قراءة في كتاب الهاشمي الطرودي: “الإسلام السياسي في تونس… هل من خصوصية؟”(٢)
المحور الثاني: الاتجاه السلامي والسابع من نوفمبر
إنّ هذا الباب مهمّ جدّا بالنسبة إلى المؤرّخين والباحثين في مجال تاريخ الزمن الراهن، حيث يجد فيه المؤرّخ أو الصحافي أو عالم الاجتماع وغيرهم من المهتمين بالشأن السياسي، العديد من الوثائق والحوارات المتعلقة بتطور علاقات حركة النهضة بتونس بنظام السابع من نوفمبر (1987 – 2010)
لقد تابع الصحفي الهاشمي الطرودي تطور علاقة الاتجاه الإسلامي بتونس بالسلطة أثناء حكم زين العابدين بن علي، وبيّن العديد من المحطات من بينها:
– إطلاق سراح المساجين بعد انقلابه على الحبيب بورقيبة سنة 1987
– توقيع حركة النهضة على الميثاق الوطني، كان أبرز المحطات الأولى في علاقتها بالسلطة؛ وذلك لأسباب عديدة منها تخلّي حركة الاتجاه الإسلامي عن المقولة الشهيرة لكل أحزاب السلام السياسي “لا اجتهاد فيما فيه نصّ”، وهذا يعني تأسيس النص على مكتسبات الحداثة.
– القبول بمبدأ تاريخية تفسير النص؛ وذلك يعني التخلّي عن مقولة “القرآن صالح لكل زمان ومكان”.
– السير على منوال المصلح خير الدين. والفصل بين الثوابت كالعبادات، والمعاملات التي تتغير حسب المرحلة التي تمرّ بها كل أمّة.
– القبول بحرية المعتقد، وتجاوز المقولة التقليدية “دار الإسلام” ودار الكفر. والتخلي عن مفهوم “الردّة”. في الواقع كان الصحفي اللامع الهاشمي الطرودي كثير التفاؤل، لأنّ زعماء حركة الاتجاه الإسلامي كانوا أثناء تلك الفترة سكارى إلى حد الثمالة بمقولات حسن البنا والمودودي وغيرهما من قيادات الإخوان المسلمين. وحسب ما يبدو، كان ذلك يندرج في إطار سياسة “التمكين” الذي أحسن إخوان مصر إدارتها مع العديد من الأنظمة بمصر. وهذا ما أكّده عبد الفتاح مورو في تصريح لجريدة المغرب “نحن حركة سياسية وليست دينية “، لكنّه في نفس الحوار يعلن “الإسلام عقيدة ونظام اقتصادي واجتماعي”.
إنّ القارئ، المؤرخ وكل من يريد متابعة الهاشمي الطرودي في استقصائه يجد العديد من الشهادات حول تطوّر علاقة حركة النهضة بالسلطة.
لقد بيّن الهاشمي الطرودي أيضا في مقالاته الصحفية، الظروف التي أدت إلى المواجهة بين النظام السياسي بتونس أثناء حكم زين العابدين بن علي في بداية التسعينيات وحركة النهضة، من بينها رفض النظام السياسي بتونس إعطاء الحركة تأشيرة النشاط العلني. وكذلك اكتشافه للمجموعات الأمنية.
أما المحور الثالث من كتابه “الاسلام السياسي بتونس.. هل من خصوصية؟”، فقد كان تحت عنوان: “النهضة في السلطة وانكشاف طبيعتها الإخوانية السافرة”.
لقد وضّح الهاشمي الطرودي من خلال مقالاته الصحفية المتعلّقة بممارسات حركة النهضة بعد فوزها في انتخابات أكتوبر 2011 أنّها تميزت بعدّة خصوصيات منها: أخونة الدولة والمجتمع، تدمير ممنهج للدولة الوطنية لحسم صراعهم التاريخ مع الحبيب بورقيبة الذي أطلقت عليه العديد من التسميات (التغريبي، المخلوع الأول وغيرهها). وكان هدف الحركة إرساء دولة دينيّة وإحياء نظام الخلافة الراشدة.
لقد بيّن المؤلّف أيضا أنّ سياسة “الأخونة” قاسم مشترك بين الإخوان في مصر والنهضويّين في تونس، مشيرا إلى أنّ الدولة الوطنية بكلّ من تونس ومصر، دولة حديثة على الرغم من طابعها الاستبدادي. وأنّها تختزل ثمرات الحركات الإصلاحية والوطنية في مجالات الإصلاح والتنوير والتحديث على امتداد القرنين الماضيين.
لقد بيّن الهاشمي الطرودي بلغة العارف لخفايا تاريخ الحركات الإسلامية أنّ هذا المنجز الحضاري الذي تفتخر به القوى الوطنية والديمقراطية يشكّل النقيض للدولة الإسلامية. وتعتبر أيضا الحركات الإسلامية أنّ الدول الوطنية “مشروع استعماري تغريبي يعادي الإسلام” وتعتبر أيضا أنّ مشاريع هذه الدول الحديثة تتناقض في رؤيتها ومناهجها مستشهدا ببعض المقتطفات التي أصدرتها حركة النهضة بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لتأسيسها. وممّا ورد فيها “لقد تأسّست حركتنا بعد خمسة عشر سنة من استقلال البلاد، بعدما تمكّنت النخبة التغريبيّة الحاكمة من تحطيم معظم البنى التحتيّة للمجتمع والدولة، مثل إلغاء الأوقاف، المحاكم الشرعية والتعليم الزيتوني وتفكيك العلاقات الأسرية”.
ولقد أكّد أنّ هذا “مربط الفرس” لكبرى الخلافات بين الدول الوطنية والحركات الإخوانية، مثل حركة النهضة بتونس، معتبرا أنّ مشروع هذه الحركة ليس الإصلاح ودمقرطة الدولة، بل تغيير طبيعتها من دولة مدنية إلى دولة دينية. لقد استخلص أيضا أنّ غاية مشروع الإخوان هو هدم الدولة القائمة لتبنّي مكانها دولة مشروع الإسلام السياسي بديلا للدولة الديمقراطية، دولة الحرية والحق والتسامح التي رسمت ملامحها شعارات ثورات الربيع العربي. مبيّنا أنّ حركة النهضة بتونس ركّزت جهودها للهيمنة على مفاصل الدولة، الأمن، القضاء، الإدارة ومؤسسات القطاع العام عبر زرع نشاطاتها وأنصارها في مختلف هذه المؤسسات.
ومن خصوصيات هذه المرحلة، تزايد الإرهاب واستشهاد العديد من التونسيين مثل لطفي نَقِّضْ الذي قتل ببشاعة قلّ نظيرها، وكذلك شكري بلعيد والحاج محمّد البراهمي، بدون أن ننسى شهداء الجيش الوطني التونسي والأمن الوطني.
لقد بيّن الهاشمي الطرودي أنّ الاستثناء التونسي قاوم سياسة الأخونة وأقصاها قسرا من الحكم. وساهم ذلك في عودة الرشد إلى جزء من قيادات النهضة وأجبرهم على التونسة، مفسّرا ذلك “باحتواء عقولهم على البعض من جينات المدرسة الجمهورية البورقيبية التي ميّزتهم عن أخوان مصر”.
وأجرى الهاشمي الطرودي في هذا الفصل مقارنة بين حكم الإخوان في مصر والنهضة في تونس، وتوصّل إلى عدة استنتاجات مهمّة من بينها:
ـ التشابه على عدة مستويات مثل السياسات التي تهدف إلى أخونة المجتمع والدولة من خلال السيطرة على الفضاء الديني، والسيطرة على مفاصل الدولة.
– إتلاف كلّ مكاسب تجارب الدول الوطنية.
– ردود متشابهة للشعبين المصري والتونسي في مقاومة سياسات الإخوان في مصر وفي تونس، لكن الطرق المتّبعة في إسقاط النظامين مختلفة.
– التشابه برز أيضا على مستوى أخونة الدولة والمجتمع وتحويلهما من المدنيّة إلى الدينيّة.
– استبدال الدولة الوطنية الحديثة بكل من مصر وتونس بدولة إخوانية تطبّق الشريعة.
– غياب أيّ مفهوم للأمن القومي.
لعبد المجيد الجمل.
مؤسسة مؤمنون بلاحدود-موقع حزب الحداثة.