مع مرور أكثر من 3 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، بات المجتمع الدولي بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراق سياساته الخارجية، ولعل الملف السوري هو من بين أكثر الملفات العالقة في المنطقة، وهو الذي شهد جمودا كبيرا خلال الفترة الماضية.
المستجدات الأخيرة، وخاصة في شهر أيار/مايو الحالي، أعادت الملف السوري إلى الواجهة من جديد، فقد عاد التدخل في سوريا وتبني مواقف حولها من دول كبرى ومن دول إقليمية لتبرز معالم جديدة قد تكون حاسمة في المرحلة القريبة المقبلة.
منطقة تركية آمنة
مع مطلع الشهر الحالي، أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان، عن نية بلاده إتمام مشروع المنطقة الآمنة في الشمال السوري، من أجل إعادة نحو مليون لاجئ سوري عودة طوعية بحسب قوله.
ولكن حتى الآن، لا تعرف المدة الزمنية اللازمة لإتمام المشروع، كما لم تصدر أي آراء حوله من الدول الفاعلة، سواء بالرفض أو الإيجاب، وهذا ما دعا أردوغان لابتزاز الغرب ودعوتهم لمساعدة تركيا في إنشاء هذه المنطقة مقابل احتمالية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف “شمال الأطلسي” (الناتو).
من جانب آخر، وفي منتصف الشهر الحالي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، عن إصدار ترخيص عام يمنح المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق في شمال غرب وشمال شرق سوريا، (ماعدا مناطق إدلب وعفرين) استثناءات من العقوبات الأميركية، وذلك بغية تحسين الأوضاع الاقتصادية.
وقد استثنت الولايات المتحدة القطاعات التالية من العقوبات، الزراعة، التمويل، البناء، المعلومات والاتصالات، البنية التحتية للشبكة الكهربائية، النفط والتخزين، الطاقة البديلة، التجارة.
انسحابات روسية
مؤخرا ومع الضغط الذي تتعرض له روسيا نتيجة لغزوها لأوكرانيا، أشارت العديد من التقارير إلى أن روسبا بدأت بسحب عدد من قواتها من سوريا، وقد أفادت مصادر أنه الروس سحبوا جزءا من قواتهم من شرق سوريا، كما قاموا بالانسحاب من مطار كويرس في ريف حلب وتسليمه للإيرانيين.
وعلى الرغم من هذه التقارير إلا أن الروس لم يعلقوا عليها بشكل رسمي، ما دفع العديد من المحليين إلى اعتبار أن تغييرات مهمة سوف تطرأ على الأرض ترتبط بالملف السوري خلال المرحلة القادمة.
الخبير في الشأن الروسي، سامر الياس، قال إن روسيا منذ العام 2018 تقريبا، وبعد ترسيخ وتثبيت خطوط التماس في سوريا بين الأطراف المتصارعة، والقوى المسيطرة على الأرض في 2020 وحتى الآن، سعت إلى صفقة مع الولايات المتحدة، لكن الأخيرة لم تقدم لها أي عرض مناسب لصفقة في سوريا، بل على العكس شددت من قانون قيصر، وغيره من الإجراءات، كما أنها لم تنسحب من سوريا كما لوحت في السابق، مضيفا أن سوريا ورقة بيد روسيا ستقوم برميها عندما يكون الثمن مناسبا.
الجنوب السوري وتصعيد محتمل
وسط أنباء عن انسحابات روسية من محافظة درعا، وحلول ميليشيات إيرانية بدلا عنها، حذر الملك الأردني عبدالله الثاني، يوم الأربعاء الماضي، من أن النفوذ الإيراني سيزداد في سوريا لاسيما في الجنوب بعد الأنباء عن انسحابات روسية بسبب غزو أوكرانيا.
التمدد الإيراني، برز بشكل واضح في الآونة الأخيرة في سوريا، من خلال إعادة تموضع وانتشار الميليشيات الإيرانية تحت ستار الجيش السوري، بالإضافة الحركة الأخيرة لتنقلات الضباط السوريين في الجيش والأمن، حيث جيء بضباط عُرف عنهم الولاء لإيران، أبرزهم المقدم يحيى ميا في الأمن السياسي، والمسؤول عن معبر نصيب الحدودي، والذي عُرف بولائه الشديد لإيران، وزياراته لليمن في مهمات تدريبية مع حزب الله لجماعة الحوثيين.
وفي هذا السياق، قال الصحفي الأردني، خالد المجالي، في حديثه إلى أنه من الممكن أن يكون الأردن قد تحدث عبر القنوات الدبلوماسية مع إيران مرارا حول قضية تواجدها في الجنوب، وطالبها بكف يد ميليشياتها في جنوب سوريا، ولكن ذلك لم يكن كافيا، مضيفا أن الأمور قد تصل لتصعيد أكبر دبلوماسيا، ويصاحبه عمليات أكثر جرأة في العمق السوري بالتنسيق مع حلفاء استراتيجيين للأردن، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لا سيما أن الأردن يمتلك أدلة دامغة على تورط إيران في عمليات التهريب.
تحول في المشهد السوري؟
الصحفي السوري، عقيل حسين، يرى خلال حديث له، أنه في ضوء كل التطورات الأخيرة، فإن الملف السوري سيشهد تحولا كبيرا خلال العام الحالي، فالإدارة الأميركية ربطت بشكل واضح بين كل الملفات التي تتعلق بروسيا وبما فيها سوريا.
وأشار حسين، إلى أن التحركات الأخيرة للولايات المتحدة تدل على أن لديها خططا بالنسبة للملف السوري، وهذا لا يعني بطبيعة الحال وجود نية لدى واشنطن لإسقاط حكومة دمشق، أو باستئناف تحرك عسكري على نطاق واسع، ولكن بالتأكيد لديها تصورات مختلفة عن السابق، وقد اتضح ذلك من خلال الاستثناءات من العقوبات لشمال غرب وشمال شرق سوريا.
وبالإضافة لذلك، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة تخطط لإعادة انتشار في شمال سوريا، بعد قيام طواقم فنية وعسكرية أميركية مؤخرا بزيارة قواعدها السابقة في عين العرب، جرابلس، وإعزاز، لتعزيز الاستقرار في هذه المناطق، وتوجيه رسالة صريحة لإيران وروسيا بأنهم عادوا إلى سوريا بقوة أكبر، بحسب حسين.
احتمالات مفتوحة بشكل غير مسبوق في سوريا، ربما تحمل التهدئة في أجزاء منها، وربما تحمل التصعيد في أجزاء أخرى، فيما يبدو أنه عاد للملف السوري الزخم مؤخرا، وهو ما سيكون ورقة ضغط إضافية على روسيا بشكل رئيسي، وعلى إيران ودمشق أيضا.