حداثة و ديمقراطية

العلاقة بين القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان(١).

تمهيد:

بالرغم من أن القانون الإنساني الدوليّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان ظلا يعتبران فرعين مختلفين من فروع القانون، إلا أن التطورات الأخيرة في القانون الدوليّ والفقه القانوني، والممارسات قد أدت بالتدريج إلى الاعتراف بأن هذين الفرعين القانونيين يشتركان في الكثير في أرض الواقع. وقد اعترفت محاكم دوليّة عديدة صراحة بالتطبيق المتزامن لهذين الفرعين القانونيين في سياقات معيَّنة من بينها محكمة العدل الدولية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والعديد من المحاكم الوطنية، فالقانون الدولي لحقوق الإنسان لم يعد يطبق فقط أوقات السلام، وإنما يمكن أيضاً تطبيقه في حالات الاحتلال أو في النزاعات المسلَّحة غير الدوليّة، تكميلاً للحماية التي يقدِّمها القانون الإنسانيّ، فيما يخصّ حظر التعذيب وحظر قتل الأسرى والحقّ في المحاكمة العادلة.

ويمكن تناول أوجه التشابه والاختلاف بين القانون الإنساني الدوليّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وفقا للتقسيم التالي:

أولاً: التعريف بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ثانيأ: أوجه التشابه بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. 

ثالثاً: أوجه الإختلاف بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

أولاً:التعريف بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان:

لكل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان مفهومه الخاص، وذلك كما يلي:

أ. مفهوم القانون الدولي الإنساني:

دأب الفقه التقليدي على تسمية هذا القسم من القانون الدولي بقانون الحرب، ثم قانون النزاعـات المسلحة قبل أن يطلق عليه مصطلح القانون الدولي الإنساني. يُعَرف القانون الدولي الإنساني بأنه “مجموعة القواعد الدولية المكتوبة والعرفية التي تهدف – في حالة النـزاع المسلح – إلى حماية الأشخاص المتضررين مما ينجم عن ذلك النزاع من آلام وأضرار، كما يهدف لحمايـة الممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية”.

يعترف القانون الدولي الإنساني (قانون النزاعات المسلحة) بفئتين من النزاعات المسلحة هي النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ويعتبر النزاع نزاعا مسلحاً دولياً في حالة اللجوء إلى العنف المسلح بين دولتين أو أكثر، سـواء كـان ذلـك بإعلان سابق للحرب أو بدونه، ويفرض على الأطراف المتحاربة تطبيق أحكام القانون الـدولي الإنسـاني. أما النزاعات المسلحة غير الدولية فتشمل العمليات العدائية بين قوات حكومية مسلحة وجماعات مسلحة منظمة، أو في ما بين تلك الجماعات داخل الدولة.

ويتكون القانون الدولي الإنساني من:

1. معاهدات لاهاي (1899 و1907) التي تهدف إلى وضع قيود على سير العمليات العسـكرية وسـلوك المتحاربين.

2. معاهدات جنيف منذ اتفاقية 1864، حتى صدور اتفاقيات جنيف الأربعة في العام 1949.

3. البروتوكـولان الإضافيان لعام 1977، والتي جاءت لحماية ضحايا النزاعات المسلحة من جرحى ومرضـى وحمايـة الممتلكات والأعيان المدنية.

4. الأعراف الدولية المتمثلة بالسلوك المتكرر للدول أثناء الحرب والاحتلال العسكري، والتي احتوت قواعد لاهاي ومعاهدات جنيف على كثير منها.

شكلت هذه الاتفاقيات منظومة قانونية مترابطة العناصر، غاياتها الحد من آثار الحروب وإقرار شكل من أشكال التوازن بين “الضرورات الحربية” و”الاعتبارات الإنسانية”.

:ويتضمن القانون الدولي الإنساني عدة مبادئ 

يقوم القانون الدولي الإنساني على مجموعة من المبادئ التي تحكم طبيعته ومضمونه أثناء سير العمليـات العسكرية، ومن بين هذه المبادئ في:

1. مبدأ الإنسانية: يدعو هذا المبدأ في فحواه إلى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال طالما أن استعمال هذه الأساليب لا يؤدي إلى تحقيق الهدف من الحرب.

.مبدأ التمييز: يعتبر مبدأ التمييز حجر الأساس في البرتوكولين الإضافيين، ويتطلب هذا المبدأ من أطراف النـزاع المسـلح التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومراعاة هذا المبدأ لا غنـى عنه لكفالة حماية المدنيين حيث يحظر البرتوكولان القيام بما يلي:

v   استهداف السكان المدنيين.

v   تظاهر المقاتلون بمظهر المدنيين.

v   الهجوم العشوائي.

v   رتكاب أعمال الخطف الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان وتهديدهم.

v   تدمير الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين.

v   الهجوم على دور العبادة وتدمير الآثار

2.مبدأ الضرورة الحربية: “الحالة التي تكون ملحة إلى درجة لا تترك وقتًا كافيا للأطراف المتحاربة اختيار الوسائل المستخدمة في أعمالها العسكرية الفورية”، أو هي الأحوال التي تظهر أثنـاء الحرب وتفرض حال قيامها ارتكاب أفعال معينة على وجه السرعة بسبب موقـف مـا وبسـبب الظـروف الاستثنائية الناشئة لحظتها. واتفق الفقه والقضاء الدوليين على أن الضرورة العسكرية محكومة ومقيدة بعـدة شروط قانونية وهي: ارتباط قيام هذه الحالة بسير العمليات الحربية خلال مراحل القتال بين المتحاربين أو لحظة الاشتباك المسلح، الطبيعة المؤقتة للضرورة الحربية وغير الدائمة وهي بالنظر لطابعها الاستثنائي ليس أكثر من حالـة واقعية تبدأ ببداية الفعل وتنتهي بنهايته وزواله. 

3. مـبدأ التنـاسب: يسعى مبدأ التناسب لإقامة التوازن بين مفهومين متعارضتين، تتمثل الأول فيما تمليه اعتبارات الضـرورة العسكرية “الضرورة الحربية”، بينما تتمثل الضرورة الثانية في ما تمليه مقتضيات الإنسانية حينما لا تكون هناك حقوق أو محظورات مطلقة. وذلك بهدف إتخاذ كافة التدابير الضرورية عن إختيار وسائل وأساليب الحرب لمنع إلحاق خسائر بالمدنيين أو الأضرار بالمتلكات المدنية بشكل عرضي.

4. تفرض القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني والتي تحكم النزاعات المسلحة احترام الأشـخاص المـدنيين الـذين لا يشاركون في النزاع المسلح، وتفرض حمايتهم ومعاملتهم بشكل إنساني.

وللقانون الدولي الإنساني عدة آليات لتفيذه:

القانون الدولي الإنساني  يعرف آليات عديدة تسهر على تنفيذه. ويمكن التمييز في هذا الصدد بين نوعين من آليات التنفيذ والإشراف والرقابة على تطبيق القانون الدولي الإنساني. وذلك كما يلي:

الأول: ويتمثل في الأجهزة الرئيسة لتطبيق القانون الدولي الإنساني وهي:

1. الأطـراف المتعاقـدة: تلتزم جميع الدول المتعاقدة بالعمل على احترام الاتفاقيات وفرض احترامها وبنشرها على نطاق واسع، ويبـدأ الإعداد لذلك زمن السلم من خلال وضع البرامج العملية وترتيب الإجراءات الملائمة لـذلك. وقـد أناطـت اتفاقيات جنيف بالدول مسئولية سن التشريعات والنظم الكفيلة بتطبيق القانون الدولي الإنساني علـى الصـعيد الوطني، وأوكلت إليها مهمة إدراج أحكامه في برامج التعليم العسكرية والمدنية، وحمل الأطـراف المتعاقـدة وليس المتحاربة فحسب، على التقيد بالقواعد المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.

2. نظـام الدولـة الحاميـة: طبقًا للقانون الدولي الإنساني فإن الدولة الحامية هي الطرف المتعاقد المحايد الذي يتفق طرفا النـزاع علـى تعيينه لرعاية مصالح أحدهما لدى الآخر، وإذا لم يتوصل الطرفان إلى ذلك يمكن لهما اللجوء إلى “بديل” يتمثل في “هيئة إنسانية محايدة” مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما جاء في اتفاقيات جنيف وذلك دون المسـاس بالمهام المنوطة بهذه اللجنة بمقتضى وضعها الخاص سواء وجدت الدول الحامية أو لم توجد.

3. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: نصت اتفاقيات جنيف على دور اللجنة الدولية صراحة باعتبار علاقتها بتطوير القانون الدولي الإنساني منذ ظهوره ومتابعة تطبيقه، فاللجنة الدوليـة للصـليب الأحمر هي لجنة غير حكومية معنية بتطبيق واحترام ونشـر الـوعي بمبـادئ القانون الدولي الإنساني.

النوع الثانى من الآليات فيتمثل في وسائل التحقيق والتقصي، وهي:

1. اللجنة الدولية لتقصي الحقائق: أضاف البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هيئة جديدة إلى آلية تنفيذ القانون الدولي الإنساني وهي اللجنة الدولية لتقصى الحقائق. وإذا كان إطار عملها محددا فيما يتعلق بالنزاعات الدولية، إلا أن أعضاء هذه اللجنـة أقروا إمكانية قيامها بأعمال التحقيق في النزاعات الداخلية إذا وافق أطراف النزاع على ذلك. وقد دخل عمـل اللجنة رسمياً إلى حيز التنفيذ منذ عام 1992، أي عام واحد بعد موافقة عشرين دولة على اختصاصها. 

2. المحاكـم الدوليـة: تضمنت مواثيق القانون الدولي الإنساني وسائل وإجراءات تتطلبها المسئولية المترتبة على انتهاكات القـانون الإنساني، حيث تطبق القاعدة العامة للمسئولية المتبعة في القانون الدولي على انتهاك القانون الدولي الإنساني، أي أن الطرف الذي يخل أحكامه يتحمل عاقبة ذلك، وبالتالي جاء النص على جبر الضرر والتعويض. وأقرت اتفاقيات جنيف وبروتوكولها الأول مبدأ المسئولية فنصت على أنه “لا يعفي أي طرف متعاقد نفسه أو طرفا متعاقدا آخر من المسئوليات التي تقع عليه أو على طرف متعاقد آخـر بسـبب الانتهاكات الجسيمة”. واصطلاح الانتهاكات الجسيمة هو مرادف لـجرائم الحرب.

وكان النمط السائد هو تشكيل هيئة محكمة بقرار من مجلس الأمن، وفي تطور لاحق عام 1998 تم إقرار النظـام الأساسـي للمحكمـة الجنائية الدولية، وقد منحت صلاحيات كاملة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أياً كانوا، ومن أيـة جنسـية وبأي موقع ومسئولية، ما دامت الأفعال التي ارتكبوها لاحقة على نفاذ الاتفاقية.

ب. التعريف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان:

اصطلاح ” حقوق الإنسان” هو اصطلاح حديث الدخول في لغة القانون، ولكن فكرة وجود حقوق الإنسان فكرة لصيقة بالوجود الإنساني منذ بدأ الخلق.

وهناك عده تعريفات للقانون الدولي الإنساني من بينها:

Ø    مجموعة القواعد والمبادئ الواردة في بعض الإعلانات والمعاهدات الدولية، التي تنص على وجوب احترام حقوق وحريات  الأفراد والشعوب في مواجهة حكوماتهم بالأساس.

Ø    مجموعة الحقوق غير القابلة للتنازل، التي يتمتع بها الإنسان استنادً إلى صفته الإنسان، مجرداً عن أي وصف، أي بغض النظر عن النوع أو الدين أو الأصل الاجتماعي، ألخ.

Ø    مجموعة الاتفاقيات والإعلانات والمواثيق الدولية، عالمية كانت أو إقليمية، فضلا على القواعد العرفية الدولية  التي تعترف بحقوق الإنسان في كل زمان ومكان , وتنص على ضمان واحترام حقوق الانسان عموما أو حقوق فئات معينة، وتلزم الدول بتوفيرها وحمايتها.

ويرتبط مفهوم حقوق الإنسان بالفلسفة الاجتماعية والسياسية والدينية والإقتصادية؛ نظراً لأن الإنسان هو أساس اهتمام سائر النظم السياسية والقانونية والاجتماعية، لما وهبه الله من عقل وقدرة على العمل ومن أجله وجدت لحمايته.

    ومن المسلم به إنه لا علاقه بين ثبوت حقوق الإنسان لكل فرد وبين وجود الدولة، نظراً لأن حقوق الإنسان تولد مع الإنسان نفسه، وبعيداً عن الدولة، فالإنسان يتمتع بحقوق أساسية حتى قبل وجود الدولة، فهي ليست وليدة نظام قانوني معين.

     فحقوق الإنسان بمثابة حقوق أصلية يمتلكها الأشخاص كافة نتيجة لتمتعهم بالصفة الإنسانية، فهي حقوق لصيقة بالإنسان وغير قابلة للتنازل عنها، وتلزم الدولة بحمايتها من الاعتداء أو الانتهاك. فالمطالبة بحماية حقوق الإنسان تكون في مواجهة السلطة العامة في الدولة على اختلاف أنواعها، والهدف من إقرارها هذه الحقوق، هو تقييد نشاط تلك السلطة، والحد من مجالات تدخلها، باعتبار أن ممارسة الحرية وفق حدودها المقررة، تلقي على السلطة واجب احترامها.

     وهناك حقوق أساسية منصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يجوز المساس ، ويطلق عليها  “الحقوق المصونة ” وتشمل هذه الطائفة من الحقوق : الحق في الحياة، وحظر أعمال التعذيب والعقوبة اللإنسانية والمعاملة المهينة، وتحريم الرق والعبودية، وحرية الفكر، والالتزام بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وعدم جواز السجن بسبب عدم القدرة على الوفاء بالتزام تعاقدي. ويتكون القانون الدولي

ويتكون القانون الدولي لحقوق الإنسان من:

Ø    الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1948.

Ø    اتفاقية 1948 لمنع جريمة إبادة الأجناس والمعاقبة عليها.

Ø    العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية لعام 1966.

Ø    اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1981.

Ø    اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.

Ø    واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989. 

Ø    بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الإقليمية، مثل: الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981.

وللقانون الدولي لحقوق الإنسان عده آليات لتنفيذه:

تشتمل معاهدات حقوق الإنسان على آليات تنفيذ متطورة ترتكز في الأساس على النهج الوقائى المتجه نحو الدولة. وذلك كما يلي

Ø    تنص معاهدات حقوق الانسان على هيئات إشرافية من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

Ø    تنص معاهدات حقوق الإنسان الرئيسة على إنشاء لجان مثل لجنة حقوق الإنسان، تتألف من خبراء مستقلين مكلفين بمراقبة تنفيذ تلك المعاهدات.

Ø    أنشات بعض المواثيق الإقليمية لحقوق الانسان ( الأوروبية، الأمريكية والأفريقية) محاكم لحقوق الإنسان. 

Ø    تؤدي مفوضية الأمم المتحدة دورا رئيساً في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ويتمثل دورها في تعزيز فعالية أجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وزيادة القدرة الوطنية والإقليمية والد ولية  على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ونشر مواثيق حقوق الإنسان والمعلومات المتعلقة بها.

لفاتن فايز الصفتي.

  المركز العربي للبحوث و الدراسات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate