حداثة و ديمقراطية

الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري: حداثة ما بعد الإنسانية أكثر خطورة من أسلمة أوروبا(٥).

الإرهاب والعدمية

العرب: لماذا يصعب إدراك الطبيعة الحقيقية للإرهاب الإسلاموي في فرنسا؟

ميشال أونفري: لأننا لم نعد نمارس التاريخ بل الأيديولوجيا، لأن المدرسة صنعت الكثير من الحمقى ومعهم وسائل الإعلام. أي شخص له رأي في الإسلام نفسه ولو أنه لم يقرأ القرآن مطلقا، ولا يعلم شيئا عن ماهية الأحاديث، ويتجاهل سيرة الرسول وغير قادر على التمييز بين السنة والشيعة، أعتقد أنه ستكون لدينا مفاجآت كثيرة لو سألنا هذا أو ذاك عن القرن الذي عاش فيه محمد.

وهذا لا يمنع العدد الأكبر من أن يكون لهم رأي نهائي في المسألة: بالنسبة إلى بعض اليساريين، الإسلام دين سلام وتسامح ومحبة، وهو فرصة جيدة لفرنسا. وبالنسبة إلى لبعض الآخر من اليمينيين، الإسلام معاد للمرأة وللسامية وللمثليين ويدعو إلى الحرب والتسلط على المرأة.

يضاف هذا الجهل بالإسلام إلى الجهل بالجغرافيا السياسية الشاملة. الحروب التي شنها الغرب ضد البلدان الإسلامية، الإمبريالية الأميركية والاتباع الأعمى الفرنسي للولايات المتحدة في هذه العمليات يفسر عدد من المشاكل الداخلية في فرنسا متعلقة بالتعايش بين الطوائف الدينية التي يتشكل منها البلد اليوم.

كيف نفهم إذن ما يحدث مع الإرهاب الإسلامي الذي هو رد سياسي دموي على حروب الحضارات، لنستمع إلى ما يقوله عبدالسلام المتهم في اعتداءات باريس سنة 2015 في محاكمته… لماذا لم يرتكب أي عمل إرهابي على الأراضي الأيسلندية أو على الأراضي السويسرية؟

* العرب: هل التطرف الديني شعبوية لاهوتية؟

ميشال أونفري: نعم بطريقة ما. إنه، لإعادة صياغة وتحريف لمقولة ماركس: أفيون الشعب، “زفير الإنسان المظلوم”.

تنبع مشكلة الغرب، بحسب مارسيل غوشي، من حقيقة أن هذا الغرب أصبح عاجزا تماما عن التفكير في الدين اليوم إذ اصبح غير مفهوم بالنسبة إليه باعتباره بنية مهيكلة لمجتمع بأكمله. ما هو تحليلك؟

الغرب قادر تماما على التفكير في الدين. يكفي تعليم الأديان بطريقة تاريخية من أجل توطيد التساكن والتعايش. لكن من يريد هذا، من، من يفعل هذا، في أي مكان؟ لا أحد ولا في أي مكان. منذ وقت ليس ببعيد، رأيت إعلانا عن محاضرة حول “العلوم الدينية” في مكتبة كاثوليكية في مدينتي. لا يوجد علم ديني، لكن يمكننا أن نؤسس علم الأديان. لم نصبح عاجزين عن التفكير في الدين، لكننا نفتقر إلى الرغبة في التفكير في الدين.

* العرب: كيف يمكننا إيجاد الطاقة للوصول إلى عيش “حياة طيبة” في أوروبا التي أصبحت تشك في ذاتها؟

ميشال أونفري: لم يتبق سوى الحل الفردي. لقد بدأت عملا واسع النطاق بـ”موسوعة موجزة عن العالم” (في الحقيقة الكتاب يتجاوز خمسمئة صفحة) وتبعه كتاب “الانحطاط” (2017).

لقد قمت بنشر كوزموس (2015) قبل ذلك وبعده “الحكمة” (2019). في هذا الكتاب الأخير أستعيد الحكمة الرومانية بالقول إنها قابلة للتطبيق في عصرنا عصر الانهيارات. إنه يحتفل بالأناقة، والشعور بالشرف، والوفاء، والشجاعة، والعظمة، ما كان يوما يكوّن ويهيكل ما كان يُطلق عليه “الروماني القديم”.

* العرب: هل الجهادية الفرنسية عدمية جديدة كما يؤكد أوليفييه روا؟

ميشال أونفري: نعم، إنه في الواقع نتاج العدمية المعاصرة: القيم التي كانت تمثلها اليهودية والمسيحية لم تعد صالحة. إن الدين الإسلامي الذي لا يزال يؤمن بالجنة ويعلمها على الطريقة القديمة مع وعد بحياة أبدية من المتعة مقابل حياة أرضية من الزهد والنسك والحرمان، يجذب عددا كبيرا من الناس. عندما نعتقد أيضا أن قتل الكافر يفتح باب الجنة، كما يدعو القرآن في خمس أو ست آيات من بين أكثر من ستة آلاف، فنحن نحل مشكلة العدمية المعاصرة لأنفسنا: يصبح للحياة معنى فجأة. قتل الكافر هو أن تعيش سعيدا إلى الأبد في الجنة، من الصعب محاربة هذا الاعتقاد غير المعقول.

لحميد زماز.

العرب- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate