حداثة و ديمقراطية

السياسة الشعبية والسيطرة بعيدة المدى.

يُستخدَم هذا المصلح عادة للتعبير عن السياسة التي تستهدف الشعوب في خطابها، مستندة إلى البعد الثقافي، والتأثير الثقافي في عملية التغيير التي ينشدها العمل السياسي للوصول إلى أهدافه.

إن جوهر السياسة هو عملية التغيير المستمر من أجل النماء وتحقيق الأهداف الإيديولوجية والإستراتيجية للفئة الحاكمة بما يحفظ مصالحها، وعلاقاتها مع محكوميها، وذلك عبر ربط مصالح مصالحهم مع السلطة بشكل مستمر، وهذه العملية تحتاج مرونة وسعيًا دائمًا نحو القدرة على التغيّر والتطور من أجل البقاء في السلطة (غاية السياسة الكبرى).

طبعًا لا تسير الأمور دائمًا بشكل جيد، فقد تلجأ السلطة للطغيان من أجل الحفاظ على مكتسباتها، وقد تلجأ للخداع واستخدام أساليب العبودية الحديثة من أجل خلق حالة تداول شكلي للسلطة مع بقاء المركزية في يد من يديرون المال والمصالح الاقتصادية الكبرى في البلاد، وهو ما تفعله الديمقراطية في هذه الأيام في العديد من دول العالم.

ولكن مهما كان توجّه الفئة الحاكمة فهي تعمل على استخدام السياسة الشعبية كسلاح أساسي في عملية التغيير والحفاظ على السلطة، وتعدُّ هذه السياسة هي القوة الناعمة التي تضمن تغييرًا في الجماهير يوافق التغيير الحاصل في السلطة لا العكس، فتصبح غاية هذه السياسة العمل على تغيير الناس من أجل مواكبة هيمنة السياسيين واحتكارهم للسلطة بدل العمل على توعيتهم ثقافيًا من أجل الحفاظ على استقامة الحكم ونمو الدولة.

وتعمل أيضًا هذه السياسة على تعديل مزاج الجماهير لجعله موافقًا لهوى الأنظمة الحاكمة، أو للتيارات التي ينتمون إليها، وبذلك تصنع الولاء المطلق لها، مهما حملت الأنظمة الحاكمة في بنيتها من قيم.

ومع الوقت يصبح ما قامت السلطة بترويجه ودعمه هو العقيدة التي يدافع الناس عنها، ويرون فيها الانتماء لمفاهيم الأمة والدولة والقيم الكبرى التي تمثل الشخصية الحضارية التي يفتخر بها هؤلاء الناس على غيرهم من الشعوب، وتصبح جزءًا من هويتهم التاريخية.

يلعب التعليم والإعلام والمال دورة أعمدة الهرم أو وجوهه الثلاثة في صناعة هذه المنظومة وحمايتها، ونقلها للأمم الأخرى على أنها الصورة الحضارية التي تسعى البشرية للوصول إليها وتقليدها، وبالتالي تصعد في مختلف أرجاء العالم حكومات تمثل هذه الثقافة وتقوم بخدمتها وتتبع بشكل مباشر أو غير مباشر لأصحاب النظرية الأصليين.

إن ممارسة التأثير الثقافي والعولمة والسياسة الشعبية، أي مخاطبة الشعوب بدلاً من مخاطبة السلطة من خلال وسائل القوة الناعمة يشكل واحدة من أعتى الحروب التي تسعى للسيطرة على الناس وقيادتهم، وإن إغفال هذه السياسة في أي عملية تغيير سيجعل منها عملية قصيرة الأمد وغير قادرة على الاستمرار كما في بعض تجارب الربيع العربي.

لأحمد وديع العيسي.

صحيفة حبر- موقع حزب الحداثة .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate