرافها الجاهلية، وستبقى بالتالي منبوذة ما حييت.

وهنا لا يسع أكثرنا ارتداء نظارات التفاؤل الوردية، أو حتى أقنعة المثالية الزائفة، أن ينكر تفوّه اللامي بالحقيقة المرّة.

لست أستغرب استنكار الأغلبية العربية للقانون الذي يتيح للمغتصب الزواج من ضحيته، وضجيجها ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يبدو لساديته وكأنما استُخرج مباشرة من “جحيم دانتي”. 

ولكنها المجتمعات نفسها التي تتمسك بفهم حرفي جداً، وقاصر جداً للعذرية، حيث تربطها بمدى تهتك إكليل المهبل -أو غشاء البكارة، كما تسميه-، وبنزيف النساء في “ليلة الدخلة” من عدمه، على الرغم من أن الإكليل يتهتك بشكل تدريجي على مدار حياة المرأة، ولأسباب متنوعة منها ممارسة الرياضة. إنها المجتمعات نفسها التي ترفض ربط العذرية بممارسة الجنس بالضرورة، ناهيك بممارسته بالتراضي والقناعة. 

إنها المجتمعات نفسها التي تستخدم الفعل “فقد” للتحدث عن العذرية، وكأنما كانت غنيمة تُؤخذ بالإجبار. أو في أفضل الحالات، هي وديعة ثمينة “تمنحها” المرأة للرجل في مقايضة محفوفة بالمخاطر عوضاً عن الرغبة والرضا، فلا تعتبر فيها سوى الطرف الخاسر.

بل هي المجتمعات نفسها التي “تبيع” الفتاة البكر مقابل مهر أعلى من الثيب. ولا أعتقد بأني سأضطر إلى شرح المعيار في تباين التسعيرتين.

ما أحاول قوله هو أنها في الواقع مجتمعات تشارك اللامي رأيه بأن المرأة المُغتصبة معطوبة، مُستهلكة وغير صالحة للزواج بسبب وقوع الجريمة النكراء عليها، فلا يختلف الطرفان إلا في مدى التنكيل بالضحية. كيف لا ومعين الأفكار الذكورية النتنة الذي يقرن قيمة المرأة بعذريتها هو هو؟ وكيف لا وكلاهما يتفق على أن ضحية الاغتصاب “فقدت” العامل الذي كان يجعلها جديرة بالزواج؟

ستستهجن شريحة عريضة وجود المادة 398، وتزبد وترعد غضباً منها، ولكنها لن تحيد عما تنبأ به اللامي، فتحكم على المُغتصبة بعقوبة لا تقل قسوة، وهي الوحدة والاستنقاص والشفقة.

أدعو الله بأن يُلغى القانون كما مني بالهزيمة في لبنان والمغرب ومصر وغيرها. ولكن الأمر سيظل بمثابة قطع جذع الشجرة وترك جذورها الشيطانية، تستمد قوتها من مباركتها والصمت عنها.

للعنود المهيري.

النهار العربي- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate